الملازم أول طيار الشيخة موزة بنت مروان آل مكتوم لـ"هي": حب المغامرة يـسري في دمي
بدأت الشيخة موزة بنت مروان آل مكتوم رحلتها الملهمة عندما تلقّت أول درس في الطيران في الثانية عشرة من عمرها. وقد أثار ذلك بداخلها شغفا لا متناهيا تجاه الطيران. وفي عام 2013، حققت رقما قياسيا، ودخلت موسوعة "غينيس" عبر وقوفها على جناح الطائرة. وقد التحقت بأكاديمية "أكسفورد" للطيران وتخرجت كأصغر طالبة في صفها. في عام 2015 أصبحت الشيخة موزة أول امرأة تشغل مهنة الطيار في "طيران الإمارات" من الأسرة الحاكمة بدبي. وفي عام 2019، أصبحت ملازم أول طيار في شرطة دبي، ثم في العام نفسه، أسست جمعية المرأة في الطيران "شيهانة" لتقديم الدعم للمرأة، ورفع مستوى الوعي بالفرص المتاحة في المجال، ليس في قطاع الطيران فقط، بل في المحاماة والطب والهندسة وغيرها من المجالات التي تؤدي المرأة فيها دورا فاعلا. في مايو 2022، أصبحت أول امرأة تحلق بطائرة من طراز "تيلتروتو AW609 " ذات الأجنحة الدوارة، التي تمزج بين تنوّع تشغيل المروحية ومزايا أداء الطائرة، في المقر الرئيس لشركة "ليوناردو" المتخصصة في صناعة الطائرات بولاية فيلادلفيا الأميركية، لتصبح بذلك أول امرأة تحلّق بالطائرة الأكثر تطورا في مجال الطيران.
لم أستطع إلا أن أفتتح المقابلة بإنجازات الشيخة موزة، لأنها رمز للتميز والتحدي، وتُرفع لها القبعة. فمنذ طفولتها كانت تواجه التحديات، وعكفت على تحقيق النجاحات، وشكلت تجاربها المبكرة شغفها اللامتناهي بالمغامرة والطيران.
عندما نتحدث عن النساء الملهمات لا يُمكن إلا أن يتبادر اسم الشيخة موزة إلى أذهاننا، لأنها لم تبرز فقط من خلال مهنتها، بل كانت قدوة للنساء الطموحات، حيث جمعت بين الرؤية الاستراتيجية والتفاني في خدمة المجتمع. تميزت بقيادتها في تطوير المجتمع، ودعمها للكثير من المبادرات والمشاريع، وركزت جهودها على قضايا التعليم وتمكين المرأة.
في هذا اللقاء، سنتناول قصتها الملهمة وتجاربها الشخصية في التغلب على التحديات كطيارة، وكيف نجحت في تحقيق التوازن بين حياتها الشخصية والمهنية، إضافة إلى رؤيتها حول تعزيز المساواة بين الجنسين في مجال الطيران، وكيف يمكن للمرأة أن تلعب دورا أكبر في هذا السياق. كما سنتعرف إلى مشروعها الأخير "عندما عانقت السماء"، الذي يهدف إلى إلهام الفتيات الصغيرات لتحدي الصورة النمطية في مجال الطيران.
بدأت رحلتك في مجال الطيران في سن مبكرة عندما التحقت بأكاديمية "أكسفورد" المرموقة للطيران في عمر السابعة عشرة. كيف شكّلت تجاربك المبكرة شغفك بالطيران؟
كانت أنشطتي المفضلة وأنا صغيرة مفعمة بالأدرينالين، حيث مارست تسلُّق الصخور وركوب الخيل وغيرها من النشاطات. تلقيت أول درس في الطيران عندما كنت في الثانية عشرة، وقد أثار ذلك في داخلي شغفا لا متناهيا تجاه الطيران. بعد ذلك جرّبت القفز بالمظلات في سن الثالثة عشرة. وأعتقد أن حب المغامرة يسري في دمي منذ الصغر لذلك شعرت بالألفة والراحة مع الطيران.
شعارك هو "التفُوّق يأتي نتيجة للتصرف المناسب"، هل يمكنك مشاركتنا بعضا من تجاربك الشخصية التي لعب فيها اختيار التصرف الصحيح دورا حاسما في التغلب على التحديات، بل وتحقيق النجاح في حياتك المهنية كطيار؟
كنت في السابعة عشرة من العمر عندما بدأت التدرب على الطيران، وكنت الأصغر بين جميع زملائي. إن التواصل مع زملائي والتكيف مع التحديات التي واجهتها أثناء التدريب لم يكن أمرا سهلا وأنا في هذا العمر، وكان المدربون والمعلمون يتعاملون معي بشكل أكثر صرامة من زملائي، لأنهم أرادوا التأكد أن ما سأحققه هو حقا عن جدارة، وليس نتيجة لمكانتي أو لاسم عائلتي. واجهت صعابا في كثير من الأحيان أكثر من بعض زملائي الرجال، ولكن لم أترك ذلك يؤثر فيّ بالسلب، فقد واجهتها دائما بمنتهى الثقة والشجاعة. وحاولت ألا أدعها تصيبني بالإحباط، بل تدفعني إلى التفوق. إن تكيّفي مع هذه المواقف والصعاب ساعدني حقا على مواجهة كل هذه التحديات والنجاح بحق في مجال الطيران.
باعتبارك رائدة في مجال الطيران، برأيك ما المبادرات الضرورية لتعزيز الشمولية والمساواة بين الجنسين في المجالات التي يهيمن عليها الرجال على مستوى العالم وليس فقط في دولة الإمارات؟
أرى أن المرأة غير مُمثَّلة جيدا إلى حد كبير في معظم المجالات، كما أنها تواجه الكثير من التحديات، مثل النظر إليها بصورة نمطية، وعدم حصولها على الفرص التي تستحقها، لذا فإن تحقيق النجاح في هذه المجالات يصبح أكثر صعوبة للنساء. ومع ذلك، أعتقد أن الأمور قد تغيرت قليلا خلال السنوات الماضية بسبب تزايد عدد الأشخاص الذين يناصرون قضية تمكين المرأة. هناك الكثير من المنظمات التي تهتم بالتعليم وضمان حصول المرأة على حقوقها مثل هيئة الأمم المتحدة للمرأة، ومبادرات مثل مبادرة تمويل رائدات الأعمال التابعة للبنك الدولي (التي أسهمت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة). إن المساواة بين الجنسين هو أمر تأخذه الحكومة الاتحادية لدولة الإمارات العربية المتحدة على محمل الجد، وأعتقد أنه يمكن تحقيقه بالتعاون والعزم والتركيز على الهدف.
إن تحقيق التوازن بين مهنة الطيران والمسؤوليات العائلية أمر صعب. كيف تمكنت من التغلب على هذا التحدي؟ وما النصيحة التي تقدمينها للنساء اللواتي يسعين لتحقيق التوازن بين حياتهن الشخصية والمهنية؟
أعتقد أن تحقيق التوازن بين العمل والأسرة هو أمر مهم للغاية لأي امرأة لتتمتع بشخصية متسقة ومتكاملة. فأنا لم أكن لأتمكن من تحقيق ما وصلت إليه من دون دعم عائلتي. لذا، فإن وجودهم بجانبي ودعمهم يمثلان أولوية كبيرة بالنسبة لي، وأنا على يقين بأن الكثير من النساء لديهن المبدأ نفسه. إن الوصول إلى هذا التوازن هو بالتأكيد عملية تعتمد على التجربة والتعلم من الأخطاء، فالأمر كله يتلخص في كون الشخص منظما ليتمكن من تحقيق التوازن بين الحياة العائلية والمهنية على أفضل نحو.
يمثل مشروعك الأخير، كتاب الأطفال الذي يحمل عنوان "عندما عانقت السماء"، علامة بارزة أخرى في المهمة التي تحملينها على عاتقك، وهي إلهام الفتيات الصغيرات لتحدي الصورة النمطية للعاملين في مجال الطيران. هل يمكنك مشاركتنا المزيد من التفاصيل حول الكتاب وموضوعاته والمصادر التي استلهمته منها، والتأثير الذي تأملين أن يُحدثه لدى القارئات الشابات؟
ألهمتني شابات هذا العصر لكتابة "عندما عانقت السماء"، فأنا أود أن أشجع الشابات والفتيات الصغيرات على تحقيق أحلامهن، وأن أؤكد لهنّ أن لديهنّ القدرة على النجاح في مجال الطيران. إن أي شخص يمكنه النجاح في مجال الطيران إذا عقد العزم على الوصول لهدفه، بغض النظر عن كونه رجلا أو امرأة. يتضمن الكتاب قصصا لنساء رائدات في مجال الطيران. وأعتقد أن أفضل طريقة لتوصيل الرسالة هي من خلال سرد قصص تلك النساء اللواتي مهدّن الطريق لنا اليوم.
يعكس إنشاؤك لجمعية المرأة في الطيران "شيهانة" التزامك بخلق فرص للنساء في قطاع الطيران. هل يمكنك توضيح أهداف ومبادرات "شيهانة"؟ وكيف أثرت في تمثيل المرأة في قطاع الطيران؟
لقد أسستُ جمعية المرأة في الطيران "شيهانة" لدعم انضمام مزيد من النساء إلى مجال الطيران، ليس فقط للعمل كطيار أو كأحد أفراد الطاقم، ولكن ليشغلن وظائف أخرى ضمن المجال كمهندسات ومحاميات وغيرها. أُسست "شيهانة" في المقام الأول لدعم النساء وزيادة عدد العاملات منهن في مجال الطيران. إن الأهداف الرئيسة لـ "شيهانة" هي: استقطاب المزيد من النساء للعمل في الوظائف كافة ضمن قطاع الطيران، واقتراح تغييرات في السياسات واللوائح المتبعة في المجال، وتمثيل المرأة العاملة بمجال الطيران في كافة الفعاليات المحلية والإقليمية والدولية ذات الصلة، وتمكين المرأة في مجال الطيران من خلال برامج مخصصة.
كيف تستفيدين من منصبك ومكانتك للدفاع عن حقوق المرأة وتمكينها، سواء داخل مجال الطيران أو على نطاق أوسع؟
من خلال عملي في مجال الطيران، دائما ما أحرص على دعم فكرة المساواة بين الجنسين. تعلمت من تجربتي أنه يتعين على النساء أن يعملن بجهد مضاعف في أي مجال يهيمن عليه الرجال، وذلك ليحققن النجاح، ويصلن إلى مكانة مرموقة. قدمت في عام 2019 بحثا حول تمكين المرأة في مجال الطيران خلال الدورة الأربعين للجمعية العامة لمنظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) بمقرها في مونتريال بكندا. وعلى نطاق أوسع، أسعى دائما لدعم النساء الإماراتيات الرائدات، والإشادة بجهودهن كلما أتيحت لي الفرصة.
وراء كل قصة نجاح دعم كبير. حدثينا عن الأشخاص الذين لعبوا أدوارا محورية في دعمك طوال حياتك؟
أكبر داعم لي هو عائلتي، لم أكن لأتمكن من التغلب على التحديات التي واجهتها في عملي بالطيران من دون تشجيعهم ودعمهم وتوجيههم. إن تشجيعهم لي هو الذي حفزني على توظيف شغفي لخدمة بلدي. وأخص بالذكر والدتي التي دعمتني عندما كنت فتاة صغيرة تحلم بالتحليق في السماء وحتى رحلتي الأولى، وأصبحت تلك الرحلة ذكرى عزيزة بسبب وجودها معي.
ما أكثر الإنجازات التي تفتخرين بها في رحلتك؟ وما الإرث الذي تأملين أن تتركيه للأجيال المقبلة من النساء الطموحات الساعيات إلى التفوق في مجال الطيران؟
أود أن تكون قصتي مصدر إلهام للنساء اللواتي يرغبن في التفوق وتحقيق أحلامهن بلا خوف ولا استسلام، وأن يتغلّبن على العقبات التي تواجههن. أود أن أتمكن من خلق فرص لعدد أكبر من النساء للعمل في مجال الطيران وإثبات جدارتهن والقضاء على عدم المساواة بين الجنسين في هذا المجال، لأنه يتسع للجميع.
ما النصيحة الحياتية التي ترغبين في تقديمها للمرأة؟
أنصح كل امرأة بأن تتحلى بالمثابرة والتفاني، وأن تُحيط نفسها بالأشخاص الداعمين لها بشكل كبير، لأن ذلك سيمنحها الثقة للتعامل مع كل الصعاب، والتغلب عليها دون يأس. إن طريق النجاح لن يكون سهلا، ولكن النتائج هي ما تجعله يستحق العناء.