
المرأة والسكتة الدماغية: سُبل الوقاية ممكنة.. لتجنَب الخطر الأكبر
في دراسة حديثة أجراها أعضاء هيئة التدريس في كلية الطب بجامعة كولورادو، الدكتورة ميشيل ليبيرت والدكتور شارون بواسون؛ كشفت النتائج عن أن النساء هنَ أكثر عرضةً من الرجال للإصابة بالسكتات الدماغية، والتي تُسبَبها جلطات الدم التي تنتقل إلى الدماغ.

ووفقاً للدراسة، فإن النساء البالغات من العمر 35 عامًا أو أقل، كنَ أكثر عرضةً للإصابة بالسكتات الدماغية الإقفارية (وهي أكثر أنواع السكتات الدماغية شيوعًا؛ وتحدث عندما تمنع جلطةٌ دموية تدفق الدم والأكسجين إلى الدماغ) بنسبة %44 مقارنةً بالرجال.
هذه البيانات والأرقام، هل يجب أن تُثير فينا مشاعر الخوف والتوجس من تداعيات السكتة الدماغية؟ لماذا النساء أكثر عرضةً لها مقارنةً بالرجال، ما هي العوامل التي تزيد من خطورة حدوثها؟ كيف أعرفُ أنني مصابةٌ بالسكتة الدماغية أو على وشك الإصابة بها، والأهم؛ كيف أحمي نفسي منها؟
أسئلةٌ كثيرة لا شك أنها تراود مخيلتك الآن بعد قراءة مطلع مقالتنا اليوم؛ وهي الأسئلة ذاتها التي خطرت في بالنا عند الحديث مع الدكتور محمد المعتز، أخصائي طب الأعصاب من المستشفى السعودي الألماني، الذي أفادنا بشرحٍ مُفصل للسكتة الدماغية وماهيتها..

ما هي السكتة الدماغية؟
السكتة الدماغية هي حالةٌ طبية طارئة، تحدث عندما يتوقف أو يقلَ تدفق الدم إلى جزءٍ من الدماغ، مما يؤدي إلى تلف خلايا الدماغ بسبب نقص الأكسجين والعناصر الغذائية. قد تنتج السكتة الدماغية عن انسدادٍ في الأوعية الدموية (السكتة الدماغية الإقفارية) أو بسبب نزيفٍ في الدماغ (السكتة الدماغية النزفية).
ما هي أسباب السكتة الدماغية؟
يمكن أن تحدث السكتة الدماغية لأسبابٍ عدة منها:
- ارتفاع ضغط الدم: وهو عاملٌ رئيسي يؤدي إلى تلف الأوعية الدموية.
- أمراض القلب: مثل الرجفان الأذيني الذي يزيد من خطر تكوّن الجلطات.
- داء السكري: الذي قد يؤثر على الأوعية الدموية ويزيد من احتمالية الإصابة.
- التدخين: يضر بالأوعية الدموية ويزيد من احتمال حدوث الجلطات.
- السُمنة ونمط الحياة غير الصحي: قلة النشاط البدني وتناول الأغذية الغنية بالدهون المشبعة والسكريات تزيد من خطر السكتة الدماغية.
ما هي الأعراض المبكرة للسكتة الدماغية؟
من المهم معرفة أن السكتة الدماغية قد تظهر عادةً بأعراضٍ مفاجئة مثل:
- ضعف أو خدر في الوجه أو الذراع أو الساق (عادةً في جانب واحد من الجسم).
- صعوبة في الكلام أو الفهم، كالتلعثم المفاجئ أو فقدان القدرة على التحدث.
- تشوش في الرؤية أو فقدان الرؤية الجزئي أو الكلي في إحدى العينين أو كلتيهما.
- فقدان التوازن أو التنسيق، والشعور بدوخةٍ مفاجئة.
- صداعٌ شديد ومفاجئ بدون سببٍ واضح.
إذا ظهرت لديكِ أيٌ من هذه الأعراض، يجب طلب المساعدة الطبية فورًا؛ لأن العلاج الفوري يمكن أن يُقلَل من المضاعفات الخطيرة.

هل النساء أكثر عرضةً للسكتة الدماغية من الرجال؟ ولماذا؟
نعم، تشير الدراسات إلى أن النساء أكثر عرضةً للإصابة بالسكتة الدماغية مقارنةً بالرجال، وذلك لعدة أسباب:
1. الاختلافات الهرمونية: يلعب هرمون الإستروجين دورًا في تنظيم الأوعية الدموية؛ ولكن بعض التغيرات الهرمونية، مثل الحمل أو استخدام وسائل منع الحمل الهرمونية، يمكن أن تزيد من خطر تشكَل الجلطات.
2. الحمل والولادة: النساء الحوامل أكثر عرضةً للإصابة بارتفاع ضغط الدم، مما يزيد من خطر السكتة الدماغية.
3. الاستخدام المطول للعلاج بالهرمونات البديلة بعد انقطاع الطمث قد يزيد من خطر الجلطات الدموية.
4. متوسط العمر الأطول للنساء: تعيش النساء لفتراتٍ أطول من الرجال، مما يجعلهنَ أكثر عرضةً لعوامل الخطر المرتبطة بالعمر مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
ما هي العوامل التي تزيد من تعرَض النساء للسكتة الدماغية؟
بالإضافة إلى الأسباب التقليدية، يؤكد الدكتور المعتز أن ثمة عوامل خاصة تزيد من خطر السكتة الدماغية لدى النساء، يجب التنبه له؛ منها:
- تسمَم الحمل وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل.
- الإصابة بالصداع النصفي المصحوب بالأورة (Migraine with aura).
- تناول أدوية منع الحمل خاصةً مع التدخين أو وجود ارتفاع في ضغط الدم.
- الاكتئاب والتوتر المزمن، حيث يمكن أن تؤثر الصحة النفسية على صحة القلب والأوعية الدموية.
كيف أعرفُ أنني أعاني من سكتةٍ دماغية؟
يمكنكِ استخدام قاعدة BE FAST للكشف السريع عن أعراض السكتة الدماغية:
- B (balance): الاتزان
- E(eye): اضطراب الرؤية
- F (Face): الوجه – هل يوجد ارتخاءٌ أو شلل في جانبٍ واحد من الوجه؟
- A (Arms): الذراعان – هل يمكن رفع الذراعين بالتساوي، أم ثمة ضعف في إحداهما؟
- S (Speech): الكلام – هل الكلام متداخل أو غير مفهوم؟
- T (Time): الوقت – في حال ظهور أيَ من هذه الأعراض، يجب الاتصال بالطوارئ فورًا.

ماذا أفعلُ في هذه الحالة؟
لا تتجاهلي الأعراض، حتى لو اختفت بعد دقائق. واعمدي لاتخاذ الخطوات الآتية:
- اطلبي الإسعاف، أو دعي من يرافقكِ يفعلون ذلك.
- استلقي على جانبكِ وتجنبَي الحركة.
- لا تتناولي الطعام أو الشراب حتى وصول الطاقم الطبي.
من النساء الأكثر عرضةً للإصابة بسكتة دماغية؟
تنقسم النساء المُعرضَات أكثر لخطر السكتة الدماغية إلى الفئات التالية:
- النساء فوق سن الـ 55: إذ يزداد الخطر مع التقدم في العمر.
- من لديهنَ تاريخٌ عائلي من السكتة الدماغية أو أمراض القلب.
- النساء اللاتي يعانينَ من ارتفاع ضغط الدم أو داء السكري.
- من يتناولنَ وسائل منع الحمل الهرمونية مع عوامل خطر أخرى مثل التدخين.
- من يعانينَ من السُمنة أو قلة النشاط البدني.

كيف تحمي المرأة نفسها من خطر السكتة الدماغية؟
للوقاية من السكتة الدماغية، أنصحُ جميع النساء وخاصةً قارئات "هي" باتباع الخطوات التالية:
- السيطرة على ضغط الدم: من خلال مراجعة الطبيب وتقليل تناول الملح وزيادة تناول البوتاسيوم.
- الحفاظ على وزنٍ صحي: من خلال اتباع نظامٍ غذائي متوازن وممارسة الرياضة بانتظام.
- الإقلاع عن التدخين: فهو يضاعف خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
- مراقبة مستويات السكر في الدم للوقاية من السكري أو السيطرة عليه.
- ممارسة الرياضة: المشي لمدة 30 دقيقة يوميًا يُقلَل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية.
- إدارة التوتر والقلق: من خلال تقنيات الاسترخاء مثل التأمل واليوغا.
- متابعة طبية دورية: لإجراء الفحوصات الدورية والكشف عن أي عوامل خطر مخفية.
ما هي أحدث العلاجات والتطورات في علاج السكتة الدماغية؟
الحقيقة أن السنوات الأخيرة، شهدت بحمد الله تطوراتٍ كبيرة في علاج السكتة الدماغية، ومنها:
- عقار مُنشط البلازمينوجين النسيجي (tPA): وهو دواءٌ يساعد على إذابة الجلطات إذا تم إعطاؤه خلال الساعات الأولى من الإصابة.
- إجراءات استئصال الجلطات (Thrombectomy): وهي تقنيةٌ جراحية تُستخدم لإزالة الجلطات من الأوعية الدموية الكبيرة في الدماغ.
- الأجهزة المُساعدة لاستعادة تدفق الدم: مثل الدعامات التي تُوسَع الشرايين الضيقة.
- العلاج بالخلايا الجذعية: قيد البحث لتجديد الأنسجة.
في الخلاصة؛ فإن السكتة الدماغية قد تُشكَل تهديدًا صحيًا خطيرًا للنساء، لكنها ليست حتمية؛ إذ يمكن الوقاية منها عبر اتباع نمط حياةٍ صحي ومراقبة العوامل التي تزيد من خطر الإصابة. كما أن التقدم الطبي يُوفر فرصًا أكبر للعلاج والشفاء عند اكتشافها مبكرًا. لذا، فإن الوعي بالأعراض واتخاذ الإجراءات الوقائية التي ذكرها الدكتور المعتز أعلاه، يمكن أن يُنقذ الحياة ويُعزَز رفاهها.