جيجي أريبيا تكتب لـ"هي": نهضة الروك والهيفي ميتال في السعودية

جيجي أريبيا تكتب لـ"هي": نهضة الروك والهيفي ميتال في السعودية

مجلة هي

في المشهد المتغير للموسيقى العالمية، لطالما هيمنت الأصوات الذكورية والجمهور الذكوري على موسيقى الروك والهيفي، ولم تكن المملكة العربية السعودية استثناء. وعلى الرغم من ذلك، مع تغيّر المعايير الاجتماعية واستمرار دعم قطاع الموسيقى والترفيه في المملكة العربية السعودية، ظهرت موجة جديدة من الفنانات اللواتي دخلن إلى مجالات موسيقية مثل الروك والهيفي ميتال، والتي عادة ما يهيمن عليها الذكور.

بدأت هذه الديناميكية في التغير عندما دخلت فرقة السايكديليك روك النسائية بالكامل "سيرة" المشهد الموسيقي في عام ٢٠٢٣، والتي تعزف على آلات كان يهيمن عليها الرجال تقليديا. تعتبر "سيرة" اليوم مصدر إلهام للموسيقيات الشابات لتشكيل فرقهن الخاصة، وهو ما يدفع الحركة الموسيقية إلى الأمام.

كما أسهمت عوامل عدة في تدفق الفنانات إلى المشهد الموسيقي السعودي. على سبيل المثال، نجحت النسخة الأولى من برنامج "موجة" التابع لهيئة الموسيقى في تزويد الفنانات بالمهارات الأساسية لإطلاق مسيرتهن الموسيقية من خلال سلسلة من ورش العمل المختارة بعناية، والتي يقدمها مدربون وخبراء في الصناعة الموسيقية، إضافة إلى ذلك، كان لمبادرات مثل "هُنَّ" دور في خلق مساحات آمنة للموسيقيات ودعمهن في مجالات عدّة، كما كان لمنصات مثل مؤتمر "XP MUSIC FUTURES" الذي يقام سنويا في الرياض في حي جاكس دور كبير في زيادة الحضور والمشاركة النسائية في جميع الألوان الموسيقية، بما في ذلك موسيقى الروك والهيفي ميتال. وهذا ما شهدناه في نسخة العام الماضي من "XP MUSIC FUTURES"، حيث أدت "سيرة" بجانب فرق الروك والميتال التي يقودها الذكور. ونجاح مشاركتهن يعكس لنا التأثير الكبير لمشاركة فنانات الروك في المشهد الموسيقي في المنطقة وفي التصورات الثقافية العالمية عن المشهد الموسيقي السعودي.

ولا شكّ أنه بعد الأداءات الناجحة لفرق الروك والميتال في XP MUSIC FUTURES والأداءات التاريخية لفرقة CRYPTOPSY الكندية و METALLICA الأمريكية في السعودية للمرة الأولى في العام الماضي، أصبح من الواضح أن المملكة تشهد اهتماما متزايدا بأنواع الموسيقى مثل الروك والهيفي ميتال، وفهما أعمق للقيمة الثقافية لهذه الأنواع، وقبولا متزايدا لمشاركة الفنانات السعوديات بشكل عام، وهو ما يتحدى الأنماط التقليدية، ويعيد تشكيل المشهد الموسيقي في المنطقة. ومع ذلك، على الرغم من هذه المبادرات وتطور المشهد الموسيقي السعودي، لا يزال عدد الفنانات في السعودية، وخاصة في مجال الروك والهيفي ميتال، قليلا نسبيا. وهذا يشير إلى أنه لا يوجد حاليا منافسة كبيرة للنساء في هذه الألوان داخل المنطقة بسبب بعض التحديات اللوجستية والتقنية المهمة التي تواجه هؤلاء الموسيقيات الرائدات.

كما نعرف، تتطلب طبيعة موسيقى الروك والهيفي ميتال الصاخبة توفر مساحات تدريب يمكن استئجارها ومجهزة بالمعدات الصوتية المناسبة، وتدار بواسطة محترفين صوتيين ذوي خبرة لتلبية المتطلبات الصوتية المحددة لهذا اللون الموسيقي. وعلى الرغم من جهود المؤسسات العامة والخاصة لتوفير هذه المساحات، فإن الأسعار غالبا ما تكون غير مناسبة للاستئجار على المدى الطويل، حيث تحتاج الفرقة التي تسعى لتكريس حياتها المهنية للموسيقى إلى التدريب ثلاث مرات على الأقل في الأسبوع، وكل جلسة تدوم من ٥ إلى ٦ ساعات. إضافة إلى ذلك، غالبا ما تكون غرف التدريب نفسها غير مناسبة صوتيا لاستيعاب كمية كبيرة من المعدات الثقيلة، بما في ذلك المكبرات الصوتية والطبول والجيتارات. فضلا عن ذلك، يدير هذه المساحات والاستوديوهات غالبا منتجون ومهندسون صوتيون غير متمرسين لتحقيق الجودة الصوتية المطلوبة للروك والميتال. لذا، فإن الأسعار العالية، ونقص المساحة للمعدات المناسبة، وقلّة المهندسين الصوتيين المحترفين تؤخر ظهور المزيد من فرق الروك والميتال، وكذلك نمو الموسيقى للفرق الموجودة.

وعلى الرغم من اعترافنا بهذه العقبات، لا يزال هناك أمل للمستقبل بفضل المبادرات الأخيرة للمملكة لإدراج تعليم الموسيقى والفنون للشباب، حيث اكتسبت الفنانات السعوديات سابقا المهارات والمعرفة الموسيقية بشكل غير رسمي بسبب غياب مناهج الموسيقى في المدارس والجامعات، وهو ما أسهم بدوره في قلة عدد الفنانات اليوم، ولا سيما في مجالات الروك والميتال. ولكن مع إدخال الموسيقى الآن في المدارس والجامعات، وإطلاق أول دبلوم موسيقي معتمد في السعودية، من المتوقع أن يتغير المشهد بالنسبة للفنانات، وخاصة بعد أن يتخرجن كفنانات محترفات، حيث سيوفر التعليم الرسمي لهن فرصا لتطوير المهارات من خلال منحهن فرص الحصول على تعليم عالي الجودة، وتوفير المصادر الموثوقة لهن. ومع ذلك، تبقى الشكوك بشأن مدى تلبية هذه البرامج للاهتمامات الخاصة بالأنواع الموسيقية وما إذا كانت ستناقش ألوانا موسيقية متنوعة أو حتى تخصصات دقيقة في ألوان موسيقية مثل الروك والهيفي ميتال، وهو ما قد يساعد في زيادة الطلب على المشاركات النسائية في هذه الألوان الفرعية. لذلك، من الضروري أن نشجّع ثقافة تعليمية شاملة للألوان الموسيقية لتحفيز المزيد من النساء على الانضمام إلى فرق الروك، بينما تواصل السعودية سعيها لأن تصبح مركزا موسيقيا في المنطقة.

بينما تشهد السعودية نهضة ثقافية في مشهدها الموسيقي، تكسر فنانات مثل "سيرة" الحواجز ويعدن تشكيل التصورات في موسيقى الروك والهيفي ميتال محليا وعالميا. على الرغم من أن فرقة مثل "سيرة" تبرهن على حماس واهتمام أوّلي بين الفنانات للتكوين أو الانضمام إلى فرق روك وهيفي ميتل، فإنه من المبكر تحديد ما إذا كانت العوامل التجارية، واللوجستية، والتقنية ستؤثر بشكل كبير في هذا الاهتمام في المستقبل. من خلال خلق المزيد من المبادرات، وتوفير المساحات والموارد التعليمية المناسبة، وتعاون القطاع العام والخاص مع مجتمعات الروك والميتال، يحمل المستقبل وعدا بمشهد موسيقي أكثر شمولية وتنوعا، حيث تلعب النساء دورا مركزيا في تشكيل صوت الغد.
 

Credits

    جيجي أريبيا

     فنانة موسيقى الروك