الفنان السعودي حمزة يكتب لـ"هي": رسالة من القلب
في نسيج حياتي المتطور باستمرار، تغيرت الكثير من الخيوط، حيث تحول الطفل الذي كنت عليه إلى الشخص الذي أنا عليه اليوم. ومع ذلك، ووسط هذا البحر من التحولات، بقيت عادة واحدة ثابتة، مرساة لي عبر السنين. إنها عادة أحلام اليقظة، البذرة التي زرعت في تربة خيالي الخصبة، والتي ازدهرت لتصبح الفنان الذي يقف أمامكم اليوم. كانت أحلام اليقظة دائما رفيقي، أستدعيها أحيانا بوعي وأحيانا تأتي دون دعوة. ليست كل هذه الأحلام تستحق الاهتمام، ولكن بعضها بقي معي، وأثار أفكارا عميقة شكلت رحلتي. حلم يقظة معين برز، ودفعني للتفكير في سؤال مؤثر، وهو: إذا كان بإمكاني إرسال رسالة لنفسي بعد أربعين عاما من الآن، فما الحكمة التي سأقدمها للفنان بداخلي اليوم؟
أدى هذا التفكير إلى كشف غير متوقع. تلقيت رسالة من نفسي المستقبلية، بين سطورها تكمن أهم الدروس التي يجب أن ألتمسها وأتمسك بها في طريق الإبداع وصنع الفن، تضيء الطريق الذي يجب أن أسلكه. إنها رسالة أشاركها معكم الآن، آمل أن تجدوا أنفسكم فيها وأن يتردد صداها في قلوبكم كما حدث معي.
في هذا العالم المتغير باستمرار، حيث تتطور التكنولوجيا والملابس والموسيقى والطعام والعمارة مع مرور كل عام، يبقى جوهر الفنان غير متغير. رغم التغيرات الكثيرة، تستمر الصراعات الداخلية للفنان، تلك المعركة الأزلية بين الإلهام والانضباط. لكن ربما ليست معركة على الإطلاق، بل هي رقصة.
تخيل الإلهام والانضباط كشريكين في رقصة. كل منهما يمتلك ازدواجيته وتباينه الفريد: الأنوثة والذكورة، العفوية والصلابة، السيولة والبنية. الإلهام، كالريح، يجتاح برشاقة ورقة وروح لا حدود لها. أما الانضباط، فهو المرساة التي توفر الثبات والقواعد والأساس الصلب. يجب عليهما أن يتعلما التحرك معا، لفهم بعضهما البعض، لتحقيق الانسجام.
طالما أن قلبك ينبض، مخلقا الإيقاع الذي يعرف حياتك كفنان، فعليك أن تُعلم هذين القوتين أن يرقصا بتناغم، وتتحمل مسؤولية تحقيق التوازن بينهما. لا تسمح للإلهام بأن يقود وحده، فعلى الرغم من أن الرقصة قد تبدو جميلة، فإنها ستكون عشوائية، رشيقة ولكنها غير مؤكدة، عاطفية ولكنها ضائعة. من ناحية أخرى، إذا تركت الانضباط يقود وحده، فستكون النتيجة انتظاما بلا حماس، وتنظيما بلا إبداع، وقوة لا تبرز.
تحقيق هذا التوازن يتطلب جهدا ووقتا، لكن لا خوف من الوقت؛ فهو ليس عدوك. إن كان هناك شيء، فالوقت هو حلبة الرقص، دائم الحضور، مشكّل بفعل إدراك الإنسان. كفنان، قد تجد نفسك تهرب من مفهوم الوقت، وتشعر بمطاردته المستمرة. ومع ذلك، فإن أولئك الذين يتقنون اتحاد الإلهام والانضباط يصبحون أصدقاء للوقت.
تأمل الكتاب مثل "جورج ر. ر. مارتن"، الذي استغرق ست سنوات لكتابة "رقصة مع التنانين"، و"ستيفن كينغ"، الذي يكتب نحو 2000 كلمة يوميا، ويكمل رواياته في ثلاثة أشهر. لقد وجدوا إيقاعهم. الموسيقيون مثل "مايكل جاكسون"، الذي أصدر عشرة ألبومات استوديو على مدى أربعين عاما، و"برنس" الذي أصدر تسعة وثلاثين ألبوما من 1978 إلى 2016، أتقنوا وتيرتهم. العلماء مصممو الأزياء مثل "كارل لاغرفيلد"، الذي أنتج ما يصل إلى ثماني مجموعات سنويا لـ"شانيل"، و"ألكسندر ماكوين" الذي يســــــــــتغرق أربعة إلى ستة أشهر لكل مجموعة، يجسدون الانسجام في حرفتهم. أما العلماء العرب، فنجد الخوارزمي، الذي أنجز أعماله الأساسية بسرعة وبكمية إنتاج كبيرة، كتب "كتاب المختصر في حساب الجبر والمقابلة" قرابة عام 820 م، مقدما إسهامات كبيرة في مجال الرياضيات بسرعة فائقة. وعلى النقيض، نجد عمر الخيام الذي عمل بدقة وتأنٍّ وعناية فائقة على "رسالة في براهين مسائل الجبر والمقابلة" قرابة عام 1070 م، وأيضا على إصلاح التقويم الجلالي عام 1079 م، مركزا على العمق والدقة في أعماله.
توضح هذه الشخصيات البارزة أنه لا يتشابه اثنان من الأشخاص الناجحين. تختلف سرعة إبداعهم، وهو ما يبرز واحدا من الكثير من الفروقات بين الأفراد المتميزين. كلما نَمَوْتَ وفهمت نفسك كإنسان وكفنان، ستكون قادرا على تنسيق رقصتك الخاصة بين الإلهام والانضباط، متجاوزا الزمن برشاقة وعزم.
احذر من مقارنة نفسك بالآخرين، فإن هذه المقارنات يمكن أن تكون ضارة. بدلا من ذلك، تعلم منهم، ادرس أساليبهم، وإذا أمكن، فتعاون معهم. إذا وجدت قبيلتك بينهم، فستقدر التصفيق عند انتهاء العرض. لكن تذكر، ليست مجرد قطعة واحدة؛ رحلتك الفنية بعيدة عن النهاية. كفنان، الرغبة في الإبداع هي الأساسية، وغالبا ما تكون ضرورية كالبقاء نفسه. هذا هو حجر الزاوية لوجودك.
لن تصنع الفن إلى الأبد، ولن تعيش إلى الأبد. كل عمل فني، كل أغنية، جزء منك. في يوم من الأيام، قد تجد نفسك تنفد من الأجزاء. لذا، فاعتنِ بعقلك وجسدك وروحك. قدّر هذه الجوانب، واعتنِ بها، لكن لا تضحي بها.
هذه الرسالة من نفسك المستقبلية للفنان في ذاتك. احتضني الرابط العميق بين الإلهام والانضباط، ابحثي عن الانسجام مع الوقت، واستمري في الإبداع بشغف وهدف.
أثق بك.