
تأجيل الأمومة بات خيارًا ممكنًا للنساء.. مع تجميد البويضات وحفظ الخصوبة لبعد حين
منذ عامٍ تقريبًا، تطرقت لموضوع تجميد البويضات وحفظ الخصوبة، من خلال مقابلة أجريتها مع الدكتورة داليا خليفة، متخصصة في الطب التناسلي والعقم.
واليوم، نُعيد إثارة هذا الموضوع الذي بات مادةً دسمة يتمَ التطرق إليها في العديد من المجالس والمسلسلات أو الأفلام. آخرها مسلسل "بالدم" الذي يُعرض على الشاشات حاليًا خلال شهر رمضان المبارك. حيث نجد تمارا، الشابة الجميلة التي عانت من خيانة خطيبها لها قبل ليلة الزفاف، لتُقرَر عدم الارتباط مجددًا بعدما فقدت ثقتها بجنس الرجال. لكنها لم تفقد حبها للأطفال، ولهذا سعت لتجميد بويضاتها على أمل أن تُنجب طفلًا فيما بعد، تمنحه حبها وحنانها.

موضوع تجميد البويضات لم يعد من المُحرمات، وهناك الكثير من الناس ممن يلجأون لهذا الخيار إما لأسبابٍ شخصية أو صحية، خاصةً مع عدم وجود المانع الديني لذلك. وقد انتشرت مراكز تجميد البويضات وحفظ الخصوبة في العديد من الدول العربية، ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة، التي تضم كذلك الأمر العديد من المختصين في العقم والصحة الإنجابية، ممن يقدمون مساعدةً كبيرة لمن يسعون للإنجاب الآن أو لاحقًا.
تجميد البويضات لأسبابٍ صحية
منذ عدة سنوات، كان لصديقةٍ لي تجربةٌ مميزة في تجميد البويضات؛ لينا الجميلة التي تضجَ حياةً وحبًا وشغفًا باليوغا، اكتشفت إصابتها بسرطان الغدد اللميفاوية. يومها، كانت لينا مرتبطةً لتوها وتحلم بالإنجاب؛ لكن وبسبب حاجتها للخضوع للعلاج الكيميائي، اضطرت إلى تجميد بويضاتها كي لا تخسر بويضاتها نتيجة هذا العلاج. وبعد رحلةٍ مُضنية من العلاجات، تعافت لينا وعملت على إجراء عملية تلقيح لواحدة من بويضاتها، ليرزقها الله بطفلةٍ جميلة.
يؤثر مرض السرطان أيضًا على نسبة الخصوبة لدى السيدات المصابات به، كون السرطان النشط يقوم بمهاجمة الأعضاء التناسلية، ما يجعل الحمل صعبًا أو مستحيلًا.
وليس بعيدًا عن السرطان، فإن تجميد البويضات يُعدَ حلًا للعديد من المشكلات الصحية التي تعانيها المرأة. منها مشاكل متلازمة المبايض متعددة الكيسات، أمراض المناعة الذاتية وأمراض الغدد الصماء وغيرها من المشاكل الصحية والأمراض التي تتسبب في انخفاض الخصوبة أو انعدامها في بعض الأحيان، عند النساء؛ ما يُقلَص من فرص إنجابهنَ للأطفال في المستقبل.
تجميد البويضات لأسبابٍ حياتية
كلنا يعلم أن خصوبة المرأة تتوقف أو تقلَ مع التقدم بالسن؛ وهناك العديد من الأفلام التي تطرقت إلى سيداتٍ قمنَ بتجميد بويضاتهنَ خشية فقدان الأمل بالأمومة مع التقدم بالعمر.
ولا ننسى بالطبع، أن النساء في عصرنا الحالي، بتنَ أكثر ميلًا نحو الدراسة والعمل والتفوق في التدرج الوظيفي وتبوأ أعلى المراتب؛ وهو ما قد يجعلهنَ يؤخرنَ موضوع الإنجاب لعدة سنوات في سبيل تحقيق تفردهنَ ونجاحهنَ في المجال العملي. بعض النساء أيضًا ممن لا يُوفقنَ بالرجل المناسب للإرتباط به في عمر مبكر، أو يُفضَلنَ الزواج والإنجاب في عمرٍ متأخر بعض الشيء، يلجأنَ لخيار تجميد البويضات الذي أخبرتنا المزيد عنه الدكتورة داليا خليفة، متخصصة في الطب التناسلي والعقم وتعمل في مركز First IVF لأطفال الأنابيب في مدينة دبي الطبية.

ما هو تجميد البويضات وكيف تتم هذه العملية؟
تنخفض فرص المرأة في الحمل بشكل طبيعي مع تقدمها في السن، وذلك بسبب انخفاض جودة وعدد البويضات لديها. ويمكن أن يكون تجميد البويضات محاولةً منها للحفاظ على مستويات عالية من الخصوبة، عن طريق تجميد البويضات. ومن الممكن القيام بهذه العملية عندما تكون المرأة أصغر بالسن، والبويضات لديها ضمن أعلى مستويات الجودة؛ حتى تتمكن من تكوين أسرة في المستقبل.
أما العملية، فهي تستغرق حوالي أسبوعين حتى تكتمل. وتتضمن أخذ حقن هرمونية يومية لتعزيز إنتاج البويضات ومساعدة البويضات على النضج لمدة 10-12 يومًا. عندما تصبح البويضات جاهزة، يتم جمعها من خلال إجراء غير مؤلم يحصل تحت التخدير العميق. وفي هذه المرحلة، بدلاً من تلقيح البويضات مع الحيوانات المنوية (كما هو الحال في التلقيح الاصطناعي التقليدي)؛ سيتم تجميدها عن طريق التزجيج (التجميد السريع) وتخزينها في خزانات من النيتروجين السائل.
وعند الاستعداد لمحاولة الحمل، يتم إذابة البويضات ودمجها مع الحيوانات المنوية. ليتم بعد ذلك نقل الأجنة التي تتطور إلى الرحم، لزرعها.
لماذا تختار النساء تجميد البويضات؟
قد تلجأ المرأة لهذا الخيار في حال كانت:
• تعاني من حالة طبية أو تحتاج إلى علاج لحالة طبية تؤثر على خصوبتها، مثل السرطان.
• تشعر بالقلق من انخفاض خصوبتها، ولكنها غير مستعدةٌ لإنجاب طفل أو لم تجد الشريك المناسب. وهذا ما يُسمى "تجميد البويضات الاختياري أو الاجتماعي".
• لا ترغب في الاحتفاظ بأي أجنة متبقية لم يتم استخدامها بعد علاج أطفال الأنابيب لأسباب أخلاقية أو دينية.

هل هذه العملية مُكلفة أو محفوفة بالمخاطر، ولماذا؟
يبلغ متوسط تكلفة جمع البويضات وتجميدها حوالي 20.000 درهم، بما في ذلك الأدوية. أما تكاليف التخزين فهي إضافية، وتميل إلى أن تكون في حدود 1500-2000 درهم سنويًا.
هذا بالنسبة للأسعار؛ أما فيما يخص المخاطر أو العواقب، فإن تجميد البويضات يُعدَ آمنًا جدًا في الغالب، على الرغم من أن بعض النساء قد يعانينَ من الآثار الجانبية بشكل رئيسي بسبب أدوية الخصوبة. وغالبًا ما تكون هذه الأعراض خفيفةً، بما في ذلك الغثيان والصداع والتشنجات والانتفاخ وتقلب المزاج.
جئنا للسؤال الأهم: لكم من الوقت يمكن للمرأة تجميد بويضاتها؟
جاءت أطول عملية ذوبان ناجحة بعد 14 عامًا، وقد وُلد العديد من الأطفال الأصحاء من بويضات مُجمدة لمدة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات. بمجرد تجميد البويضات، سيتم تخزينها بأمان في منشأة آمنة للغاية، حيث تُحفظ جيدًا حتى تصبح جاهزة لاستخدامها لاحقًا.
ما هو أفضل عمر لتجميد البويضات؟
من منظور عمري، كلما قمتِ بتجميد بويضاتكِ في وقت مبكر؛ كلما كانت فرصتكِ في الحمل من خلال هذه العملية أفضل. تشير الدراسات إلى أن النساء اللاتي يقمنَ بتجميد بويضاتهنَ قبل سن 35 عامًا، لديهنَ فرصةٌ أفضل لحمل ناجح؛ مقارنةً بأولئك اللاتي يقمن بتجميد بويضاتهنَ بعد سن 35 عامًا. لذا فإن أواخر العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من العمر هو أفضل وقت للقيام بذلك.
ما هي محظورات تجميد البويضات؟ أو بتعبير أدق، متى يفوت الأوان للقيام بذلك؟
لا يوجد حد عمري فعلي أو حد أقصى لتجميد البويضات، على الرغم من أن احتمالية تحوَل هذه البويضات إلى ولادة حية، تقل بعد سن 42 عامًا. وفقًا للأبحاث، فإن النساء اللاتي يقل عمرهنَ عن 36 عامًا عند تجميد بويضاتهنَ، لديهنَ فرصة بقاء هذه البويضات بعد إذابتها على قيد الحياة بنسبة 95٪. لتبدأ هذه النسبة في الانخفاض إلى 85٪ بحلول سن 36 عامًا.
إذا كان عمركِ 40 أو أكثر ولم تقومي بتجميد بويضاتكِ، فمن المؤكد أن الوقت لم يفت بعد لتصبحي أمًا. كل امرأة فريدةٌ من نوعها، وكذلك خصوبتها. لكننا بالإجمال، لا نشجع النساء على تجميد بويضاتهنَ بعد سن 44 عامًا.
ماذا يحدث عندما ترغب المرأة في استخدام بويضاتها المُجمَدة؟

بمجرد أن تصبح المرأة جاهزًة، تكون العملية هي نفس ما تراه في دورة التخصيب في المختبر (IVF): أولاً، تتم إذابة البويضات، ثم يتم دمجها مع الحيوانات المنوية للشريك باستخدام علاج خصوبة يسمى حقن الحيوانات المنوية داخل السيتوبلازم (الحقن المجهري). سيتم تخصيب نسبةً من البويضات وتبدأ في الانقسام، مما يؤدي إلى تكوين الكيسة الأريمية (الأجنة) بعد 5 أيام في المزرعة، وتكون جاهزةً للنقل مرة أخرى إلى رحم المرأة.
ما هي فوائد وسلبيات تجميد البويضات؟
إحدى الفوائد الرئيسية لتجميد البويضات، هي أنه يُجمَد بويضات المرأة في الوقت المناسب حتى تتمكن من استخدامها للحمل لاحقًا. ويمكن أن تسمح لكِ هذه العملية بتأسيس علاقة آمنة وصحيحة، والتركيز على أهدافكِ المهنية؛ وفي النهاية السيطرة على حياتكِ من خلال إعطائكِ خيار الحمل عندما يحين الوقت المناسب لكِ.
ويختلف معدل النجاح الإجمالي لتجميد البويضات بناءً على عدد من العوامل: إذ يمكن أن يؤثر عمركِ على النجاح الشامل وجودة البويضات. تمامًا كما هو الحال مع البويضات التي تنتجها المرأة كل شهر، لن تصبح كل بويضة مُجمدة جنينًا؛ فمن الناحية الإحصائية، سيكون بعضها غير طبيعي وراثيًا وغير قادر على الإخصاب. وليس كل جنين تم إنشاؤه يتم زرعه بنجاح في رحم المرأة. بالإضافة إلى ذلك، لن تنجو كل البويضات من عملية الذوبان، وبالمثل، لن يتم تخصيب جميع البويضات بنجاح بواسطة الحيوانات المنوية.
لذلك، من المهم على جميع النساء أن يفهمنَ فوائد هذه العملية وقيودها بالكامل قبل الإقدام عليها؛ وبالتالي يُعدَ التحدث مع الطبيب المختص أمرًا في غاية الأهمية لتبيان كافة جوانب عملية تجميد البويضات من البداية.
في الختام؛ فإن موضوع الأمومة موضوعٌ جميل وراقي، ومن حق كل امرأة أن تكون أمًا سواء حصل هذا الأمر اليوم أو بعد عدة سنوات. تجميد البويضات بات حلًا مثاليًا للكثيرات، وهو فرصةٌ حقيقية للحفاظ على الخصوبة مع التقدم بالسن.
واليوم وبمناسبة عيد الأم الذي يُصادف أيضًا بداية شهر الربيع؛ لا يسعنا سوى تهنئة جميع الأمهات والسيدات على هذه المشاعر الدفاقة والجيَاشة التي تحملها تجاه أولادها وجميع الأطفال حول العالم.