محاور المشاهير عدنان الكاتب يحاور الرئيس التنفيذي لدار "شوميه" Jean-Marc Mansvelt
زرعت دار المجوهرات الفرنسية الراقية "شوميه" Chaumet منذ أواخر القرن الثامن عشر بذور حديقة نباتية نفيسة جسّدت عشق مؤسسها للعالَم النباتي. فصارت الطبيعة مصدر إلهام ثابتا لتصاميم الدار منذ أكثر من قرنين، ورسّخت الرموز النباتية جذورها في حقل "شوميه" المعجمي، ومنها ورق الغار وسنابل القمح وأزهار الزنبق. وخلال الصيف، احتفت "شوميه" بهويتها، وعبّرت عن شغفها التاريخي في تجسيد جمال الطبيعة من خلال معرض نباتي أقامته في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة في العاصمة الفرنسية، تحت إشراف عالم النبات "مارك جانسون" الذي كان مسؤولا عن معشبات المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس. نظر معرض "فيجيتال- ليكول دو لا بوتيه" Végétal – L’École de la beauté، الأول من نوعه، إلى جمال الطبيعة من خلال عدسة الفن، وقاد زوّاره في رحلة اجتازت حِقبا مختلفة ومجالات فنية منوعة مع 400 عمل فني من رسوم ولوحات وصور فوتوغرافية ومجوهرات وأقمشة ومفروشات تجسد العلاقة بين الطبيعة والإنسان في أعمال فنية تعبر آلاف السنين، وتعكس الجمال اللامحدود الذي يعزز سحر الحياة النباتية.
خلال زيارتي إلى المعرض الذي غرس في صيف باريس جذورا فتحت أغصانها النابضة بالرجاء والفرح نحو سماء متجددة الإشراق، لمست كيف تم الجمع بين مجوهرات نباتية الإلهام من مجموعات الدار وأعمال فنية وتصاميم مختلفة المجالات والتقنيات والعصور، وبعد الزيارة توجهت إلى مبنى “شوميه” في ساحة فاندوم، وقابلت صديقي العزيز المبدع "جان-مارك مانسفيلت" Jean-Marc Mansvelt الرئيس التنفيذي لدار "شوميه" التي شهدت بقيادته ازدهارا ونجاحا غير مسبوقين، وأخذني هذا القيادي الشغوف بعمله إلى كواليس إعداد المعرض النباتي الاستثنائي، حيث اجتمع زوار مندهشون آتون من مختلف الجنسيات والأجيال، والتقوا حول حب الطبيعة.
كيف ولدت فكرة المعرض وتبلور مفهومه بشكله النهائي؟
قبل أربعة أو خمسة أعوام، رحت أفكّر في طريقة أقدّم بها معرضا لدار "شوميه" في باريس، وتكون مختلفة عن معارض المجوهرات التقليدية. غالبا ما نشعر بأن الأمور تحصل بشكل صحيح ومثمر حينما نلتقي على دروب الحياة الأشخاص المناسبين، وتعرفت آنذاك إلى "مارك جانسون" القيّم على المعرض حين كان يعمل في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي في باريس، حيث كان مسؤولا عن المعشبات النباتية التي تعتبر الكبرى في العالم. ودعوته لإلقاء نظرة على رسوم أرشيفنا، مشددا على عددها الهائل، فعاد "جانسون" بعد بضعة أشهر، وقال إن الجانب الأهم من رسومنا ليس عددها، بل نوعيتها وطبيعتها، وأكد أنها تستحق أن تكون معروضة في مجموعة نباتية متحفية. من هنا أتت فكرة مناقشة موضوع الطبيعة من وجهة نظر عالم نبات، واخترنا "مارك جانسون" قيّما على المعرض، وبنينا معه مفهوم المعرض قبل ثلاثة أو أربعة أشهر. قررنا أن نتحدث عن "شوميه" من وجهة نظر عالم نبات، وأن نسلط الضوء أيضا على أعمال فنانين مختلفين كانوا علماء نبات في مقارباتهم. حرص "مارك جانسون" منذ البداية على تنسيق المعرض بحسب كل نوع نباتي، ولم يرغب في تنسيق مزيج أزهار تقليدي أو مناظر طبيعية شاملة، بل عمل وفق رؤية جديدة وفريدة جعلت من المعرض معشبة ضخمة غنية الأصناف. ولم يختر لهذا المعرض سوى القطع التي استطاع التعرف إلى أشكالها النباتية وتسميتها، لكونه عالم نبات. مع مجوهرات "شوميه" وأعمال فنانين من حِقب ومجالات مختلفة، لم نقدّم معرضا يقتصر على اللوحات مثلا أو على فترة زمنية محددة، بل تجربة غمرت الزوّار بعالم النبات الذي ترجمه الإنسان إلى أعمال متنوعة على مدى آلاف السنين.
كيف جمعتم وأحضرتم كل الأعمال الفنية المعروضة؟
تعاونّا مع أكثر من تسعين جهة مساهمة، من متاحف ومالكين خاصّين ومؤسسات مثل الفاتيكان، ومتحف اللوفر، ومتحف "أورسيه"، ومؤسسة المفروشات الوطنية التي تشرف عليها وزارة الثقافة الفرنسية، والتي تعتبر الجهة المسؤولة عن تأثيث قصر الإليزيه والمقرات الرسمية، وأيضا عن الحفاظ على المفروشات التاريخية ضمن أرشيفها الضخم. اتصلنا بكل تلك الجهات، ولمسنا ردود فعل إيجابية واهتماما كبيرا بالمشاركة في معرضنا.
ما أبرز الأعمال الفنية التي شاركت في المعرض؟
من بين أبرز القطع، تاج من الحضارة الإغريقية يعود في الحقيقة إلى عام 300 قبل الميلاد على الرغم من أن الكثير من زوّار المعرض اعتقدوا أنه معاصر، وبساط جداري مزخرف من القرن السادس عشر ينتمي اليوم إلى مجموعة الفاتيكان، وقماش ضخم صُنع خصيصا للإمبراطورة "جوزفين" في قصر "سان كلو"، وأصبح اليوم جزءا من مجموعة مؤسسة المفروشات الوطنية. وهناك لوحة للفنان "كلود مونيه" رسمها قبل أقل من سنة على وفاته في الفترة التي بدأ يفقد فيها بصره، ولذلك نرى اليوم أنها غير منجزة، وأنها ليست بمستوى الدقة المعروفة عن أعماله الأخرى، ولا ننسى أنه حين أصيب "مونيه" بالعمى، ولم يعد يستطيع أن يرى شيئا، رقد على فراشه، ورحل عن هذا العالم.
علمت من أصدقائي في فريقك أنك زرت المعرض بنفسك أكثر من مرة، وفي كل مرة كنت تعود سعيدا بعد تفاعلك مع زوّاره؟
نعم زرته كل يوم تقريبا، وأنا سعيد للغاية بأنه كان مكتظا بالناس بشكل يومي. واستمتعت بتنظيم زيارات خاصة أعتبرها ضرورية من أجل شرح ثمار العمل الذي بذلنا لأجله أقصى جهودنا على مدى أربع سنوات. وفي كل زيارة كنت أبقى فترات طويلة لأكون قريبا من الناس، وأتفاعل معهم وأرد على استفساراتهم. ولن أنسى ما حصل معي في اليوم الثالث من المعرض، حين اقتربت منّي سيدة بغاية الأناقة، ورأت أنني أضع بطاقة التعريف التي تشير إلى أنني جزء من فريق العمل، فقالت وعيناها تدمعان: "هل أنت جزء من هذه المنظمة؟ أريد أن أقول: إنني متأثرة جدا بهذا المعرض إلى درجة لا يمكنني وصفها بكلمات". يسرني للغاية أننا نجحنا في جذب اهتمام الكثير من الناس، والتأثير فيهم وتحريك مشاعرهم، ومن بينهم عدد كبير من الشباب الذين أتوا إلى المعرض بسبب تعمقه في موضوع الطبيعة وعلاقتها بالإنسان، وتأمّله بكل الروائع التي تقدّمها. المسألة مسألة جمال، لكنها أيضا مسألة فلسفة إلى حد ما.
عالج المعرض موضوع الطبيعة الذي يهتم به عالمنا اليوم أكثر من أي وقت مضى. فما أكثر ما يميّز أسلوبه؟
صون البيئة الطبيعية المسألة الأكثر إلحاحا اليوم. وقد نظر المعرض إلى غنى الطبيعة عبر الجمع بين مجوهرات دار "شوميه" وأعمال فنية وتصاميم منتمية إلى حِقب مختلفة. على سبيل المثال، رأينا تاجا على شكل سنابل قمح كان للإمبراطورة "جوزفين"، إلى جانب تصميم للمبدع الراحل "إيف سان لوران" مطرز بالسنابل التي كانت رمزا مهما جدا بالنسبة إليه. هذه الطريقة البديلة لتنظيم معرض يحتفي بهوية معيّنة هي جديدة ومختلفة؛ وقد سلّطت الضوء على أعمال فنانين وحرفيين مختلفين، وأيضا على تحف من "شوميه" مثل تاج "كارنيشن"، وتاج "بيدفورد"، وبروش على شكل أوراق أعدنا بناءه استنادا إلى رسم موجود في أرشيفنا. ويسرّنا حقا أن نستطيع من خلال معارضنا مشاركة الناس قصص تاريخنا، وعرض قطع من الأمس واليوم.