سلبيات وإيجابيات "تأثير زيغارنيك" بسبب المهام غير المكتملة
في عصر التكنولوجيا الأخذ في الاتساع، خصوصا بعد أن أثبتت التقنية وجودها بقوة في فترة "وباء كورونا" وما بعد، أصبح من الطبيعي جدا أن تسمع كلمات وجمل كانت تبدوا للبعض كأنها مبهمة قبل فترة، مثل أعطال الشبكة، وأعطال الأجهزة، وتوقف الخوادم، وما إليه، وكل هذه المستجدات تشكل ضغطا إضافيا على المستخدمين، وتؤثر تاليا على الصحة والأداء.
فإذا كنت من مستخدمي الكومبيوتر، فلا بد أنك جرّبت كيف يتعطل الجهاز في بعض الأوقات، عندما يتم استخدام أكثر من برنامج أو تطبيق في ذات الوقت، خصوصا إذا كانت من البرامج الثقيلة، وهذه المشكلة الناجمة عن الضغط الزائد لا تحدث مع الأجهزة الذكية فحسب، بل يمكن أن يواجهها العقل البشري أيضا، عندما يتم الضغط عليه بأكثر من مهمة في نفس الوقت، حيث تتراكم المهام غير المكتملة وضغطها في الأذهان، ما يضعف الأداء العام ويمثل ضغطا على الصحة العقلية والنفسية، فيما يُعرف بـ"تأثير زيغارنيك".
ما هو تعريف وتأثير زيغارنيك؟
تأثير زيغارنيكهو تأثير منسوب إلى عالمة النفس الروسية "بلومازيغارنيك"، والتي ألهمتها دراسة هذه الظاهرة عندما لاحظ أستاذها، عالم النفس كورت لوين، أن الموظفين في المطاعم عادة ما يكون لديهم ذاكرة أفضل حيال الطلبات غير المدفوعة، ووجد أنه بمجرد قيام العملاء بدفع الحساب، فإن العاملين يواجهون صعوبة في تذكر تفاصيل تلك الطلبيات، بل ربما ينسونها كليا في بعض الأحيان.
الباحثة زيغارنيكتوصلت إلى أن دماغ الإنسان مجهز لتذكر المهام غير المكتملة بشكل أفضل من تلك التي تم إتمامها والانتهاء منها. فعلى سبيل المثال، بمجرد الانتهاء من مهمة ما في قائمة المهام اليومية، يقوم الدماغ بتأكيد إكمالها، وتحرير مكانها لما هو أهم أو ما ينبغي الاهتمام به أو التفكير فيه، ومن خلال هذه العملية العقلية، يتضح وفقا لموقع "سايكولوجي توداي" أنه كلما زاد عدد المهام غير المكتملة التي يفكر فيها الإنسان في خلفية ذهنه، زادت الطاقة المبذولة التي تخصصها أدمغتنا لتتبعها والانشغال بها لحين الانتهاء منها، ونفس المثال ينطبق أيضا على طلاب المدارس أو على الدراسة عموما، من الشائع تجربة "تأثير زيغارنيك" هناك أيضا إذ يتذكر الطالب المواد قبل الامتحان لكنها تمسح من ذاكرته بعد ذلك.
تأثير زيغارنيك يتكرر يوميا
ويستهلك تعدد الوظائف ذهن الإنسان دون أن يلحظ، ويحدث ذلك على مدار اليوم تقريبا، فعندما نبدأ العمل على مهمة دون أن نكملها، فمن المحتمل جدا أن تستمر أفكار العمل غير المكتمل في الظهور في الذهن، حتى عندما تنتقل إلى مهام أخرى، حيث تتوارد دائما الأفكارالتي تحثك أو تذكركبضرورة العودة وإنهاء المهمة التي بدأتها.
ويتسبب تأثير زيغارنيك في استمرارك بالتفكير في رواية مثيرة للاهتمام تتوقف عن القراءة في منتصفها، أو تجاه مسلسل تقوم بمتابعته، وهو التأثير الذي تستغله الأعمال الدرامية لزيادة التشويق.
طريقة تفكر العقل في إنجاز المهام
عندما تواجه مهمة معينة، عادة ما يحث العقل الباطن عقلك الواعي على وضع خطة مفصلة لإتمامها، وبمجرد أن تؤتي الخطة ثمارها، يتوقف العقل الباطن عن تذكير العقل الواعي بالعمل. والنتيجة: عقل هادئ قوي التركيز وأكثر قدرة على الاسترخاء، ومهمة مُنجزة، لكن في المقابل، عندما يعاني العقل من تأثير زيغارنيك، فقد تقوم مرارا بتحديد الأهداف لنفسك، ولا يهدأ العقل عن وضع الخطط والتفكير في الحلول لإتمام المهمة المؤجلة.
وقد يكون الجانب السلبي الأولي لهذا التأثير هو أنه عندما يكون الشخص نشطا ومنخرطا في التركيز على عمل محدد، قد لا يتوقف أبدا عن تحديد الأهداف أو المهام، ووضع الخطط لإتمام مهام أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى الإرهاق المزمن.
تأثير زيغارنيك والمعاناة من القلق المزمن
يُعد تأثير زيغارنيك أحد الأسباب التي تجعل الباحثين عن الكمال يعانون من القلق المزمن، فهم مهووسون بالتفاصيل ولديهم توقعات غير واقعية، مما يجعلهم محاطين بالمهام غير المكتملة، الأمر الذي يُبقي أدمغتهم غارقة في الالتزامات، ويضعف التركيز ويسبب التوتر، كما أن صعوبة النوم والإجهاد المزمن قد يكونان أيضا من بين التداعيات السلبية على صحة الشخص الذي يعاني من تأثير زيغارنيك الذهني.
فوائد تأثير زيغارنيك
رغم المعاناة من التوتر والإرهاق المزمن، فإن هناك بعض الفوائد لتأثير زيغارنيك، فالظاهرة العقلية قد تساعدك على معالجة المماطلة والتسويف في المهام. ولتحقيق ذلك ينصح بالتالي:
- وضع خطة عمل لإتمام المهمة المحددة.
- البدء بخطوة أولى صغيرة وسهلة.
- عدم محاولة إكمال المهمة دفعة واحدة.
وتكمن الفكرة هنا ببساطة في تقسيم المهام غير المكتملة إلى خطوات صغيرة يمكن إتمامها بشكل تدريبي، والعمل عليها بتأني، الأمر الذي يتيح للعقل فرصة جيدة من أجل اتخاذ خطوات عملية ومؤثرة في الإنجاز والشعور بالراحة.
نصيحة أخيرة
أخيرا نحثك إلى الوصول إلى مرحلة الشعور بالرضا، لأن هذا أمر مهم للغايةللغاية، ونظرًا لأنك قررت بالفعل تنفيذ المهام، ابذلي قصارى جهدك للاستمتاع بها والرضا عنها، وأسهل طريقة للقيام بذلك هي الاحتفال بكل شيء صغير قمتي به، وتأكدي أن الحديث الذاتي السلبي المستمر لن يؤدي إلا إلى إبطاء تقدمك، وإذا وجدتي صعوبة في التغلب على التفكير السلبي أو كنت تميلين إلى الإفراط في التفكير في الأشياء، فحاولي تدوين الأنشطة لبدء الشعور بالتحسن والحصول على صحة عقلية أفضل، ومن الممكن أن تواجهي بعض الإخفاقات، خاصة إذا كانت أهدافك كبيرة وطويلة المدى وتحتاج إلى جهد وفترة زمنية أطول لإنجازها.
وإذا كنت ترغبين في إنجاز الأشياء، فقد تحتاج أيضًا إلى بعض الانضباط الذاتي والصبر من أجل الوصول إلى إنجاز مهامك في نهاية المطاف، وقد يفقد البعض القدرة على مواصلة عمله إلى النهاية، بسبب فقدان الشغف الذي يقوده إلى تحقيق هدفه، كما أن تنظيم وإدارة الوقت من أهم الأمور التي يجب الاهتمام بها من أجل إنجاز المهام، كما ويساعدك تنظيم الوقت على الشعور بالرضا في نهاية يومك.