الرئيس التنفيذي لدار Van Cleef & Arpels نيكولا بوس لـ"هي": رؤيتنا للوقت مستوحاة من تاريخ الدار وحكايتها التي ألهمتها على مر السنين
في كل قصة جديدة ترويها، تأخذنا دار المجوهرات الراقية "فان كليف أند آربلز" Van Cleef & Arpels في رحلة عاطفية إلى عالم من الأحلام تسكنه مصادر إلهامها التاريخية مثل الطبيعة الأم وفن الرقص. وتجسّد الدار حكاياتها الساحرة عبر روائع المجوهرات والساعات والتحف الميكانيكية التي تلتقي في ابتكارها وتصنيعها مهارات حرفية وتقنية وإبداعية عملت "فان كليف أند آربلز" على صونها ونقلها وصقلها على مر العقود. لمعرض "ساعات وعجائب" 2022 الذي أُقيم في المدينة السويسرية جنيف، رسمت الدار الفرنسية العريقة درب رحلة خيالية إلى قلب الطبيعة الملهمة بحركتها وألوانها وأشكالها، من نباتاتها وحيواناتها ومياهها إلى أسرار سمائها..
بدأ المشوار الغامر في حديقة أزهار تفتح تويجاتها وتغلقها، لتشير إلى الوقت على ميناء الساعتين الجديدتين "ليدي آربلز أور فلورال" Lady Arpels Heures Florales و"ليدي آربلز أور فلورال سوريزييه" Lady Arpels Heures Florales Cerisier ضمن مجموعة "بويتيك كومبليكيشنز" Poetic Complications التي تلخص رؤية الدار الشاعرية للوقت. عند الوقفة التالية، رفرفت فراشة بأجنحة منبثقة من كشاكش تنورة راقصة باليه، في تفسير جديد للساعة الأيقونية "ليدي آربلز باليرين آنشانتيه" Lady Arpels Ballerine Enchantée التي تحتفي برقي فن الرقص ورقته. وتفاجئنا الدار بتقديمها ثلاث تحف استثنائية ضخمة تجمع الحركة والموسيقى في آلات ذاتية التشغيل، من بينها تحفة "بلانيتاريوم" التي ترقص فيها الأجسام السماوية، وتتحرك بسرعة دورانها الواقعية. نكتشف المزيد عن رؤية "فان كليف أند آربلز" للوقت والتقنيات والآليات التي تسمح لها بترجمة هذه الرؤية، ونطلع على مصادر الإلهام وعمليات الابتكار خلف روائعها الجديدة التي تعاونت في تنفيذها مع العديد من الخبراء والحرفيين والمشاغل على مدى سنين من البحث والعمل، في هذا اللقاء الحصري مع الرئيس التنفيذي للدار "نيكولا بوس" Nicolas Bos.
تجسد مجموعة الساعات التي تقدمونها في معرض "ساعات وعجائب" هذا العام، مفهوم "شاعرية الوقت" الذي يلخص جوهر ساعات "فان كليف أند آربلز". هلا أخبرتنا أكثر عن رؤية الدار للوقت؟
حين نتحدث تحديدا عن مجموعة "بويتيك كومبليكيشنز"، نلاحظ أن كل أعمالنا تنطلق من رؤية محددة للوقت مستوحاة من تاريخ الدار وحكايتها والموضوعات التي ألهمتها على مر السنين. هي رؤية لا تلتزم بالإطار التقليدي لصناعة الساعات السويسرية التي تصب اهتمامها على الدقة والأداء العالي في مقاربة تقنية للغاية وحتى ذكورية أحيانا؛ بل إن رؤيتنا تنظر إلى الوقت من خلال عدسة "فان كليف أند آربلز" المتأثرة بدورات الطبيعة، وفكرة التجدد ومرور الفصول. وتتأثر نظرتنا الدورية للوقت إلى حد بعيد بالطبيعة وبالطريقة التي أثرت بها الطبيعة في فهم الإنسان للوقت، وألهمت بها الفنانين والشعراء والحرفيين عبر التاريخ. هذه هي الرؤية التي نعمل وفقها، ونحاول ترجمتها بشكل ملموس في ابتكاراتنا.
ما الأهداف الأساسية التي تسعى عملية ابتكار الساعات إلى تحقيقها؟
هناك جوانب كثيرة نأخذها بعين الاعتبار. الجانب الأول هو تمثيل الوقت، لأن مصادر إلهامنا التي ذكرتها تفتح أبواب احتمالات جديدة لعرض الوقت بطريقة مختلفة عن العقارب وأنظمة الإشارة التقليدية الأخرى. إن سعينا إلى تمثيل الوقت بشكل مبتكر هو ما يدفعنا ويلهمنا في ابتكار معظم ساعات "بويتيك كومبليكيشنز"، التي قد تشير إلى الوقت من خلال حبيبين على جسر أو عصا سحرية بيد جنّية، وقد تعطي الوقت ليس من خلال الساعات والدقائق، بل من خلال المواسم التي تتعاقب ببطء حول ميناء الساعة. أما أحد الجوانب الأخرى التي لها صلة وثيقة بهوية "فان كليف أند آربلز"، فينظر إلى الاتجاهات المختلفة في مقاربات تطوير الآليات التقليدية خلال القرون الأخيرة في عالم صناعة الساعات، الذي يشكل عملنا جزءا لا يتجزأ منه. أحد هذه الاتجاهات مثلا يتمحور حول توليد طاقة ميكانيكية تبعث الحياة في الآلية من خلال نظامي الضبط والإشارة، وتأتي بعده نزعة رئيسة أخرى تقيس الوقت بدقة عالية. ويتبعهما مسار ثالث مكمل ومتمحور حور الآلة الذاتية التشغيل أو "أوتوماتون" التي تستعمل مقاربة التقنية الميكانيكية لكن بهدف آخر، وهو منح الحياة لمشهد معين وسرد قصة غير متعلقة فقط بقياس الوقت. هذا الخيار الثالث جذب اهتمامنا، لأنه سمح لنا بإعطاء الحركة والحياة للقصص ومصادر الإلهام التي تبقى جمادا في عالم المجوهرات، فتظل قطعة المجوهرات بطبيعتها شيئا جامدا حتى لو نجحنا في أن نضيف إليها تفصيلا متحركا. أما حركة الساعة، فتحمل احتمالات كثيرة تبعث الحياة في الصور والمشاهد، على غرار الانتقال من صورة فوتوغرافية إلى صورة متحركة.
تحدثت عن تطوير أساليب جديدة في تمثيل الوقت والإشارة إليه. كيف تقوم ساعة "ليدي آربلز أور فلورال" الجديدة بعرض الوقت؟ وما كان مصدر الإلهام خلفها؟
في ساعة "أور فلورال" التي أطلقناها هذه السنة، يشار إلى مرور الساعات من خلال أزهار تفتح بتلاتها وتغلقها. الفكرة مستلهمة من عالِم نباتي أتى في القرن الثامن عشر بفكرة إنشاء حديقة تنبت فيها أصناف الأزهار التي تفتح بتلاتها وتغلقها في أوقات محددة من اليوم، فتكون بمنزلة ساعة تعطي الوقت لمن يرى حالة أزهارها المختلفة. وقتها، ألهمت فكرته تجارب كثيرة أجريت معظمها في القرن التاسع عشر، لكن لم تنجح بسبب صعوبة تنفيذها وعدم دقّتها. لكنها ألهمت فريق عملنا بشكل كبير، إذ تقف عند ملتقى الاحتفاء بالطبيعة ورؤيتنا للوقت. وعملنا على تطوير آلية ميكانيكية تسمح بالإشارة إلى مرور الساعات عن طريق حركة تويجات الأزهار.
كيف تنسجم آلات "أوتوماتون" الذاتية التشغيل مع فن الرقص، الذي لطالما كان جزءا أساسيا من عالم "فان كليف أند آربلز"؟
إن الاحتفال بالطبيعة وبالحركة موضوع متجذر في عالمنا، ولهذا السبب، أصبح الرقص المجال الفني الذي تربط بينه وبين الدار علاقة وطيدة من ناحيتي الإلهام ومشاريع التعاون الفنية. حين نحتفي بجمال الحركة من خلال الطيور أو الفراشات أو الزهور، نركز على تمثيل الطبيعة. أما الرقص، فيكون بإدخال الشكل البشري إلى المشهد؛ وقد شكل مصدر إلهام كبيرا للكثير من ساعاتنا، خصوصا في مجموعة "بويتيك كومبليكيشنز"، ومنها ساعة راقصة الباليه التي نعيد تصورها هذا العام حتى تجمع بين فن الرقص وحركة الطبيعة في تحية إلى انسيابية حركات الرقص وأناقتها. تستقي هذه الساعة إلهامها من الراقصة الأيقونية "آنا بافلوفا" التي كانت تحلم بالرقص كفراشة، وتترجم هذه الفكرة بلغة حرفية إلى ميناء يشير إلى الوقت، وتتحول فيه تنورة الباليه إلى فراشة.
ماذا عن الآلية الارتجاعية "ريتروغريد" التي ترافق الأجزاء المتحركة والآلات الذاتية التشغيل في ساعاتكم؟
حين بدأنا التفكير في كيفية ترجمة رؤيتنا للوقت إلى ساعات فعلية، رأينا أن العقارب التي تعتبر الخيار التقليدي للإشارة إلى الوقت، ليست بالضرورة الخيار الأفضل دائما؛ لذلك نظرنا إلى كل الآليات الموجودة في صناعة الساعات. وعملنا أولا على الأقراص بدل العقارب، وما زلنا حتى اليوم نقدم بعض الساعات ذات الأقراص، لأنها تبعث الحياة في المشهد، وتمنحنا فرصة للتفنن أكثر في الزخرفة. بعدها، انتقلنا إلى التقنية الارتجاعية "ريتروغريد" القريبة جدا من عالم الآلات الذاتية التشغيل بفضل سماح نظامها بتحريك العناصر الأكبر حجما والأثقل وزنا. وقد لجأنا إلى النظام الارتجاعي في ساعة الجنية والعصا السحرية، وفي ساعة الحبيبين على الجسر، وهما تصميمان يتعذر تنفيذهما بوجود عقارب مركزية تقليدية. كما يسمح النظام الارتجاعي بإزاحة الحركة عن وسط الساعة، وهو ما يمنحنا مساحة أكبر لسرد القصة على الميناء. لذلك، إن نظام "ريتروغريد" مهم للغاية، ومرتبط دائما بعالم الأوتوماتون. وفي بداية "بويتيك كومبليكيشنز"، تعاونّا مع صانعي ساعات متخصصين في الحركة الارتجاعية، مثل "جان-مارك فيدريشت" الذي لعب دورا مهما.
هل شكّل النجاح الذي شهدته قطعة "فيه أوندين" في عام 2017 ، مصدر إلهام لمبتدعي تحفكم الاستثنائية هذا العام؟
نعم، كان نجاحها بطريقة ما تأكيدا لنا على الاهتمام الموجود بهذا النوع من القطع. كان تجاوب الناس معها مذهلا، وقد دفعنا إلى الاستمرار في سرد هذه القصص عبر التعاون مع الحرفيين وصانعي الآلات الذاتية التشغيل مثل "فرانسوا جونو"، وتطوير مقاربات جديدة. وبالنسبة إلي، إن رؤية ردود الفعل حتى اليوم تأكيد قوي على سحر هذه التحف. والأمر المدهش هو تأثيرها ليس فقط على خبراء المجوهرات والساعات الذين يدركون المهارات الدقيقة والتقنيات المعقدة وساعات العمل خلف كل قطعة، بل أيضا على الأشخاص الذين لا علاقة لهم بهذا المجال، مثل الأطفال، ومن بينهم ابنتي! فمع تطور العالم الافتراضي واحتمالاته اللامحدودة وأبعاده الثلاثية ومؤثراته الخاصة، لم يعد سهلا أن ينبهر الإنسان بأي شيء يراه. لكن هذه التحف الاستثنائية التي نبتكرها ما زالت تدهش حتى الناس الذين لا يعلمون أي شيء عن طرق تصنيعها. ولعل هذا الجانب العاطفي الكامن فيها يعود إلى كونها أشياء ميكانيكية مصنوعة يدويا بتقنيات سهلة الفهم على الرغم من تعقيدها، لأنها تستخدم في نهاية المطاف عجلات وأسلاكا فقط دون أي مكون إلكتروني. تأثيرها يتخطى تأثير الابتكارات الإلكترونية، وأجد ذلك مرضيا حقا.
خلال العمل على "فيه أوندين" قبل خمس سنوات، وعلى التحف الاستثنائية الجديدة اليوم، تعاونتم مع عدد من المشاغل والحرفيين. ما الدروس التي تعلمتموها من هذه التجربة وساعدتكم في ابتكار تصاميم هذا العام؟
في عالم المجوهرات الراقية الذي يبقى مجال عملنا الأساسي، يكون سير العمل عموما أشبه بخط مستقيم، لأن المصممين يعرفون تماما ما هو ممكن، وما الأحجار المتوفرة، ويصممون القطعة بطريقة تجعلها صالحة للتصنيع. الحوار بين فرق العمل المختلفة موجود في صناعة المجوهرات طبعا، لكنه أساس العمل بالنسبة إلى التحف الاستثنائية، حيث تكون طريقة الابتكار تعاونية إلى أقصى حد. لهذه القطع، يستحيل البدء برسم أو تصميم بسبب النواحي الكثيرة التي يجب أخذها بعين الاعتبار، وأيضا بسبب العناصر المجهولة. هنا لا يمكن العمل سوى بنهج تعاوني، مع المصممين والحرفيين وخبراء الأحجار الذين يعملون لدى الدار، وحتى أحيانا مع حرفيين نستعين بهم من مشاغل خارجية، مثل مشغل للمينا موجود في مدينة جنيف. المهارات الموجودة في مشاغل "فان كليف أند آربلز" كثيرة، لكن حرفيينا قد لا يستطيعون مثلا العمل على هذه القطع الضخمة، ولذلك نتعاون مع حرفيين معتادين على العمل مع هذه الأحجام والأبعاد التي لها قيودها وتقنياتها الخاصة. التجربة دائما مرضية، لأنها فرصة للعمل مع أشخاص موهوبين للغاية. وقد سمحت لنا هذه المشاريع بالتعرف إلى خبراء بارعين مثل "فرانسوا جونو" الذي التقيناه للمرة الأولى خلال العمل على "فيه أوندين"، وتعاونا معه في مشاريع لاحقة.
هل تأثرت صناعة ساعاتكم بمشاريع العمل على تحفكم الاستثنائية؟
لا شك في أن هذه المشاريع تؤثر أحيانا في ابتكار الساعات، مثل ساعة "أور فلورال" التي ربما لم تكن موجودة لولا رحلتنا مع الآلات الذاتية التشغيل التي دفعت بحدودنا التقنية. ففي صناعة الساعات، يجري كل شيء على مستوى أفقي، والآلات الذاتية التشغيل الثلاثية الأبعاد أجبرتنا على التفكير بطريقة مختلفة لتصور الأجزاء الأفقية والعمودية. فاكتشفنا أنه يمكننا القيام بعدة أشياء حتى في إطار الساعة التي على الرغم من مداها العمودي المحدود، تعطينا ارتفاعا كافيا لإنشاء حركة عمودية. هناك بالفعل "تلاقح" بين المشاريع المختلفة المجالات. وهنا تكمن أيضا رؤيتنا للابتكار، الذي لا يعني لنا بالضرورة الأفكار الجديدة والتكنولوجيا الحديثة. بل إن الابتكار هو التفكير ضمن الحرف التقليدية في إيجاد علاقات جديدة، وتحسين العناصر الموجودة، وإضافة تفاصيل دقيقة نواصل من خلالها دفع الحدود وتوسيع الآفاق.
في تصميم المشاهد المتحركة لميناء الساعة، يكمن التحدي عادة في التصغير. لكنكم في تحفة "بلانيتاريوم" التي قدّمتها "فان كليف أند آربلز" هذا العام، نجحتم في تضخيم المشهد السماوي، وتقديمه في مقاس كبير. ما كانت أبرز التحديات التي واجهتموها؟
التحديات كانت كثيرة، خصوصا من ناحيتي الأحجار الكريمة والزخرفة. أردنا أن نكبر حجم الكواكب، وبالتالي حجم الأحجار الكريمة التي ترافقها، وكان علينا التعامل مع أحجام وأوزان تتطلب مقاربة مختلفة فيما يتعلق بتوليد الطاقة واستهلاك كل حركة للطاقة. العملية لم تكن مجرد عملية تضخيم، إذا لا يمكننا أن نأخذ التصميم ونضاعفه ونضربه بعدد معين، فاضطررنا إلى إعادة التفكير ببعض الأمور. لم نبتكر هذه القطعة لأننا أردنا فقط تقديم نسخة كبيرة لساعة اليد "بلانيتاريوم"، بل لأننا رغبنا في ابتكار شيء مرح وغريب وساحر نركز من خلاله على الرقص وجمال الحركة. حافظنا على طريقة عمل القطعة التي تعكس حركة الكواكب بأسلوب علمي دقيق، وأضفنا عنصر المفاجأة من خلال رقصة الكواكب التي تطلبت تطوير الكثير من العناصر الجديدة، وسمحت للكواكب بالرجوع والتحرك صعودا وهبوطا. وفي الوقت نفسه، أخذنا في الاعتبار أن هذا المشهد المتحرك يستمر دقيقة، وأنه لا يمكننا أن نخسر دقيقة من درجة دقة الوقت. ولذلك، كان علينا أن نستمر في تغذية عملية ضبط الوقت من مصدر الطاقة نفسه على الرغم من أن هذه الآلية غير متصلة بحركة الكواكب. واجهتنا تحديات كثيرة لا نراها عادة في صناعة الساعات، وذلك بسبب حجم هذه القطعة.