Cartier تحتفي في مدريد بجمال العالم
مدريد: عدنان الكاتب Adnan AlKateb
انفتحت دار "كارتييه" Cartier في مرحلة باكرة من تاريخها على العالم، حين بدأ الأشقاء الثلاثة "لويس" و"بيير" و"جاك" أحفاد مؤسس الدار بالسفر بحثا عن أنفس الأحجار وأروع مصادر الإلهام في قارات وبلدان ومدن مختلفة، ومنها منطقة الشرق الأوسط لإيجاد كنوز مثل اللؤلؤ. واحتفالا بسعيها الدائم إلى تمثيل الجمال في كل أرجاء الأرض، دعتنا "كارتييه" إلى مدريد عاصمة إسبانيا، حيث قدّمت للمرة الأولى مجموعة المجوهرات الراقية الجديدة "بوتيه دو موند" Beautés du Monde التي تجسد شغفا قديما بالبحث عن الجمال في كل مكان، وتحويله إلى تصاميم تحتفي ببهائه وتنوعه وسحره الأبدي. ومن خلال معرض أقيم داخل مبنى معاصر في قلب العاصمة مدريد، وأمسية راقية استضافتها حدائق غنّاء تزين محيط بيت أرستقراطي تاريخي، اكتشفنا الأبيات الأولى من قصيدة "بوتيه دو موند" التي تتغنى بجمال الكون بأسلوب رمزي جمّلت إيقاعه لغة الأحجار الكريمة الساطعة.
يربط بين الدار الفرنسية وإسبانيا تاريخ طويل من الصداقة والوفاء بدأ عام 1904 ، حين منح الملك "ألفونسو" الثالث عشر "كارتييه" رخصة ملكية تصنّفها مزودا رسميا للبلاط الملكي. وتعددت منذ ذلك الحين زيارات "لويس كارتييه" إلى مدريد التي وجدها مصدر إلهام لا ينضب لما تحتضنه من ثقافات وفنون وحضارات، كما أنه زار الملك "ألفونسو" الثالث عشر وزوجته الملكة "فيكتوريا أوجيني" اللذين طلبا منه تصميم قطع عديدة لمجموعتهما الخاصة، وبنى علاقات مثمرة مع عدد كبير من أعضاء العائلة الملكية والأسر الأرستقراطية في البلاد.
في أرشيف الدار، صورة عائدة إلى عام 1920 تظهر تاجا صممته الدار للملكة "فيكتوريا أوجيني" التي كانت حفيدة "فيكتوريا" ملكة إنجلترا، وما زال جزء من مجموعة العائلة المالكة الإسبانية حتى اليوم، وخيارا مفضلا لدى الملكة الحالية "ليتيزيا". وفي مجموعة "كارتييه كولكشن" الهادفة إلى صون إرث الدار وقطعها التاريخية، نجد اليوم ساعة غامضة (أي ساعة تعمل وفق آلية صعبة التمييز) اشتراها في عشرينيات القرن الماضي أحد أعضاء العائلة المالكة الإسبانية.
في المراحل الأحدث لعلاقة "كارتييه" بإسبانيا، تألقت دار "كارتييه" في متاجر وبوتيكات فاخرة زادت مشهد التسوق الفاخر في إسبانيا فخامة ورقيا، إضافة إلى معارض نظمتها الدار، أو شاركت فيها خلال العقد الأخير. وهذا العام، نظمت "كارتييه" في قلب مدريد معرضا كشفت فيه عن مجموعة مجوهراتها الراقية الجديدة "بوتيه دو موند"، وعرضتها إلى جانب تشكيلة مختارة من مجوهراتها الراقية التي تنتمي إلى مجموعات سابقة، وقطع من المجموعة التاريخية "كارتييه تراديشن"، وتصاميم من أرشيف ساعاتها الراقية.
عنوان المعرض كان المقر السابق للسفارة البريطانية في مدريد الذي غادرته مكاتبها إلى ناطحة سحاب حديثة عام 2009 ، فبقي مهجورا حتى أخذت "كارتييه" على عاتقها مهمة ترميمه، التزاما منها بالمساهمة في صون المعالم الثقافية والفنية التاريخية. يعود تشييد هذا المبنى إلى عام 1966 حين تعاون المهندس المعماري الإنجليزي "ويليام إس. براينت" المعروف باعتماده النمط المعماري القاسي أو "الوحشي"، مع المهندس المعماري الإسباني "لويس بلانكو- سولير" الذي كان من الشغوفين بالتيار المعماري "العقلاني". وابتكر الثنائي تصميما حديث الروح ذا هيكل دائري مستوحى من حلبات مصارعة الثيران، مع ساحة داخلية ترصعها نافورة مياه ونوافذ تذكر بالدروع الجدارية التي تحمي عادة مصارع الثيران أو الماتادور في وجه الثور. لدى إنجازه، بدا المبنى الجامع بين النزعتين العقلانية والوحشية مختلفا بشكله الدائري وجمالياته الحديثة عن كل ما يحيط به من مبانٍ كلاسيكية وقصور ومنازل. واليوم، بعد أكثر من خمسين عاما، شكلت عمارته الخارجية ومساحاته الداخلية المجردة من أي مبالغة، خلفية مثالية لمجوهرات "كارتييه" الاستثنائية الفخامة.
من أجل تصميم سينوغرافيا المعرض، تعاونت دار "كارتييه" مع المصمم والفنان المدريدي "خايمي هايون" الذي يدمج في أعماله بين الفن والتصميم المعاصر، وابتكر هذه المرة تصميما نقيا يغمره النور وتؤطره الأقواس المدورة، ليدعونا إلى اكتشاف روعة الفصل الأول من "بوتيه دو موند" المؤلف من نحو مئة قطعة.
توّجت دار "كارتييه" مناسبة تقديم مجموعة مجوهراتها الراقية الجديدة بحفلة استقبال نجومية وعشاء فخم حضرهما أصدقاء "كارتييه" الآتين من حول العالم، ومن بينهم "كلشيفته فراهاني" و"ماريا كارلا بوسكونو" و"يارا شهيدي" و"فانيسا كيربي" و"جيسو" و"بيانكا براندوليني" و"بلانكا لي" و"تارا عماد". عنوان الأمسية المتألقة كان الحدائق الخلابة المحيطة بقصر "بالاسيو دي ليريا" النيوكلاسيكي الرائع العابق بعطر التاريخ والفن. وقد استطاع ضيوف الدار اكتشاف هذا المبنى التاريخي العائد إلى القرن الثامن عشر، والذي ما زال حتى اليوم منزل دوق ألبا وإحدى أهم العائلات الأرستقراطية الإسبانية، والاطلاع على مجموعة الأعمال الفنية التي ترصعه. وبعد جولة حول العقار المرموق، استمتع الحاضرون بمشاهدة عرض أزياء، وتذوق أطباق عشاء أعدّه شيف إسباني حائز ثلاث نجوم "ميشلان"، والاستماع إلى أداء موسيقي من فرقة "بلاك آيد بيز".
ترتكز مجموعة "بوتيه دو موند" على روائع فنية لعبت الدور النجومي في معرضها المدريدي، وخطفت أنفاس كل من لمح قوتها الغرافيكية ومرونتها الانسيابية. أولها عقد "إيوانا" Iwana الذي يعيد تصور جلد سحلية الإغوانا الخضراء بالماس والزمرد وبأسلوب يعكس الفكرة الكامنة خلف الكثير من تصاميم "كارتييه"، وهي التلميح إلى عناصر الطبيعة وتجسيد انطباع معين عنها بنهج تجريدي، بدلا من تقليدها. في عقد "ووتر أسبيس" Water Aspis ، يعود أحد المخلوقات الخرافية الساكنة في حديقة الحيوانات الخيالية التي بنتها "كارتييه" على مر العقود، وهو أفعى مائية قوية تظهر هنا في تفسير جديد أكثر جمالا ومرونة وسحرا من أي وقت مضى. وفي هذه القطعة اللينة المتحركة، تجرفنا مياه الصفير الأزرق ورغوة الأمواج المشعة من الماس الناصع إلى محيط بعيد يعيش فيه هذا الزاحف المهيب الذي يلتف بكل سلاسة حول فريسته في تموجات العقد.
يغوص عقد "ريتويل" Rituel في الثقافات العالمية، ويقدم تحية إلى المجوهرات التقليدية التي تزين حضارات منطقة وسط أمريكا، مع صفين من خرز حجر الكالسيدوني (أو حجر خلقيدونيا) الأزرق وفسيفساء من الياقوت المشع. ويعيدنا تصميم "نوشالي" Nouchali إلى أحضان الطبيعة، مستمدا شكل حليته المركزية من زهرة نبات النيلوفر، وتنبثق فيه بتلات ماسية تهتز مع كل حركة من حجر روبليت آسر بعيار 10.61 قيراط. ونتأمل في سحر الشعاب المرجانية مع "ريسيف" Récif ، حيث يجسد خرز المرجان أوج حيويته في تضارب لوني حاد بين البرتقالي والأخضر تمنحه بعدا عميقا حبات الجمشت المتناثرة في داخله بكل خفة.
ترفرف أجنحة المخيلة مستعدة للانطلاق نحو سماء تنيرها نجوم الأحجار الكريمة، مع عقدين مستلهمين من أجنحة الفراشات المرهفة. تحفة "أباتورا" Apatura تلمّح إلى أحد أكثر الحيوانات رقة وتلقي الضوء على سحر تدرجات جناحيه، مع أحجار الأوبال الأسترالية المتقزحة التي تعانقها أحجار تحاكي وهجها: الماس والصفير البرتقالي وخرز الصفير. ونرى جناح الفراشة عن قرب في "أبوريا" Aporia، حيث يتجزأ الجناح ويتكرر في لوحة غرافيكية رسمتها وضبطت إيقاعها ألوان متجذرة منذ أكثر من قرن في معجم "كارتييه" الإبداعي، مع العقيق اليماني الحالك والماس الثلجي والروبليت الناري.
ويسطع في الفصل الأول من "بوتيه دو موند" أيضا ألق مجموعة كبسولة من سبعة خواتم تستقي إلهامها من مواضيع متنوعة تتراوح بين علمي الأحياء والفلك ودراسة الأساطير والخرافات القديمة، لتقودنا في رحلة من أعماق البحار إلى أعالي السماء.