بين مؤيد ومعارض .. الارتباط السريع بعد الصدمات العاطفية يمحو آلام الانفصال ويعجل بالتعافي
قاسية هي الصدمات العاطفية، فكلما كانت درجة الثقة أكبر كلما كان الألم أقسى، وكلما كان عدد مرات السماح أكثر كلما كان الخذلان أسوأ في تأثيراته على القلوب والنفس والمشاعر، وكلما كان الحب أعظم كلما كان الجُرح أعمق فبحسب درجة الحب يختلف الوقت المستغرق في التعافي، ولذلك قد تطول أو تقصر مدة التعافي بعد الصدمات العاطفية، ولذلك أيضاً تختلف من شخص إلى آخر، لأن فشل العلاقة العاطفية ليس أمراً هيناً، وخصوصاً إذا جمعت بين الطرفين قصة حب طويلة وتوجت بذكريات دافئة ومؤثرة، كما أنه أمراً مرهقاً للروح، وهذا هو السر وراء تأثر الحالة النفسية سلباً بعد التعرض للخيبات والصدمات.
وهنا لابد وأن نطرح سؤالاً هاماً ألا وهو ما هي أسرع طريقة للتعافي بعد الصدمات العاطفية؟
تتوقف الإجابة على هذا السؤال على طبيعة كل شخص، ومقدار حبه، ومقدار ثقته، وكم الألم الذي تعرض له، والأضرار التي لحقت به، والعديد من الأمور الأخرى التي ترتبت على تعرضه للصدمة، وهو ما يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند الحديث عن هذا الموضوع، لأن التعافي من الصدمات العاطفية لا يحدث بكبسة ذر، ويحتاج إلى مراحل عديدة حتى يتحقق، ولذلك أيضاً يجب التعامل مع المشاعر بحذر هذه الفترة حتى تمر بسلام.
الارتباط السريع بعد الصدمة يحقق التعافي
تنقسم الآراء إلى نوعين منهم من يقتنع ويؤيد، ومنهم من يرفض ويعارض، وسنبدأ الآن بالرأي الأول حول مدة الارتباط المناسبة بعد الصدمات العاطفية، وخلاصته أن الارتباط بعد الخيبات والصدمات يحقق التعافي بعد الصدمة بشكل عاجل، وهذا الرأي قد يسمعه الشخص المخدوع من المقربين إليه من الأصدقاء والأهل والأقارب، ولا يقف الأمر عند حد إبداء الرأي فقط، لأنهم يكررون ذلك مراراً وتكراراً معتقدين أنهم بذلك يساعدون الشخص الذي يعاني مرارة الانفصال، وأن دخوله في مغامرة عاطفية جديدة هو الحل الأنسب لخروجه من حالة الحزن التي يعيشها وتسيطر عليه.
وقد يندفع البعض متأثراً بهذا الرأي في الدحول في علاقات غرامية سريعاً بعد الانفصال، والمحير أن بعض الخبراء النفسيين والدراسات التي طرحت في هذا الصدد، يشيرون إلى ضرورة الارتباط السريع بعد الصدمات العاطفية لتحقيق التعافي السريع، والشعور بالحب والدفء من جديد مع شخص آخر، حيث الشعور بالاستقرار العاطفي، والسعادة.
والآن أجد أن هناك ضرورة ملحة في طرح كل هذه الأسئلة، فكيف تتحقق السعادة والشخص المطعون في قلبه وكرامته ما زال يعاني مرارة الانفصال؟، وكيف يمكن له الدخول في علاقة عاطفية جديدة وهو لا يرى إلا الغش والخداع، ولا يشعر إلا بالظلم والقهر من أقرب الناس إليه؟، وكيف يمكن أن تستقيم العلاقة مع شريك آخر وما زال هناك وجود لبقايا جُرح عميق في القلب؟، وكيف يتعافى القلب باجباره على الدخول في علاقة عاطفية جديدة بها أعباء واحتياجات الطرف الآخر دون أن يتعافى من كل الآثار السلبية التي لحقت به بعد التعرض للصدمة؟ وكيف وكيف ..؟
إن ما ينادي به الرأي الأول ليس أمراً منطقياً على الإطلاق حتى وإن نادى به بعض الخبراء، وطرحت بصدده بعض الدراسات، لأن التجربة الإنسانية المجسدة على نطاق أوسع على أرض الواقع أصدق دليل على أنه لا يمكن أن يتحقق التعافي بعد الصدمات العاطفية بالارتباط السريع في كل الحالات، وذلك لأسباب عديدة منها :
- الشعور بالأسى والألم يقتل أي فرصة للتفكير في أي شريك آخر.
- فقدان الثقة في أي شريك مستقبلي بعد مرارة التجربة أمر وارد بنسبة مائة بالمائة.
- ضعف الثقة بالنفس والافتقار إلى تقدير الذات نتيجة أكيدة بعد التعرض للصدمات العاطفية.
- الحاجة إلى هدنة كافية للتخلص من رواسب هذه العلاقة.
- الحاجة إلى الشعور بالذات والنهوض من جديد لاثباتها والعمل على تطويرها، والوقوف على أرض صلبة، وتعزيز الثقة بها ليكون قرار الارتباط سليماً بعد ذلك.
- التأكد بالفعل من أن الشريك الذي تسبب في الصدمة لم يعد له أي وجود في القلب ولا توجد مشاعر من أي نوع نحوه.
- تحقيق وقاية القلب والنفس من الدخول في قصة جديدة مرهقة ومؤذية للروح والوجدان.
- التأكد من تضميد الجراح نهائياً وتحقق النضج الكافي بعد التعرض للصدمة.
التريث في الارتباط بعد الصدمات العاطفية طريق السلامة
كغيري من المعارضين للرأي الأول، وعن رأي الشخصي في هذا الموضوع، لا اعتقد أن الارتباط السريع يعد قراراً صائباً بعد الانفصال والتعرض للصدمات العاطفية، لأنه لا يجب إهمال آلام النفس وجرح المشاعر، فمن الظلم توريطهما في علاقة عاطفية جديدة دون تحقيق التعافي من صدمة العلاقة العاطفية الأولى، والوصول إلى النضج العاطفي، والتأثر بالتجربة، والاستفادة من دروسها، لأن ذلك سيؤدي إلى اتخاذ قرارات خاطئة ومروعة في حق النفس، ولذلك ومن خلال تجربة مريرة مررت بها، يجب الانتظار حتى التعافي الكامل من الصدمة، والتريث جيداً مع التفكير المنطقي، وتحديد ما إذا كان هناك حاجة للارتباط بشريك آخر من عدمه.
ومن خلال مسرح الحياة، نجد أن كثيراً من الذين دخلوا في علاقات سريعة بعد الانفصال والطلاق أو التعرض لصدمات عاطفية قد قاموا بذلك لتحقيق أهداف معينة ألا وهي:
- الانتقام من الشريك المخادع بسرعة بالارتباط بشريك آخر.
- الهروب من رواسب العلاقة باجبار النفس على الدخول في علاقة أخرى والنتيحة سلبية للغاية.
- ضعف الثقة بالنفس سبب في سرعة ارتباط هؤلاء الأشخاص بشركاء حياة آخرين.
- الرغبة في الرد السريع على المتسبب في الانفصال والصدمات العاطفية.
- الاعتقاد بأن الدخول في علاقة عاطفية سريعة سيحول دون التفكير في مآسي العلاقة الأولى.
ولذلك، ومما تقدم من الأفضل احترام النفس والمشاعر، والحفاظ على القلوب، وتحقيق وقايتها من التعرض لصدمات عنيفة أخرى قد تكون سبباً في هلاكها، إذ يجب التريث بعد التعرض للصدمات العاطفية، والتأكد تماماً من أنه لا وجود لأي رواسب للعلاقة الأولى في العقل أو القلب، وأن ذلك الشريك قد أصبح مثله مثل جميع الأشخاص الغرباء.
والآن كيف يمكن التأكد من أنه لا توجد أي رواسب في القلوب أو أي ذكريات من الممكن أن تثار بمجرد ذكر أسمائهم أو الحديث عنهم؟
مقولة أعجبتني كثيراً حد الإيمان بها، والتصديق على كل حرف فيها، وهي " إن القوة الحقيقية ليست في النسيان ولكن في تذكرهم دون التأثير بهم"، لأن هذه العبارة هي خير دليل على أن من سكنوا القلوب بالأمس طردوا منها نهائياً، ولا يوجد لهم أي تأثير عند تذكرهم، لأن مرارة الألم طغت على كل جميل في العلاقة، وهذه هي الطريقة الأمثل والأكثر تأكيداً للتأكد من أنهم لم يعودوا في مكانتهم السابقة عندنا، وهذا هو خير دليل على أن قلوبنا التي احتلت بحبهم بالأمس باتت متحررة منه نهائياً اليوم، وأن الوقت قد حان للتفكير في الارتباط بشريك آخر شريطة أن يتم اختياره بدقة بالغة، لأنه لا مجال للوقوع في أخطاء أخرى عند الاختيار.
وأخيراً، ولكل من يفكر في الهروب من تجربة عاطفية قاسية ومن ويلاتها بالارتباط السريع بشريك آخر، عليكم بالتريث والحفاظ على قلوبكم ومشاعركم، والانتظار حتى تمام التعافي من الصدمات العاطفية، لكي لا تكون قلوبكم حقل تجارب للعبث بها، خصوصاً مع ضعف الثقة في النفس، والشعور بالافتقار إلى الذات، وغير ذلك من المشاعر السلبية التي تشعرون بها بعد الانفصال والتعرض للصدمات العاطفية.
والآن .. ماذا عنكِ غاليتي، وما هو رأيك بخصوص الارتباط السريع بعد الصدمات العاطفية؟