"كارتييه" Cartier: حكاية "صائغ الملوك وملك الصائغين"
فنون وجواهر، ملوك وملكات. منذ أقدم العصور، يتشابك تاريخ الأسر المالكة مع قصص أخرى عديدة. تمتلئ حكاية المواهب التي كرست مهاراتها في خدمة أصحاب الشهرة والسلطة والنفوذ، على غرار دار المجوهرات الراقية الباريسية "كارتييه"، بالأسماء الملكية. بتاريخها الذي يمتد على أكثر من 170 سنة تثبت كل منها حقيقة أسطورة الدار المتجذرة في الإبداع والبراعة الإنتاجية، صارت "كارتييه" اليوم أشهر علامة سلع نفيسة في العالم، وتلعب علاقتها الطويلة الأمد بالعائلات الملكية دورًا كبيرًا في ذلك.
أسس "لويس كارتييه" علامته عام 1847 للطبقة البرجوازية الباريسية وبلاط "نابليون" الثالث، ولاقت العلامة استحسانًا فوريًا من النبلاء الفرنسيين ولاحقًا من أرستقراطيي أوروبا. رافقت الدار أفراد العائلات المالكة في أهم اللحظات من احتفالات وحفلات ومحطات عائلية مهمة، وبنت نجاحها على سمعتها المرموقة التي أكسبتها في العام 1904 لقب "صائغ الملوك،وملك الصائغين" الذي أطلقه عليها الملك البريطاني "إدوارد" السابع.
ترسخت جاذبيتها العالمية تحديدًا مع افتتاح مقرها اللندني عام 1909 في 175 شارع "نيو بوند ستريت"، وعنوانها النيويوركي عام 1917 في 653 جادة "فيفث أفنيو".المتجران الجديدان منحا الدار بعدًا دوليًا نمّاه أحفاد المؤسس الثلاثة "بيير" و"لويس" و"جاك" منذ دخولهم الشركة. إضافة إلى زيادة إنتاج المجوهرات، أحد أهداف الأشقاء الثلاثة كان ابتكار ساعات المكتب وساعات اليد وتطوير آليات الساعات داخل مشغلهم الحرفي.التشابك بين المجوهرات والساعات جعل "كارتييه" مثالًا على التوافق المتواصل بين المجالين الفنيين والتقنيين. فكان على هذه الروائع التقنية أن تتماشى مع المتطلبات الزخرفية لتنسجم مع الأشكال الراقية التي كانت تظهر في تلك الفترة. هذه الحاجة الإبداعية التي رافقتها براعة حرفية ممتازة أثمرت في بدايات القرن العشرين نتائج جمالية مدهشة ما زال أثرها ملموسًا في المجموعات الحديثة.
بيد أن أحد أبرز الأوجه في حكاية الدار هو العلاقة التي ذكرناها مع العالم الملكي، وهي علاقة بدأت باكرًا في قصّة "كارتييه". عام 1859، صارت الامبراطورة "أوجيني" زبونة بوتيك "كارتييه"، ومعها بدأ تقليد اختيار الملوك والملكات والأباطرة لمجوهرات الدار ورسمهم لفصل مهم جدًا في تاريخها. دخل تاج "كارتييه" إلى كتيّب المجوهرات الملكية الاسبانية في عشرينيات القرن العشرين حين طلبته من الدار الملكة "فيكتوريا يوجينيا" التي كانت ترغب في وضع قطعة أنيقة وراقية. وابتكرت لها الدار الباريسية قطعة استثنائية بتصميم مركزي من البلاتين والماس الأبيض تعتليه لؤلؤة بيضاء كبيرة ومعها ثلاث لفات من الماس. وقد زينت هذه الجوهرة لاحقًا رأس "صوفيا" ملكة اسبانيا والدة "فيليب" السادس ملك اسبانيا الحالي.
في بداية القرن الماضي، تأثر تصميم مجوهرات "كارتييه" كثيرًا بالقواعد الأسلوبية التقليدية، مثل طراز إكليل "لويس" السادس عشر المؤلف من أشكال ورق الغار، والقلوب، والشرائط، والعائد إلى القرن الثامن عشر. لكن "كارتييه" انتقلت بعد فترة وجيزة من الأسلوب التقليدي القديم إلى مراحل استكشاف الشرق الأقصى والأدنى. ومن هذه الأفكار والدراسات الغريبة على الأسلوب الفرنسي التقليدي، أتت نزعة تمثيل الأشكال الحيوانية التي ما زالت تُعرف بها الدار حتى اليوم. تبلور شكل الرمز الحيواني الأشهر من "كارتييه" في تلك الحقبة، وهو النمر الأيقوني الذي زينت نقشته المعروفة ساعة نسائية مرصعة بالجزع والماس. وفي هذه الفترة التي تأثر فيها مبدعو الدار بالحضارات الشرقية، صممت "كارتييه" عام 1904 تاج "خديوي مصر"Khedive of Egypt الذي وضعته كل أميرات الدنمارك في أعراسهن. أحدث ظهور لهذا التاج المؤلف من زخرفات حلزونية من البلاتين والماس كان مع "ناتالي" أميرة زاين-فيتغنشتاين- برلبورغ. في العقد الأول من القرن العشرين، قرابة العام 1907، شوهدت "ماريا بونابارت" مع تاج بلاتيني وماسي من "كارتييه" تحتفظ فيه اليوم "متاحف قطر"؛ وإلى العام ذاته، يعود تاج "كارتييه" الأيقوني والمنقط باللؤلؤ والماس الدائري.
بالنسبة إلى تاج "هالو"Halo الشهير، فقد صنعته "كارتييه" عام 1936 واشتراه لاحقًا دوق يورك (الذي صار الملك "جورج" السادس) لزوجته (التي صارت أم الملكة) قبل ثلاثة أسابيع من تتويجهما. فيه 16 شكلًا زخرفيًامنفصلًا مع جزئين مركزيين تعلوهما ماسة أخاذة، ومجموع أحجاره 739 ماسة بقطع بريليانت و149 ماسة مستطيلية. كانت تضعه الأميرة الانجليزية "مارغريت" وتنسقه مع بروش الوردة من "كارتييه" المرصع في وسطه بماسة "ويليامسون" الوردية الأسطورية التي تعتبر من أجمل الماسات الوردية اللون في العالم. وقد تلقت الملكة "إليزابيث" الراحلة هذا التاج في عيدها ال18، وأعارته عام 2011 إلى "كاثرين" التي كانت وقتها دوقة كامبريدج فوضعته يوم زواجها من الأمير "ويليام".
ضمّت المجموعة الشخصية للملكة "إليزابيث" الثانية أيضًا تاج أم الملكة من "كارتييه" الذي تألف من ياقوت وزمرد وصفير؛ وزوج بروشاتعلى شكل نبتة العشقة من "كارتييه"؛ وأقراط "غريفيل" بتصميم الثريا، وأقراط "غريفيل" المتدلية التي تزينت بها الأميرة "ديانا" عام 1983 في زيارتها الرسمية إلى أستراليا. ومن بين أشهر مجوهرات "كارتييه" أيضًا، نذكر تلك التي وضعتها "واليس سيمسون" دوقة ويندسور، وتحديدًا سوار النمر الرائع بالأونيكس والماس، إضافة إلى بروش الفلامينغو المؤلف من جسم الطير المرصع بالماس وريشه المرصع بالزمرد والياقوت والصفير.
هناك قصة معروفة جدًا عن خاتمي الخطوبة من "كارتييه" اللذين قدّمهما "رينييه" الثالث أمير موناكو إلى عروسته المستقبلية، وهما محبس بالياقوت والماس، وخاتم بماسة زمردية القصة عيارها نحو 11 قيراط. قدّم الأول إلى "غريس كيلي" حين كانت تصور فيلم "أن تمسك لصًا" (1955) من إخراج "ألفريد هتشكوك"، وحصلت على الثاني خلال تصوير فيلم "مجتمع راق" (1956) للمخرج "تشارلز والترز". أخيرًا، لا يمكننا أن ننسى تاج "كارتييه" الذي كان أيضًا ملك "غريس كيلي" والمؤلف من ثلاث أوراق ماسية مع ياقوتة محدبة في الوسط، والقابل للتحويل إلى عقد أو إلى ثلاثة بروشات مختلفة.
من قصة "كارتييه"، يتضح لنا كيف أن من يصوغون المجوهرات ومن يتزينون بها يضيئون بعضهم بعضًا بنور يثبت وهجه على مر القرون.