ساعات التوربيون من "ريتشارد ميل" Richard Mille عالم يفوق الخيال
قد تكون التوربيون من أجمل التعقيدات التي يقبل عليها هواة الساعات، فهي تلك الآلية التي تتحرك وتدور باستمرار على قرص الساعة، فتجذب النظر وتبهر. اخترع "أبراهام لوي بريغيه" التوربيون عام 1795 ليقاوم الأثر السلبي للجاذبية على أداء الساعة. صناعتها صعبة للغاية، ولذلك فهي تعد دليلا على براعة صانع الساعات.. وقد كانت التوربيون اختيار "ريتشارد ميل" Richard Mille لتكون في أول الساعات التي ابتكرها عند تأسيسه الدار التي تحمل اسمه. وقد قدمها مقاومة للصدمات أيضا، وهكذا كان سبقه مضاعفا. وقد حرص "ريتشارد ميل" Richard Mille منذ تأسيس الدار على تقديم ساعات ميكانيكية ومعقدة للمرأة، وخصها بساعات بديعة تحتوي على التوربيون. "هي" تحدثت مع "ثيودور ديل" Theodore Diehl، خبير الساعات والمؤرخ والمتحدث الرسمي باسم الدار، عن بعض النماذج التي صممتها الدار خصيصا للمرأة وعن ساعات التوربيون تحديدا.
أصبحت ساعات "ريتشارد ميل" Richard Mille عنوانا للفخامة والابتكار والتقنية الفنية، وهي تصدر بكميات محدودة وقليلة يقبل على اقتنائها النخبة. ومن اللافت في الدار أنها تقدم ساعات تقنية معقدة للمرأة منذ البداية. يشير "ثيودور ديل" إلى خبرة "ريتشارد ميل" Richard Mille الفريدة التي تجمع عالمي الساعات والمجوهرات، فقد عمل سنوات طويلة في عالم الساعات، كما ترأس قسم المجوهرات والساعات في دار "موبوسان" الشهيرة قبل أن يؤسس داره في عام 2000. وقد صب خبراته في ما تقدمه الدار من ساعات المرأة، والتي تصنع بنفس الحرفية التقنية التي تصنع بها ساعات الرجل، كما تعيرها نفس الاهتمام في آلياتها الميكانيكية ومكوناتها. وإلى جانب الاهتمام البالغ بالتفاصيل على مستوى تقني، فإن الدار أيضا تهتم بالتفاصيل الجمالية والترصيع بالماس الذي قد يكون على حافة العلبة أو على جانبها. ويقول "ثيودور ديل": "يختلف نتاجنا كثيرا عما قد نراه في ساعات مفعمة بالأنوثة تصنعها الكثير من الدور، بينما ساعاتنا ثرية الأنوثة، لكن لها عقلية جدية في صلبها وداخلها. وهذا يظهر مقدارا كبيرا من الاحترام للمرأة".
هندسة وأبعاد ثلاثية
عند سؤاله عما يميز التوربيون الذي تنتجه الدار بالمقارنة بما تنتجه الدور الأخرى، يؤكد "ديل" الاهتمام الخاص التي تعيره الدار إلى هندسة الساعة والتوربيون تحديدا، ليبدو عميقا للغاية. وأضاف: "إذا وضعتِ أي توربيون من إنتاجنا إلى جانب إنتاج إحدى الدور الأخرى فستلاحظين أولا استخدامنا البالغ للأبعاد الثلاثية. كما نهتم بكل جدية بما هو داخل الآلية، وبكل جزء ومكون وبرغي. هذا الاهتمام بالعمق والأبعاد الثلاثية كان من أحد أسباب تصميم علب الساعات بشكل خاص جدا، فهي منحنية من كل الجهات، من الخلف حيث تعانق الرسغ وأيضا من الأمام، ليس فقط لتكون مريحة، ولكن أيضا لتعطينا المساحة للتلاعب بداخلية الساعة. فلو أخذتِ الوقت لتتأملي داخل الساعة لوجدتِ عالما واسعا أمامك. وهذا ينطبق على التوربيون بحد كبير".
ويؤكد "ديل" على صعوبة صناعة وتركيب التوربيون، ويلفت إلى أن الجزء الصغير من التوربيون، والذي يدور باستمرار، يتكون من نحو 85 جزءا، وبعض من تلك الأجزاء صغيرة للغاية، فتكاد تكون بحجم حبة رمل. ولذلك فإن العمل على تركيب التوربيون يتطلب براعة بالغة. حركة الساعة الكاملة والصفيحة الأساسية والعلبة وأجزاء أخرى تحيط بالتوربيون، وهذه المنطقة في الهندسة تسخرها الدار لإنتاج أعمال فنية إبداعية للغاية. يقول "ديل": "عادة في ساعات المرأة لدينا تفاصيل جميلة نسخر لها خبرات حرفيات فنية، مثل حفر المعادن الثمينة، والترصيع بالأحجار الكريمة. وقد قدمنا مثلا في ساعة "توربيون فلور" RM 19-02 Tourbillon Fleur زهرة مغنوليا تتفتح بتلاتها كل خمس دقائق، لتكشف عن توربيون طائر. والساعات، هي بالطبع قبل كل شيء آلات تدل على الوقت، نريدها أن تكون دقيقة جدا، ولكننا أيضا في الوقت نفسه نريدها أن تكون أعمالا فنية، يستمتع بها صاحبها عبر السنين، وكلما نظر إليها اكتشف شيئا جديدا".
مقاومة للصدمات
عادة إذا اقتنى أحدهم ساعة فاخرة، وخاصة تلك التي تحتوي على التوربيون، تفادى استخدامها في حياته اليومية خشية أن تتعطل أو تنكسر، فالتوربيون خصوصا يبدو رقيقا يسهل كسره. لكن اللافت في ساعات الدار أنها وعلى الرغم من أنها بالغة الفخامة والتعقيد إلا أنها تناسب الاستخدام في الحياة اليومية والمناسبات على حد سواء. ويعلق "ديل" على ذلك الأمر قائلا: "نستخدم عبارة (أداة سباق على المعصم) لوصف ساعاتنا لأن (ريتشارد) يهوى سباق السيارات، ويملك مجموعةرائعة من سيارات السباق. كما يشارك بالسباقات، ويقود تلك السيارات يوميا. فهي ليست مجموعة يتأملها ويعجب بها، وإنما يستخدمها يوميا. وهو يصب كل ذلك في الساعات التي ننتجها، أضرب لك مثلا في سباقات الفورمولا 1، يجب أن تكون بعض الأجزاء في السيارة صلبة جدا، ومقاومة للصدمات والاهتزاز فيما في الوقت نفسه يجب أن تكون بعض الأجزاء الأخرى مرنة ومتحركة. وقد طبقنا تلك المبادئ في التوربيون التي نصممها، ففي معظم ساعات التوربيون نستخدم التيتانيوم نوع في صناعة الصفيحة الأساسية، لأن هذا المعدن بالغ الصلابة، ونحتاج صحيفة أساسية قاسية وصلبة من أجل الدقة والثبات. أما جسر التوربيون الذي يركز هذه الآلية الدقيقة الحساسة، فهو مصنوع بطريقة مرنة تسمح له بالتحرك، وبالتالي تضمن أن يكون مقاوما للصدمات، فلا يحدث أي أذى للتوربيون إذا سقط. ونحن نجري الكثير من الاختبارات والأبحاث على الصدمات في مصنعنا في )لا برولو( في سويسرا، وبعض ساعاتنا الرياضية تقاوم قوة تسارع مؤثرة تبلغ 10 آلاف g، وهو أمر مذهل، ولا تختلف الساعات النسائية عن الساعات الرجالية في أي من النواحي".
تيتانيوم نوع 5
عند السؤال عن سبب استعمال الدار لمعدن تيتانيوم عيار 5 في حركات ساعات مثل "توربيون أوتوماتيك تاليزمان" RM 71-01 Tourbillon Automatic Talisman ، وإن كان ذلك لأنه معدن خفيف الوزن، يجيب "ديل" قائلا: "صنعنا بعض الساعات الرياضية لتكن خفيفة جدا بناء على طلب السائقين أو النجوم الذين لا يريدون ساعة ثقيلة، وهم على الملعب أو حلبة السباق. لكن ليس من الصحيح أننا نزن ساعاتنا، ونهدف أن تكون جميعها خفيفة الوزن. فبعض ساعاتنا ثقيلة، وهذا لأن وجهة نظر (ريتشارد) هي أن يلبي الأذواق المختلفة للناس، ولا نريد أن نصنع نوعا واحدا من الساعات. إن التيتانيوم عيار 5 معدن رائع وخفيف، وهذا عنصر جميل، لكن الأهم أنه صلب ومتين جدا، ومقاوم لأي نوع من الضغوط، وهو لا يتغير كثيرا مع تغير الحرارة، ولذلك يستخدم كثيرا في عالم الطيران والأقمار الصناعية والطائرات النفاثة. ونحن نستعمله لأسباب تقنية، فإذا تغيرت أبعاد الصفيحة الرئيسية ولو مقدار شعرة، مع تغير الحرارة فقد يؤثر ذلك في دقة الساعة، ومع استخدام التيتانيوم نتفادى تلك المشكلة. الساعات الكلاسيكية عادة تدخل في صناعتها الفضة الألمانية، وهي في الواقع نحاس. وهو معدن أقل صلابة وهو أكثر عرضة للتوسع والانكماش من التيتانيوم. كما أنه وبسبب صلابته يسمح لنا بتخريم وهيكلة الحركة المصنوعة منه دون أن تصبح هندستها ضعيفة، وبذلك يعطينا حرية التصميم". ويلفت "ديل" إلى أن ساعة "توربيون أوتوماتيك تاليزمان" RM 71-01 Tourbillon Automatic Talisman ، التي صممتها "سيسيل غينا" تضم أول توربيون تطوره وتصنعه الدار دون شراكة. وقد استغرق تطوير هذه الحركة المهمة عدة سنوات، ويؤكد "ديل" أن تخصيصها لساعة نسائية يدل على الاحترام الذي تكنه الدار لساعات المرأة. الساعة مهيكلة بدرجة عالية، وتقدم بعشر نماذج، ينتج خمس قطع من كل منها. وكل منها مصمم ومصنوع بطريقة بالغة التعقيد، أما قرص الساعة، فصنع على عدة طبقات، وهي مرصعة بالماس ومطعمة بعرق اللؤلؤ، فيكاد يكون الميناء قطعة مجوهرات ثمينة بحد ذاته. وقد رصع كل ميناء، لا تتجاوز سماكته 0.9 مم، يدويا بعرق اللؤلؤ والأونيكس والماس. ويعتبر هذا المكون تحديا كبيرا بحد ذاته، وذلك بسبب ما يتطلبه من عمليات التشطيبات والأداء الختامي المختلف، بما في ذلك الصقل بتقنية النفث الرملي، والتلميع والترصيع وغيرها. وتجرى كل هذه العمليات على مساحات صغيرة جدا مقسمة على عدة مستويات.
ابداع حرفي
الإبداع في ترصيع المجوهرات شكل تحديا كبيرا في ساعة "توربيون دايموند تويستر" RM 51-02 Tourbillon Diamond Twister (إصدار محدود من 30 قطعة) التي تأخذ إلهامها في التركيبة الدائرية للدوامة. قلب الداومة هو التوربيون الموجود في موضع الساعة السادسة، فينطلق منه 14 قوسا مرصعا بالماس. وقد زينت العلبة بالماس الأبيض فيما غطى الياقوت الأسود منحنياتها، كما رصع التاج بثلاثة صفوف من الماس. صنع قرص الساعة المركزي من الذهب الأبيض المرصع بنحو 270 حجرة كريمة. أما الأقواس التي تدور فيها، فهي رفيعة جدا، وعند ترصيعها بالماس من السهل جدا أن يتشوه شكل المعدن. ويشير "ديل" إلى صعوبة الترصيع قائلا: "قد يبدو أن عملية الترصيع سهلة، وإنما ترصيع هذه الأقواس كانمهمة فنية راقية نفذتها أنامل فنان مبدع. وأي صائغ يراها يذهل من حرفية المرصع". أما الصفيحة الرئيسية، فصنعت من العقيق اليماني الأسود، أو الأونيكس، وهو حجر كريم ينتمي إلى مجموعة أحجار الكوارتز. وهو يعتبر من الأحجار التي ترمز إلى التوازن والإلهام ويرى البعض أن له قدرة على امتصاص الطاقات السلبية. الحرفية الفنية جلية في ساعة "توربيون إيفل آي" 02 - RM 26
Tourbillon Evil Eye (إصدار محدود 25 قطعة)التي استلهمت من فكرة صد عين الحسود، والعينان في الساعة تحمي صاحبها من الشر. صنعت علبة الساعة بسيراميك TZP-N الأسود. أما قرصها الفني الذي يأخذ شكل عين محاطة باللهب، فهي من الذهب الأحمر N5 الذي نحته الحرفي المشهور "أوليفييه فوشيه" باستخدام الأزاميل المصنعة خصيصا لإتمام أدق التفاصيل بشكل مثالي. هذا، وقد زينها بطلاء اللك بأسلوب "غراند فو" Grand Feu ليزيدها عمقا وواقعية. الفنان "أوليفيه فوشيه" عمل على حفر بتلات زهرة المغنوليا من الذهب وطلائها باللك في ساعة "توربيون فلور" - RM 1902 Tourbillon Fleur (إصدار محدود 30 قطعة) والتي تظهر بوضوح العناية الكبيرة التي تعيرها الدار لأدق التفاصيل، فتبين المقاربة على جميع المستويات التي يعتمدها "ريتشارد ميل" في فن صناعة الساعات. يقول "ديل": "استلهمت هذه الساعة من الأوتوماتا التي كانت ازدهرت صناعتها في القرن الثامن عشر، حيث كان الكثير من الفنانين الحرفيين في سويسرا يصنعون ما يمكن وصفه باللعب أو الآليات الميكانيكية للأغنياء والأرستقراطيين، مثلا يرقة (يسروع) من الذهب المرصع بالماس تتحرك على الطاولة، أو حيوانات صغيرة تمشي على الأرض". الساعة تحتوي على زهرة مغنوليا في موضع الساعة السابعة، وهي تتفتح كل خمس دقائق لتكشف عن توربيون طائر. كما يمكن التحكم يدويا بتفتح الزهرة بضغط زر عند موضع الساعة 9. ويشير "ديل" إلى اهتمام الدار بأدق التفاصيل قائلا: "إنها عملية معقدة بحد ذاتها أن تصنع زهرة مكونة من خمس بتلات مصوغة من الذهب، تفتح وتغلق لتظهر التوربيون في قلبها. لكن الأصعب هي أن تجعل التوربيون، وهو جزء من حركة الساعة، يرتفع للأعلى لمسافة ملمتر كي يشابه ما يحدث في الطبيعة عندما تتفتح الزهرة. وهذا تفصيل قد لا يلحظه الكثيرون عند رؤية الساعة. لكن ريتشارد أراد أن يعكس الطبيعة، وقد تطلب الأمر استثمارا ضخما من المال والجهد للتوصل إلى النتيجة النهائية. وهذا فريد في عالم صناعة الساعات، فتطوير كل حركة وآلية يستغرق الكثير من الزمن وكلفته ضخمة، ومن ثم لا نصنع سوى عدد ضئيل من الساعات. لكن لدينا زبائن يبحثون عن الفريد والنادر، ويهتمون بأدق التفاصيل. وهذا ما نقدمه دون أي تهاون في أي من النواحي، وهذه الساعة مثال على أسلوبنا الذي يثبت أننا نذهب إلى أقصى حد كي يكون نتاجنا الأخير مثاليا".