الطلاق الصامت مأساة يعيشها الأزواج خلف الأبواب المغلقة.. مستشارة زوجية تقدم لـ"هي" وصفة النجاة
وفجأة تنهار الحياة الزوجية، ويحدث الطلاق الصامت دون كلمات. تنهار دون الإعلان عن ذلك صراحة حتى إشعار آخر. يبدأ الانهيار تدريجيا مع التزام الصمت، وانعزال كل من الزوجين في عالم منفصل عن الآخر. تنهار ويحدث الطلاق دون النطق بكلمة واحدة. فما زالت هناك بعض الكواليس المهمة على مسرح الحياة الزوجية التي لابد وأن تكتمل كحالة الانفصال الأولي التي يعيشها الزوجين.
قد تستمر العلاقة الزوجية في بعض الزيجات رغمًا ما يعتريها من صمت وانعزال تام عن أدق الممارسات اليومية التي تجمع بينهما. وقد تنتهي في بعض الزيجات بوقوع الطلاق رسميًا. والحقيقة أن ذلك أفضل بكثير من استمرارية العلاقة في حياة بائسة وراكدة خالية من المشاعر. حياة يعتريها جليد يفتك بالقلب والروح.
في هذا المقال، سنتعرف على الطلاق الصامت عن قرب بالإجابة على الأسئلة الأكثر شيوعًا التي تتعلق بماهيته، وأسبابه، وعلاماته، وتأثيراته السلبية على الحياة الزوجية، وكيفية التعامل معه وعلاجه عبر إفادة شاملة من "داليا شيحة" المستشارة الزوجية والأسرية بدبي.
ما هو الطلاق الصامت؟
الطلاق الصامت هو حالة من الانفصال العاطفي والنفسي بين الزوجين دون الانفصال الفعلي. إذ يظل الزوجان تحت سقف واحد، يتشاركان الحياة اليومية، لكن بدون حميمية أو تواصل عاطفي حقيقي. حياة زوجية شكلًا فقط أما من ناحية الموضوع فهي خالية تمامًا من الدفء والمودة والرحمة. يعيش الزوجان حياة زوجية باردة تمامًا. لا تواصل، ولا مشاركة، ولا دعم، إلى أن يتحول التواصل إلى حد أدنى من الضروريات المتعلقة بالحياة اليومية التي تستدعي ضرورة التواصل من أجلها. مثل الحديث الذي يدور بين أي زوجين حول احتياجات الأطفال ومشاكلهم، هذا فقط ما قد يجمع بينهم للحظات قليلة.
ما هي أسباب الطلاق الصامت؟
بحسب داليا شيحة مستشارة زوجية وأسرية بدبي، تتعدد أسباب الطلاق الصامت، وقد تختلف بحسب الظروف المحيطة بالزوجين. ورغما عن ذلك توجد بعض الأسباب الشائعة التي تؤدي إلى هذه الحالة، وهي:
-
نقص أو انعدام التواصل
يعد غياب الحوار الفعّال بين الزوجين أحد أسباب الطلاق الصامت المهمة. مع مرور الوقت، قد يفقد الزوجان القدرة على التواصل بشكل صحيح، مما يؤدي إلى تراكم المشاعر السلبية وسوء الفهم. هما لا يدركان أهمية التواصل بينهما في توطيد العلاقة وتحقيق ترابط أسري يدوم.
-
الضغوط الحياتية
لا يمكن إهمال أثرالضغوط الحياتية الصعبة، والمسؤوليات، والأعباء على علاقة الزوجين ببعضهما البعض، وبخاصة مع تشعبها، فمنها ما يتعلق بالعمل، ومنها ما يدخل ضمن المشاكل العائلية بما في ذلك احتياجات الأطفال، والمشاكل المالية والظروف الحياتية الطارئة. كل هذه الضغوط تتسبب في حدوث توتر كبير في العلاقة بين الزوجين إذا انعدم التواصل بينهما.
-
الإهمال العاطفي
الاهتمام ركن مهم جدًا في الحياة الزوجية؛ في بعض الحالات، قد يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بالإهمال العاطفي. قد يكون ذلك نتيجة لانشغالهما بأمور أخرى مثل الأطفال أو العمل أوالأعباء، مما يؤدي إلى تدهور العلاقة العاطفية بينهما.
-
الخيانة الزوجية
قد لا تصمد العلاقة بين الزوجين بعد الخيانة الزوجية، لأنها تتسبب في الشعور بمشاعر قاسية تفتك بكل ما هو جميل في العلاقة. يتوقف ذلك على درجة المودة والحب، وعلى منزلة الزوجين عند بعضهما البعض. أحيانا قد تستمر الحياة الزوجية كما يحدث في بعض الزيجات، ولكن النتيجة حياة زوجية بائسة عديمة الأمان خالية تمامًا من الثقة حياة مهددة بالانفصال والطلاق الفعلي في أي وقت. في بعض الحالات عندما يكتشف أحد الزوجين الخيانة قد لا يرغب في مواجهة الطرف الآخر بدلاً من ذلك، يبدأ الصمت مع حفنة أخرى من المشاعر مثل الحزن الشديد، والشعور بالخذلان، والخيبة والحسرة أيضًاً.
-
الروتين والملل
يخلق الروتين اليومي المعتاد للزوجين في الحياة الزوجية حالة من الرتابة، تؤدي إلى الشعور بالملل، ومن ثم فقدان الشغف بالعلاقة، ومنها إلى النفور الزوجي. وهنا يحدث الطلاق الصامت في هدوء تام، ودون أي محاولات للانقاذ.
-
تكرار الخلافات الزوجية
تؤدي الاختلافات الشخصية أو الثقافية أو الاجتماعية بين الزوجين إلى نشوب نار الخلاف بينهما. كما أن تراكم الأعباء والمسؤوليات وضغوطات الحياة اليومية تزيد من حدوث ذلك. والحقيقة أن هذا الأمر يحول دون استقرار العلاقة بين الزوجين، وبخاصة مع عدم إيجاد حلول سليمة لوأد فرص تكرار الخلاف مرة أخرى. ومع التكرار يبدأ الصمت ويحدث الطلاق الصامت بابتعاد كل من الزوجين عن الآخر رغمًا عن وجودهما معًا في نفس المنزل بل ونفس الروتين اليومي.
ما هي علامات الطلاق الصامت؟
توجد علامات عديدة تنذر بحدوث الطلاق الصامت، وبحسب داليا شيحة تتوقف إمكانية النجاة على الاكتشاف المبكر لها حتى يتم البدء في تطبيق إجراءات الانقاذ والمضي قدمًا بطريقة أفضل في مسيرة الحياة الزوجية. لأن التأخير في الانتباه لهذه العلامات يزيد من صعوبة إصلاح ما أفسده الصمت الزوجي.
-
انعدام الحوار
إذا لاحظ الزوجان انخفاضًا كبيرًا في مستوى الحوار بينهما، حيث تصبح المحادثات مقتصرة على الضروريات اليومية فقط، دل ذلك على حدوث الطلاق الصامت بينهما.
-
ضياع الحميمية
في تراجع وضياع الحميمية بين الزوجين دلالة على حدوث الملل الذي أدى إلى النفور والصمت الزوجي. ويعد تباعد مرات اللقاء الحميم لفترات طويلة علامة قوية من علامات الطلاق الصامت.
-
تجنب قضاء الوقت معًا
إذا أصبح الزوجان يتجنبان قضاء الوقت معًا، ويفضل كل منهما البقاء بمفرده أو مع الأصدقاء على حساب التواجد مع شريكه، فقد يعني ذلك فقدان الشغف بالعلاقة مع الشريك، وحدوث التباعد والوقوع في أزمة الطلاق الصامت.
-
الإهمال المتبادل
عدم الاهتمام بمشاعر أو احتياجات الشريك، يمكن أن يكون علامة على تدهور العلاقة بين الزوجين وحدوث الطلاق الصامت.
-
البحث عن بديل لتلقي الدعم العاطفي
إذا بدأ أحد الزوجين في البحث عن الدعم العاطفي من خلال بديل آخر. فإن ذلك يعني حدوث فجوة كبيرة بين الزوجين، وبدء حالة الطلاق النفسي والصامت، وذلك بسبب الفراغ العاطفي الذي أسفر عنه التباعد بينهما.
-
الخرس الزوجي
يعد الخرس الزوجي والصمت الزوجي أيضًا من علامات الطلاق الصامت التي تدل على احتضار العلاقة وقرب نهاية الحياة الزوجية.
ما هي مخاطر الطلاق الصامت؟
من المحزن للغاية أن تعيش الزوجة بوضع مطلقة مع زوجها الذي من المفترض أن يكون هو الأقرب إليها. ونفس الشعور بالنسبة للزوج الذي يشعر بغربة شديدة بين أحضان زوجته. لقد شرع الله عز وجل الزواج للرجل والمرأة، ووثق جل جلاله العلاقة بينهما بالرباط المقدس، وجعل بينهما مودة ورحمة. ولذلك، على الزوجين الانتباه جيدًا من حكمة الله سبحانه وتعالى في الزواج، وعليهما بذل الوقت والجهد للحفاظ على العلاقة بينهما، وعلى حياتهما الزوجية باعتبارها نعمة كبيرة من النعم التي أنعم الله بها عليهما. إن الطلاق الصامت لا يؤثر فقط على الزوجين، بل يمتد تأثيره ليشمل الأسرة بأكملها، وخاصة الأطفال.
ومن أبرز هذه المخاطر ما يلي:
- إلحاق الضرر بنفسية الزوجين والأطفال إن وجد.
- فقدان الشعور بالأمان لجميع الأطراف زوج وزوجة وأطفال.
- يؤدي الطلاق الصامت إلى انعزال الزوجين عن علاقاتهم الاجتماعية بالآخرين، حيث يشعران بالإحراج أو بعدم الراحة في التفاعل مع الآخرين بسبب ما حدث لهما.
- زيادة احتمالات حدوث الطلاق الفعلي إذ يعد الطلاق الصامت خطوة أولى نحو الانفصال الرسمي بين الزوجين. وهو نتيجة طبيعية لأن تراكم المشاعر السلبية والإحباط يؤدي إلى استحالة الاستمرار في العلاقة، مما يدفعهما إلى الانفصال النهائي.
علاج الطلاق الصامت
يتطلب التعامل مع الطلاق الصامت وعيًا كبيرًا بأبعاد المشكلة، إضافة إلى استعداد كل من الزوجين إلى بذل الوقت والجهد للحفاظ على حياتهما الزوجية وإنقاذها من خراب مؤكد.
وفي ما يلي بعض النصائح التي تقدمها مستشارة العلاقات الزوجية والأسرية "داليا شيحة" والتي تعد بمثابة وصفة نجاة للزوجين والتي يجب تنفيذها بالبدء باتخاذ خطوات فعلية نحو علاج الطلاق الصامت. ومن أبرز هذه النصائح ما يلي:
-
التواصل وبناء حوار هادف وبناء بين الزوجين
الخطوة الأولى للخروج من حالة الطلاق الصامت هي إعادة بناء الحوار بين الزوجين. من الضروري التحدث بصراحة عن المشاعر، المخاوف، والاحتياجات الشخصية. الحوار الصريح يعزز من التفاهم، وتحقيق التقارب بين الزوجين، وهذه نتيجة جيدة ستحقق الانسجام بينهما في ما بعد.
-
عدم التردد في الحصول على الاستشارة الزوجية من الخبراء
في حال كانت العلاقة تعاني من مشاكل عميقة، قد يكون من المفيد جدًا اللجوء إلى الخبراء والمختصين. لأن لديهم العديد من الطرق المدروسة علميًا من خلال البحث والدراسة لتحسين التواصل وحل النزاعات بين الزوجين بطريقة بناءة. وعليه يجب عدم التردد في طلب الاستشارة منهم، وعدم الشعور بالحرج بسبب ذلك.
-
كسر الروتين والبحث عن أنشطة جديدة لممارستها
لعلاج الطلاق الصامت، يجب على الزوجين محاربة الملل بكسر الروتين والرتابة. يمكنهما ذلك من خلال ممارسة بعض الأنشطة معًا، كممارسة بعض الهوايات أو تجربة هويات جديدة، أو مشاهدة فيلمًا أو عمل مسرحي معًا. كما يجب عليهما التغلب على الملل الزوجي بعمل تغييرات عديدة في شكل الحياة الزوجية وأدق تفاصيلها.
-
تخصيص وقت للانفراد ببعضهما البعض
الأصل في الحياة الزوجية عمق العلاقة بين الزوجين فمتى كانت عميقة ووطيدة لن يصيبها الطلاق الصامت أبدًا. لذلك يجب أن يجدا وقتًا كافيًا لهما هما فقط لينفرد كل منهما بالآخر لتوطيد العلاقة بينهما. وممارسة الفضفضة الزوجية التي تخفف من وطأة الضغوط، والانصات جيدًا لبعضهما البعض. من شأن ذلك كله تقوية الروابط العاطفية بينهما ومن ثم التغلب على الحالة السيئة التي آلت إليها الأمور.
-
التعامل مع الضغوط الخارجية
من الضروري أن يتمكن الزوجان من تحديد الضغوط الخارجية التي تؤثر على علاقتهما، والبدء بمواجهتها سواء كانت هذه الضغوط مرتبطة بالعمل أو الأمور المالية، أو أي من التفاصيل الحياتية الأخرى التي تربط بينهما. من شأن ذلك أن يساعد في تخفيف التوترات وعلاج الطلاق الصامت.
-
الاهتمام بالرعاية الذاتية
يجب على الزوجين تقييم رعايتهما الذاتية، والبدء في اتخاذ خطوات فعلية تحقق اهتمام كل منهما بذاته. قد يكون من المفيد تخصيص وقت لممارسة الاسترخاء أو ممارسة التأمل أو الرياضة، مع اعتماد نمط حياة صحي متوازن بما يساعد في تحسين المزاج وتعزيز القدرة على التعامل مع التحديات الصعبة التي تعترض مسيرة الحياة الزوجية.
خلاصة القول:
الطلاق الصامت قد يكون أصعب من الطلاق الرسمي، وهو مأساة حقيقية يعيشها الأزواج خلف الأبواب المغلقة. يمكن التغلب عليه من خلال زيادة الوعي بالمشكلة والعمل الجاد على تحسين التواصل والعلاقة الزوجية من جديد.
مع خالص تمنياتي القلبية لكل زوجين بدوام الاستقرار والسعادة،،،