لبنان: جنة الشرق وموئل الحضارات
لم يخطئ عملاق الغناء وديع الصافي عندما وصف لبنان بقطعة سماء، فهو فعلاً كذلك. مكان تتنوع فيه الآثار وتمتد لمسافات طويلة.
يمكن للسائح أن ينتقل من منطقة إلى أخرى في دقائق، نظراً لصغر مساحة البلد، وقرب المناطق من بعضها البعض، فمن الشاطئ الأزرق إلى القمم العالية، الغابات، والأماكن التراثية المحفورة في ذاكرة التاريخ، كلها تتبدل أمام المشاهد الذي سرعان ما ينخطف إلى جمال لبنان الأخاذ.
وصف العديد من الشعراء لبنان، ببلد ملتقى الثقافات والحضارات المتنوعة، وأشاروا إلى أن تلك الأرض مرت بتاريخ حافل من العطاء. العديد من المدن والقرى تحمل في طياتها كنوزاً زمنية، وتحف فنية وتاريخية، فحتى العمارة اللبنانية القديمة تمثل حقبة قديمة. وليس بالكثير أن يعتبر البعض لبنان، جنة الشرق ودرّته، وموئل الفكر والحضارة.
ما تتفرد به آثار لبنان هو تعدد الحضارات في موقع الأثار الواحد. نلاحظ في العديد من الآثار، أن هناك مزيجاً بين ما هو محلي والتأثر الخارجي. فمثلاً صخرة الروشة معلم سياحي لبناني ولكنه في الوقت عينه يعتبر تحفة تراثية من صنع الطبيعة.
وضعت العديد من المناطق اللبنانية على لائحة مواقع التراث العالمي، منها محمية أرز تنورين، التي تعتبر من أكثر غابات الأرز في لبنان كثافة وتنوعا، تتخللها تلال، قمم، وكهوف طبيعية، تتفجر في سفحها وأوديتها مجموعة من الينابيع العذبة.
ولا يسعنا أن ننسى وادي قاديشا وغابة أرز الرب الذين يحظيان بأهمية دينية وتاريخية كبرى، فالوادي كان موقعًا استوطنه الرهبان الأوائل هربًا من بطش الرومان الوثنيين، فبنوا الأديرة على جانبيه، إذ أن الوادي يقع في أرض وعرة جدًا في الجزء الشمالي من سلسلة جبال لبنان الغربية.
كما تقع غابة أرز الرب بالقرب من الوادي، وقد أصبحت اليوم محمية طبيعية مخصّصة لإنقاذ ما تبقى من الأرز اللبناني، وتتجلّى أهميتها التاريخية في أنها الغابة الأساسية التي قطع الفينيقيون أخشابها ليبنوا سفنهم ومعابدهم وليتاجروا بها مع المصريين والآشوريين.