مخاطر تهدد خصوبة الرجل وصحته الإنجابية
الدكتور أحمد سيف
دكتوراه أمراض الذكورة
مراكز الدكتور سمير عباس الطبية فرع جدة
ظهرت العديد من الأبحاث الطبية التي تظهر أن هناك انخفاضا تدريجيا في خصوبة الرجال، واعتمدت هذه الدراسات على مقارنة تحليل السائل المنوي للرجال المنجبين، من حيث عدد الحيامن، ومقارنتها بالنتائج القديمة المسجلة في الملفات الصحية منذ عشرات السنين، والتي أظهرت حدوث انخفاض واضح في أعداد الحيامن في السائل المنوي.
وحاولت هذه الدراسات تفسير هذه الظاهرة في ضوء تعرض الإنسان في الحياة العصرية لعوامل تهدد خصوبته، مثل العادات غير الصحية، مثل التدخين والكحول والمخدرات، أو نمط الحياة الحديث المملوء بالتوتر والضغوط، وحاولت تفسيرها بأسباب جينية، مثل حدوث حذف تدريجي لبعض الأجزاء، وتدعى Telomere من المادة الوراثية للبشر، وحاولت ربط هذه الظاهرة بحدوث انقراض لبعض فصائل الحيوانات النادرة. ولكن من المؤكد أن هناك أسبابا طبية مكتسبة قد تؤدي إلى حدوث العقم أو ضعف الخصوبة وتأخر الإنجاب عند الرجال، وهي أسباب قد تؤثر في بعض الرجال الذين سبق لهم الإنجاب بالفعل، أو لم يتزوجوا بعد.
الالتهابات الجنسية: وهي أحد أكثر الأسباب شيوعا نتيجة الإصابة بأحد الأمراض الجنسية نتيجة لاتصال جنسي مع شخص مريض أو حامل لجرثومة أو فيروس، وازداد هذا النوع، وانتشر بسبب وسائل الانتقال والسفر، حيث أصبح من السهل السفر لإحدى المدن التي قد تكون بها الأمراض التناسلية شائعة.
ومن أهم هذه الأمراض مرض السيلان Gonorrhea، ومرض الزهري Syphilis، والإصابة بجراثيم كلاميديا Chlamydia، أو ميكوبلازما Mycoplasma، وبعض الأمراض الفيروسية، مثل الهربس Herpes Virus، ويزداد الأمر تعقيدا بظهور سلالات من هذه الجراثيم مقاومة للعلاج الدوائي والأنواع التقليدية من المضادات الحيوية.
وتحدث هذه المقاومة نتيجة عدم استمرار العلاج لفترة كافية، أو عدم استخدام الجرعة الملائمة.
وعادة فإن الإصابة بالالتهابات الجنسية تؤدي إلى وصول الجراثيم إلى غدة البروستاتا والحويصلات المنوية والجهاز التناسلي للرجل، ويبدأ بالتهاب حاد مع أعراض، مثل الإفرازات الصديدية، أو الحرقة مع التبول، أو نزول المني مع آلام في الجهاز التناسلي، وبعض الأعراض الأخرى، وقد يتحول إلى التهاب مزمن في مرحلة لاحقة، كما قد يغادر الميكروب البروستاتا، ويستمر في إفراز الصديد والسموم التي تخرج مع السائل المنوي، وهذا يؤدي إلى ضعف كفاءة السائل المنوي، بل وقد يقتل جميع الحيوانات المنوية.
وهناك احتمال لحدوث مضاعفات، مثل حدوث انسداد في القنوات المنوية، وظهور الأجسام المضادة بكثرة في السائل المنوي، وقد تنتقل العدوى إلى الزوجة، بما يؤدي إلى حدوث مشكلات لديها في الجهاز التناسلي، وإصابة قناة فالوب والمبيض والرحم بآثار متعددة.
وعموما ينصح باللجوء المبكر إلى الفحص والعلاج، حيث إن الوقاية خير من العلاج، وينصح بالامتناع نهائيا عن الاتصالات الجنسية المشبوهة، وهناك العديد من التحاليل التي تظهر هذا التشخيص عند وجود شك في ذلك، كما أن هناك العديد من المضادات الحيوية الحديثة وبعض أنواع التطعيمات، مثل التي تستخدم ضد الفيروس الحليمي HPV.
الالتهابات غير الجنسية: وهي أنواع من الأمراض التي تؤثر في خصوبة الرجل، ويمكن تجنبها، وأشهرها النكاف Mumps، أو العديد من الأمراض الفيروسية والبكتيرية التي تؤدي بصفة عامة إلى حدوث الحمى، وتنتشر الجرثومة وتصل إلى الجهاز التناسلي عن طريق الدورة الدموية. وكلما كان عمر المريض أكبر، كانت فرصة حدوث العقم أكبر، وعموما لا بد من الراحة التامة أثناء حدوث المرض، مع أخذ العلاج الملائم، وعدم إغفال دور التطعيمات في الوقاية من العديد من هذه الأمراض.
دوالي الخصية: كان أول تقرير طبي حول تأثير دوالي الخصية في خصوبة الرجل في عام 1955م، حيث كان هناك رجل عمره 27 عاما، ويعاني من غياب الحيامن من السائل المنوي Azoospermia، ودوالي الخصيتين، وبعد إجراء جراحة لربط هذه الدوالي ظهرت الحيامن في السائل المنوي، وحدث حمل لزوجته في خلال 9 أشهر. ومنذ هذه الحالة صار هناك اهتمام بتشخيص وعلاج دوالي الخصية بين الرجال غير المنجبين. وقد أظهرت بعض الدراسات الطبية أن نسبة وجود الدوالي بين الرجال الطبيعيين تصل إلى نحو 20 بالمئة، وترتفع هذه النسبة لتصل إلى 40 بالمئة بين الرجال غير المنجبين، وتصل هذه النسبة إلى 80 بالمئة بين الرجال الذين يعانون من العقم الثانوي، أو الذين سبق لهم الإنجاب ثم لم يعودوا مخصبين. وعموما فإن دوالي الخصية تمثل أحد الأسباب الرئيسة لعقم الرجال، ولحسن الحظ فإنها أكثر أسباب العقم استجابة للعلاج.
ووجود الدوالي يعني حدوث تمدد في الأوردة المحيطة بالخصية، وهو ما ينتج عند العديد من المؤثرات التي تؤدي إلى حدوث كسل في نشاط الخصية للعديد من الأسباب أهمها:
-ارتفاع درجة حرارة الخصية، حيث إن درجة حرارة الجسم الطبيعي هي 37 درجة مئوية، بينما درجة حرارة الخصية في الطبيعي في حدود 34 درجة مئوية، وهذا الفارق مهم لتكاثر الخلايا ونضجها داخل الخصية، والتي تتأثر بصورة سلبية عند ارتفاع درجة حرارة الجسم، مثل حدوث الحمى أو استخدام الساونا والجاكوزي.
-ارتفاع نسبة مخلفات التمثيل الغذائي في الدورة الدموية بالخصية، وهو ما يؤدي إلى خلل في وظائفها الحيوية، ويحدث معها ارتفاع في نسبة المواد المؤكسدة، وهي مضرة بعملية نمو ونضج وتكاثر الحيامن.
أنواع الدوالي وطرق التشخيص: عموما هناك أربعة أنواع من دوالي الخصية:
الأول: "الدوالي تحت المستوى الإكلينيكي"، وهي لا تكتشف سوى عن طريق الفحص بالموجات فوق الصوتية.
الثاني: "الدوالي البسيطة من الدرجة الأولى"، ويمكن تشخيصها بالفحص الإكلينيكي.
الثالث: "الدوالي المتوسطة من الدرجة الثانية"، ويمكن بسهولة تشخيصها بالفحص اليدوي.
الرابع: "الدوالي كبيرة من الدرجة الثالثة"، وهي أكبر نوع وترى بسهولة من خلال جلد كيس الصفن.
وعموما يعتمد التشخيص على خبرة الطبيب وكفاءته، ولكن بوجود وتوافر الأجهزة الحديثة للتصوير بالموجات فوق الصوتية والدوبلر أصبح من السهولة تشخيص وجود الدوالي، وتحديد نسبتها ودرجتها في الخصيتين.
ولكن السؤال المهم هو هل مجرد وجود دوالي الخصية هو سبب كاف لإجراء جراحة لربط الدوالي أم لا؟
أو بصورة أخرى معرفة من هو المريض الذي سيستفيد من إجراء جراحة لربط دوالي الخصية.
هناك مؤشرات مهمة تظهر للطبيب المعالج أن المريض سيستفيد من الجراحة، وهذه المؤشرات هي:
أولا: حجم دوالي الخصية، فكلما كانت كبيرة الحجم، كان تأثيرها أكبر في نشاط الخصية، ومن ثم فإن الفائدة من إجراء الجراحة تكون أفضل، وإذا كانت على الجهتين، فإن النتائج تكون أفضل مع الجراحة.
ثانيا: حجم الخصية، فإن الفرص تكون أفضل إذا كان حجم الخصية طبيعيا، أما إذا كانت صغيرة أو ضامرة، فإن الفرصة تكون أقل.
ثالثا: مستوى الهرمونات خاصة هرمون FSH، حيث أظهرت العديد من الدراسات أن الفرصة أفضل لحدوث تحسن في نشاط الخصية مع الرجال ذوي المستوى الطبيعي لهذا الهرمون.
رابعا: تحليل السائل المنوي يظهر أن فرص التحسن بالنسبة للرجال ذوي نسبة حيامن متحركة أكثر من 5 ملايين / مل تكون أفضل بعد الجراحة، بل وإمكانية حدوث الحمل خاصة إذا كانت مصحوبة بنسبة حركة أكثر من 60 بالمئة.
خامسا: بعض الاختبارات الطبية البسيطة، مثل اختبار تنشيط الخصية باستخدام Gn Gh Test.
سادسا: الحالة الصحية للزوجة وخصوبتها، ومدى إمكانية حدوث الحمل بصورة طبيعية.
طرق العلاج: تعتمد الطريقة المثالية للعلاج على إجراء جراحة لربط دوالي الخصية، وهي جراحة بسيطة من جراحات اليوم الواحد. وتعتمد التقنيات الطبية الحديثة على استخدام الميكروسكوب الجراحي في هذه العملية. حيث يتم عمل شق صغير في جانب المريض تحت القناة الأربية، واستخراج الدوالي، وربطها بمساعدة الميكروسكوب الجراحي، وأهم خطوة هي المحافظة على الشرايين الموجودة بالحبل المنوي، وتجنب ربطها مع ربط الأوردة المتمددة فقط، والمحافظة على الأوعية الليمفاوية، بما يؤدي إلى ارتفاع نسبة النجاح، مع تجنب حدوث مضاعفات بعد الجراحة.
وتعتبر جراحة ربط الدوالي جراحة علاجية الهدف منها حدوث تحسن في نشاط الخصية، بما يتبعه من تحسن في جودة السائل المنوي.
وعادة يبدأ التحسن بعد مرور 3 أشهر، ويصل إلى أفضل صورة في فترة زمنية بين 6-12 شهرا، ويحدث عادة تحسن في جودة السائل المنوي بنسبة تصل إلى 60-80 بالمئة، وهناك احتمال بحدوث حمل بصورة طبيعية بنسبة تصل إلى 40-50 بالمئة، خاصة إذا كانت الزوجة سليمة، وعموما هناك أسباب عديدة لربط دوالي الخصية، وهي:
1- الرجال الذين يعانون من العقم، ويظهر تحليل السائل المنوي وجود نقص في العدد أو الحيوية أو زيادة في نسبة التشوهات.
2-وجود آلام مبرحة في الخصية لدى بعض الرجال الذين يعانون من وجود الدوالي، وتتطلب منهم مهنتهم الوقوف لفترات طويلة.
3-وجود دوال كبيرة تؤثر في حجم الخصية، مقارنة بالخصية السليمة عند الرجال غير المتزوجين.
4-بعض الرجال الذين يعانون من غياب الحيامن من السائل المنوي Azoospermia، خاصة في وجود دوال من الدرجة الثالثة، مع عدم وجود ضمور في الخصية، ووجود نسبة طبيعية من هرمون FSH.