
الصحة النفسية حقٌّ أساسيَ.. هكذا تعنين بها وتتجاوزين المشكلات التي تعصف بحياتك
قال النبي ﷺ: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا"، وشبك بين أصابعه. ويُنقل عنه عليه الصلاة والسلام قوله أيضًا: "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى."
ما هذه الأقوال المهمة والتي لا تُقدَر بثمن، إلا ترجمةٌ حقيقية لأهمية تعاون وتعاضد الناس بشكلٍ عام مع بعضهم البعض؛ ومساعدة من يحتاجون منهم للدعم والمساعدة عند الشدة. وربما تكون الشدة النفسية هي أكثر معاناةٍ قد يعانيها بعضنا، قياسًا بأنواع المعاناة الأخيرة كالجسدية والمالية.
الشدة والمعاناة النفسية يمكن تشبيهها بزنزانةٍ كبيرة، تحبس الناس داخلها ولا تسمح لهم بالخروج، مع أن المفتاح قد يكون بين أيديهم. لماذا؟ لأنهم يُخفون هذه المعاناة عمن حولهم، ويحاولون لوحدهم إيجاد الحلول لها؛ ليغرقوا يومًا بعد يوم في حفرةٍ عميقة من اليأس والتعب، ولتتفاقم تلك المعاناة لتتحول إلى مشكلةٍ نفسية قد تُودي بحياة المصابين بها إلى التهلكة.
لهذا حرصت دولٌ عدة، وعلى رأسها دولة الإمارات العربية المتحدة، على إيلاء الصحة النفسية للأفراد عنايةً مضاعفة؛ وباتت الصحة النفسية ليست مجرد مسألة شخصية، بل أولويةٌ وطنية بحسب ما صرَح سعادة مقصود كروز، رئيس الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان في الإمارات العربية المتحدة، خلال حلقةٍ خاصة مباشرة من بودكاست "Mentl Space"، ضمن حملة "مزَق الصمت" التي أطلقتها "منتل" لكسر وصمة العار المحيطة بالصحة النفسية. وقد أُطلقت حملة "مزَق الصمت"، بدعم من فياتريس، في إطار جهود منتل الأوسع لمناصرة الصحة النفسية، وتتضمن فعالياتٍ مباشرة وحواراتٍ مُعمقة تهدف إلى تشجيع الحوار المفتوح حول الصحة النفسية.
إذا كنتِ من المهتمين بالصحة النفسية وتعزيزها، ننصحكِ بمتابعة حلقات بوكادست Mentl Space التي يُخصَص بعضها لحملة "مزَق الصمت" عبر حلقاتٍ حصرية تضم خبراء ومناصرين رائدين، وتغطي مواضيع عدة مثل الصحة النفسية كحقٍ من حقوق الإنسان؛ الصحة النفسية في مكان العمل؛ كسر وصمة العار من خلال سرد القصص؛ ودور التكنولوجيا في الصحة النفسية.
تجدر الإشارة هنا إلى أن منتل Mentl هي منظمةٌ رائدة في مجال دعم الصحة النفسية، وتُكرّس جهودها لمعالجة وصمة العار المحيطة بالصحة النفسية وتعزيز الحوار المفتوح. ومن خلال البودكاست والأبحاث والفعاليات والجوائز، تُعزَز منتل أصوات رواد الصحة النفسية، كما تُشجع على التغيير الإيجابي في أماكن العمل والمجتمعات.
ترسيخ الصحة النفسية في قانون الإمارات

في حديثه مع سكوت أرمسترونغ، مؤسس منتل؛ أكد سعادة مقصود كروز على ترسيخ الصحة النفسية في قانون دولة الإمارات العربية المتحدة، مما يُعزَز أهميتها كحقٍ أساسي من حقوق الإنسان وركيزةٍ أساسية لمجتمعٍ مزدهر وطموح وقادر على الصمود.
ولا يقتصر دعم الصحة النفسية في دولة الإمارات على المدافعين عنها وصانعي السياسات فحسب، بل تُعدّ أولويةً واضحةً لقيادة الدولة ومن القمة؛ إذ تضمن:
• الوصول إلى خدمات الصحة النفسية
• حماية الخصوصية والسرية
• مكافحة الوصمة الاجتماعية من خلال السياسات والتوعية
وإلى جانب التشريعات، وضعت قيادة دولة الإمارات رؤيةً للرفاهية تتجاوز الرعاية الصحية. فقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، عام 2025 عامًا للمجتمع، مُدركًا أن المجتمع القوي يُبنى على رفاهية أبنائه. وعلَق معالي مقصود كروز على هذه المبادرة بالقول: "المجتمع المزدهر يقوم على أفراد مزدهرين. لا يقتصر الأمر على الخدمات فحسب، بل يتعلق أيضًا بالتواصل الاجتماعي، وتحقيق الهدف، وضمان حصول كل فرد على الدعم اللازم للازدهار."
مع اختيار عام 2025 ليكون عامًا للمجتمع، تؤكد دولة الإمارات على أن الصحة العقلية والرفاهية الاجتماعية يجب أن تسير جنبًا إلى جنب مع الجوانب الحياتية الأخرى، مما يخلق ثقافة الرعاية والمرونة والمسؤولية المشتركة.
تحدي مكان العمل: دعوة الشركات للعمل

بينما تقود الحكومة الطريق، أطلق معالي مقصود كروس تحديًا للقطاع الخاص لإشراكه في موضوع الصحة النفسية التي باتت مسألةً وطنية: حان وقت اللحاق بالرَكب.
ويقول في هذا الصدد: "أفضل أماكن العمل لم تعد مجرد أماكن إنتاجية، بل هي آمنة نفسيًا. وأفضل القادة ليسوا مجرد رؤساء تنفيذيين، بل هم رؤساء تنفيذيون يُعنون بالتعاطف."
وحثّ سعادة كروز الشركات على الإدراك أن الصحة النفسية ليست تكلفةً إضافية، بل هي استثمارٌ مُثمر يُشجع على التحفيز والمشاركة والنجاح على المدى الطويل. وكانت رسالته في هذه المسألة واضحة: "إذا أرادت الشركات الربح، فهي بحاجة إلى الإنتاجية. وإذا احتاجت إلى الإنتاجية، فهي بحاجة إلى التحفيز. والتحفيز يزدهر بالرفاهية."
مضيفًا: "لقد أدركنا شيئًا ما خلال فترة كوفيد. أفضل القادة لم يكونوا مجرد رؤساء تنفيذيين، بل أصبحوا رؤساء تنفيذيين يُعنون بالتعاطف. لقد رأوا فرقهم، وتواصلوا معهم، وفهموا معاناتهم. هذه هي عقلية القيادة التي نحتاجها اليوم."
كيف تُحسَنين صحتكِ النفسية؟
ربما يكون من المنصف القول إن "الصحة النفسية" أصبحت مصطلحًا شائعًا بقدر مصطلح "العناية بالنفس". ولكن دعونا نوضح ماهية الصحة النفسية ومكوناتها - لأنها تؤثر على الكثير.
بشكلٍ عام، تشير "الصحة النفسية" إلى صحتكِ النفسية العامة وحالة أدائكِ العاطفي والإدراكي والاجتماعي. تؤثر الصحة النفسية على جوانب عديدة من حياتنا، بدءًا من علاقاتنا مع الآخرين وصولًا إلى ما يجعلنا نشعر بالرضا وكيفية تعاملنا مع تحديات الحياة.
يمكن أن تؤثر صحتنا النفسية على عوامل مثل تقديركِ لذاتكِ؛ طريقة تواصلكِ الاجتماعي مع الآخرين؛ كيفية إيجادكِ للمعنى والقيمة في حياتكِ؛ أدائكِ النفسي المرتبط بالذاكرة وحل المشكلات؛ صحتكِ الجسدية؛ وما إذا كنتِ تعانين من اضطرابٍ في الصحة النفسية مثل القلق أو الاكتئاب أم لا.
الصحة النفسية جزءٌ أساسيٌّ من تفاعلنا الاجتماعي وتفاعلنا مع الآخرين من حولنا. فالتمتع بصحة نفسية جيدة يُساعدك على بناء علاقات إيجابية وهادفة مع الآخرين. ويرتبط هذا الأمر بكيفية تواصلنا وتحدثنا معهم، وكيفية إرساء حدودٍ سليمة والحفاظ عليها، وكيفية تعاطفنا معهم.
تعزيز الصحة النفسية والعناية بها، لا يقل أهميةً عن العناية بالصحة الجسدية، بل ويُعتبر مُكملّاً لها. نمر كأفراد، بالعديد من الضغوطات الحياتية والمجتمعية والاقتصادية والعاطفية التي تُولّد الإرهاق والتوتر والاكتئاب، والتي جميعها تلعب دورًا كبيرًا في صحتنا النفسية. وتؤثر هذه الحالة على الأنشطة اليومية والتواصل الاجتماعي مع العائلة والأصدقاء والمجتمع.
7 نصائح للحفاظ على الصحة النفسية وتعزيزها

تقول نور الصمادي، مستشارة صحة نفسية: "رسالتي للشباب الذين يعانون من الصحة النفسية وضغوط الحياة: لا تتردوا في طلب المساعدة من مختصي الصحة النفسية أو أشخاص تثقون بهم. كونوا بخير وفضفضوا."
وتقدم عبر موقع يونسيف للطفل في الأردن، 7 نصائح أساسية لتعزيز الصحة النفسية والمحافظة عليها؛ يمكنكِ عزيزتي تطبيقها والاستفادة منها كما يلي:
1. إدراك أن الصحة النفسية لا تقل أهميةً عن الصحة البدنية: الحياة اليومية تعصف بنا عبر الكثير من الضغوطات والقلق الاجتماعي والمهني، فضلًا عن المخاوف من المستقبل غير المنظور وتأثيرات ما يحدث حول العالم على حياتنا. وهو ما يزيد من شعورنا بالوحدة والاكتئاب، لذا من الضروري إعطاء الصحة النفسية حيزًا مماثلًا من الاهتمام كالذي نعطيه لصحتنا الجسدية، كي نواجه مثل هذه الضغوطات بحكمة ومعرفة.
كما من الضروري لنا إدراك أننا لسنا وحدنا من يعاني من هذه المشكلات، وأن غيرنا لديه حالاتٌ مماثلة فيما يتعلق بصحته النفسية؛ وهو أمرٌ سيُحفَزنا للبحث عن الدعم النفسي الذي نحتاجه ليس فقط لمساعدة أنفسنا، وإنما مساعدة أصدقاء أو مقربين لديهم نفس المعاناة.
2. الإحسان: كونوا لطفاء مع أنفسكم ومع الآخرين؛ فالإحسان هو الخطوة الأولى التي بوسعكم اتخاذها بحق أنفسكم لجعلها أفضل. لا تلوموا أنفسكم بسبب الظروف التي تعيشون فيها، وكونوا لطفاء نحوها.
كذلك أظهروا التعاطف مع الآخرين وقدّموا المساعدة لهم وكونوا لطفاء معهم أيضاً، فذلك سيشعركم بالتأكيد بطمأنينةٍ وراحة، وسيؤثر إيجابًا على مزاجكم ومزاج الآخرين، وهو ما سيخلق بيئةً صحية لكم ولراحة بالكم.
3. البحث عن الأدوات المختلفة لدعم الصحة النفسية: مثل الاسترخاء والتركيز وتقنيات التنفس، ولا ننسى بالطبع في وقتنا الحالي، دور بعض المنصات الإلكترونية المُعتمدة التي تقدّم شبكةً واسعة من مقدّمي الرعاية الصحية ومختصي الصحة النفسية المعتمدين، طلبًا للمساعدة.
4. احموا صحتكم النفسية من محتوى وسائل التواصل الاجتماعي السلبي: لكل شيءٍ إيجابي ناحيةٌ سلبية نوعًا ما؛ وكما تقدم بعض المنصات المختصة الدعم والمساعدة في الصحة النفسية، فإن منصات التواصل الاجتماعي قد تُظهر أسلوب حياة بعض الناس الذي أقل ما يُقال عنه أنه بعيد كل البعد عن الحقيقة والواقع. هذا التصوير "المثالي" لحياة الآخرين على السوشيال ميديا، قد يكون مُرهقًا ومثيرًا للقلق عند بعض الناس، ما يتسبب بمشكلاتٍ في صحتهم النفسية واستقرارهم العاطفي والعائلي.
لذا لا تنقادوا وراء هذه الصور المزيفة التي تُصوَر الحياة كأنها خاليةٌ من المشاكل؛ لكل منا حياته الممزوجة بالجيد والسيء كل يوم، فلا تُحبطوا إن رأيتم غيركم لا يعاني من أية ضغوطات من خلف الشاشة، فهم في الواقع قد يكونون مُحبطون لدرجةٍ كبيرة، ما دفعهم لاستعراض أسلوب حياةٍ زائف ومغاير للحقيقة. وعوضًا عن هدر الوقت على منصات التواصل الاجتماعي، قوموا بممارسة أنشطة مختلفة تساعدكم على الاسترخاء والتركيز، مثل القراءة والمشي والتحدّث مع أصدقاء مقرّبين.
5. قوموا بهذه الخطوات للاسترخاء والتخلّص من التوتر: في حال واجهتم أية مشاعر من الحزن والقلق أو الغضب، اعلموا أن هذه المشاعر طبيعية جدًا والجميع يمرَ بها. للخروج من هذه المشاعر بأقل الأضرار، ما عليكم سوى تطبيق بعض التمارين لتهدئة أنفسكم وعدم القسوة عليها:
• وضع إحدى اليدين على الصدر والأخرى على الجبهة.
• أخذ عدة أنفاس عميقة وبطيئة للداخل والخارج.
• التركيز على التنفس أثناء القيام بهذه الخطوات.
في الختام؛ اطلبوا المساعدة في حال شعرتم بالعجز أو الإرهاق، لا تترددوا في طلب المساعدة من أخصائي الصحة النفسية أو مقدّمي الرعاية الصحية النفسية. واعلموا أن طلبكم للمساعدة سواء من المختصين أو من شخصٍ تثقون به ما هو إلّا دلالةٌ على قوتكم، لأنكم أبديتم اهتمامًا بأنفسكم وبصحتكم النفسية.
وتزامنًا مع اليوم العالمي للسعادة الذي يُصادف يوم غد الخميس 20 مارس، تذكَري هذه المقولة: " السعادة ليست في عدم مواجهة المشاكل أو عدم التعرض للألم، ولكن السعادة هي أن تكوني مثابرةً وهادئة ومتفائلة عند مواجهة تلك الصعوبات والآلام." لكل شيءٍ نهاية، والألم له نهايةٌ بلا شك، فلا تترددي عزيزتي في مواجهة مشكلاتكِ النفسية وحلها بكافة الطرق الصحية والممكنة، لتنعمي بصحةٍ نفسية عالية ورفاهٍ في الحياة.