"هي" تحاور هند العوضي أول بحرينية تقتحم عالم الطيران
إعداد: سڤانا البدري" Savanah Al Badri "
هند العوضي امرأة قيادية كسرت كل القواعد الكلاسيكية، راودها حلم الطيران منذ الصغر، ونسجت الأحلام وتمسكت بها. كان الفضاء حلمها الأكبر، وشعرت بأن عالم الطيران هو الأقرب إلى عالم الفضاء، فسعت لتترجم هذا الحلم إلى واقع.. ثابرت، وأصرت، ولَم تستسلم للعقبات، فالإحباط لا وجود له في قاموسها. وهي من أوائل المهندسات البحرينيات اللواتي اقتحمن عالم الطيران، ومن الرعيل الأول لمهندسي الطائرات في دول مجلس التعاون الخليجي والأصغر سنا، ومن أوائل النساء الحاصلات على رخصة الهندسة الدولية للطيران ضمن دفعتها.
تحمل هند العوضي اليوم لقب "مفتش صلاحية الطيران المدني الأول في البحرين". وهي أيضا إلى جانب تخصصها في هندسة الطيران مؤثرة فعالة على منصات التواصل الاجتماعي التي تقول عنها إنها منصة لإلهام النساء حول العالم وإيصال رسالتها وتجربتها الشخصية.
لا تؤمن هند بالمساواة بين الرجل والمرأة، بل تؤمن بأن كلا منهما يكمل الآخر في مسيرة الحياة، وتصف الرجل بالداعم الأكبر للمرأة.
مجلة "هي" التقتها لتحدثنا عن حلم الطفولة الذي أصبح واقعا ملموسا وعن التحديات التي صقلت شخصية هند العوضي، والأهم رسالتها للمرأة العربية والخليجية والبحرينية بشكل خاص.
أخبرينا عن تخصصك في علم هندسة الطيران؟
عالم الطيران، عالم فريد من نوعه، وكذلك هو بالنسبة لنا. أشعر مع زملائي الذين يشاطرونني الشعور، بأننا نحاكي عالما مختلفا عن عالم البشر أو الذين يعملون خارج المجال. لا حدود للوقت في عالم هندسة الطيران، فنحن لا نملك الوقت بل الوقت يملكنا.
ما أهم متطلبات الالتحاق بمجال هندسة الطيران؟
الحب والشغف هما الأساس، الطيران مجال صعب جدا بجميع تخصصاته، نظرا لمتطلبات العمل الكثيرة، والتي منها ساعات العمل الطويلة، وتضحيات لا حصر لها يقدمها العاملون في مجالات الطيران على حساب حياتهم الاجتماعية. الاستعداد في هذه المهمة غير مكتسب، ولا بد أن يكون نابعا من الشخص نفسه، وأن يكون الشخص متسلحا بالحب والشغف للمهنة، وأهلا لتحمل مسؤولية أرواح الناس واتخاذ قرارات صائبة ومدروسة للاستمرار في المجال.
ما الذي جذبك إلى هذا العالم المبهم المليء بالغموض؟
الفضول هو من قادني إلى هذا العالم، والفضاء كان الحلم الأكبر. وقد شعرت بأن عالم الطيران هو الأقرب لعالم الفضاء، وخصوصا أن عالم الفضاء لم يكن من المجالات المتاحة، ولم يكن من السهل لأي شخص دخول هذا العالم قبل عشرين عاما في الوطن العربي. وعزز حبي وشغفي الكبير بالسفر من انخراطي في مجال الطيران، بل كان بكل بصراحة الدافع الأول والأخير أن أختار مجالا ملازما للسفر.
هل راودك حلم ريادة الفضاء منذ الطفولة؟
نعم، حبي وعشقي للفضاء كان منذ الصغر، كنت أهمس لنفسي: يوما ما ستحلقين في الفضاء عاليا، وتكسرين كل القيود الكلاسيكية التي فرضها مجتمعنا قبل الانفتاح، حيث كان هذا الدور حصرا على الرجال في الوطن العربي والعالم. وهذا بحد ذاته كان دافعا ليتحول فضولي الى إصرار على خوض هذه التجربة، وكانت هذه الشرارة الأولى في رحلة الشغف.
هندسة الطيران من التخصصات غير المطروحة للنساء؟ كيف كسرتِ هذا الحاجز؟
الفكر السائد المتعارف عليه في عالم الطيران وهندسة الطيران على الأخص، أنها مهنة مرتبطة بالرجل، وظلت كذلك لسنوات طويلة.
كنت من أوائل الفتيات اللواتي كسرن القاعدة، ودخلن هذا العالم في مملكة البحرين، إذ كان الاعتقاد السائد آنذاك أن المرأة غير مؤهلة لهذه المواقع القيادية، وأن وجودها أمر مؤقت ينتهي بحصولها على الرخصة الدولية. لكن الأمر اختلف معي، فأنا لم أخض التجربة لأكسر الحواجز، بل إن فضولي وحب الاستكشاف كانا سلاحي في هذا المجال، ودليل استقراري وتبوئي مناصب متقدمة.
اليوم اختلف الأمر، فأصبح لدينا عدد كبير من النساء في مجال الطيران في البحرين، ويسعدني جدا أن أرى المرأة تدخل هذا المجال، وتطور نفسها، وتخوض تجارب جديدة.
كيف تعاملتِ مع هذه المهنة المحفوفة بالتحديات؟
ثمة مواقف شكلت علامة فارقة في حياتي المهنية والاجتماعية، وكانت نقطة التحول الجذري الكبرى في حياتي، إذ عبّدت الطريق، وعلمتني معنى الإصرار والتصميم على الموقف، وتحمّل مسؤولية اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ومن هذه المواقف، حكاية تعود إلى بداية عملي وفور حصولي على الرخصة الدولية، في إحدى الطائرات التي كانت تحت مسؤوليتي، استُثنيت من التعامل المباشر.
مع قائد الطائرة وحل العطل الفني للطائرة، لكوني امرأة، وعوضا عن ذلك طلبوا الاستعانة بمهندس طائرة ليكون بديلا عني، لكن إصراري على موقفي، وتحمّلي مسؤولية مهمتي بصفتي مهندسة طيران، ومعرفة حقوقي وواجباتي، كل ذلك كان كفيلا بحل المشكلة، وتعزيز موقفي المهني، وتصحيح النظرة المغلوطة عن المرأة العاملة في مجال الطيران، ذلك الفارق شكّل نقلة في شخصيتي، وساعدني هذا الموقف في التعامل مع الكثير من المواقف بعدها.
هل أسهمتِ الأسرة ونشأتك في حبك لمجال الطيران، وعززت نجاحك؟
كان للأهل والتربية الدور الأكبر في حياتي، وخصوصا جدتي، رحمة الله عليها، وهي من مؤسسي جمعية "نهضة فتاة البحرين" ، وكذلك والدتي، حفظها الله، كانت تسلحني بمقولتها "طموحك هو سلاحك، بإمكانك الوصول إلى أي مكان تتمنينه بعلمك واجتهادك". وأسهمت تربيتي في تكوين بصمتي الخاصة، التي صنعتها في مجال هندسة الطيران.
ما دور الرجل في حياة هند العوضي؟ وهل أنت مؤمنة بفكرة المساواة بين المرأة والرجل؟
أنا ضد المساواة، الله، سبحانه وتعالى، خلقنا رجلا وامرأة، لأننا مختلفان، ومعا نكمل بعضنا البعض في كل مجالات الحياة.
فالجهود المشتركة هي ما أسعى إليه. نحن النساء نصف المجتمع، والنصف الآخر هم الرجال. الرجل هو الأب والأخ والزوج والزميل والصديق والمدرس، وبالنسبة لي العنصر الرجالي كان حاضرا وملازما لي منذ طفولتي، فقد تربيت مع إخوتي وأبناء عمي، وكنا نتلقى المعاملة نفسها دون تفرقة. هذه التربية أسهمت في صقل شخصيتي منذ الصغر، وانعكست خلال دراستي الجامعية والمهنية، وجدت الصديق والزميل سندا لي في الدراسة والعمل. زملائي من المدربين والمسؤولين في العمل هم أول الداعمين لي لتخطي كل الصعوبات، فأنا أقرب إلى عالم الرجال.
كرمت في يوم المرأة البحرينية عام 2017 لجهودك في القطاع الهندسي، حدثينا عن ذلك؟
هذا التكريم هو الأقرب إلى قلبي، لأنه منسمو الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة عاهل مملكة البحرين، ولأنه أثبت الاهتمام الكبير الذي توليه مملكة البحرين للعنصر النسائي وفي جميع التخصصات. فجاء التكريم بمنزلة شكر للسنوات الخمس عشرة، وللجهود التي بذلتها في قطاع هندسة الطيران.
وهو تذكير شخصي لي بعدم الاستسلام في المطبات، فكل الجهود التي نبذلها هي جهود محسوسة ومحل تقدير، وهو ما يدفعنا دائما للسعي والتقدم وتقديم أفضل ما لدينا.
مثلّتِ بلدك بصفتك سفيرة للبحرين في برنامج رواد الفضاء على قناة BBC ،ما انطباعك عن هذه التجربة؟
اختياري ومشاركتي في برنامج رواد الفضاء، هو تجربة كاملة يخوضها رائد الفضاء.
استحضرت فيها طفولتي وشغفي لعالم الفضاء، وقد أعطتني هذه التجربة دفعة معنوية كبيرة، وأكدت لي أن الأحلام قد تتأجل قليلا، لكنها تتحقق بالمثابرة والاجتهاد.
كيف تجدين رؤية مملكة البحرين 2030 ؟
رؤية 2030 أعطت الأمل للجيل الواعد والطموح من الشباب والشابات لتحقيق أهدافهم. وأثبتت أن لا وجود للمستحيل، ولا سقف للطموحات، وسيكون لكل شاب وشابة دور وجزء لا يتجزأ من أهداف الرؤية المستقبلية لمملكة البحرين.
ما رسالتك للمرأة البحرينية والخليجية وللمجتمع؟
لكل امرأة بحرينية أو خليجية أو عربية أقول: بإمكانك تحقيق كل أحلامك، الخطوات الأولى صعبة والعقبات أصعب، لكن بالاجتهاد والعلم والعزيمة ستحققين كل أحلامك بإذن الله.
تجرأتِ على نفسكِ وعلى المجتمع والتقاليد، كيف صقلت التجارب شخصية هند العوضي؟
كنت في صراع نفسي بين حبي لمجال الطيران وبين المجتمع والتقاليد. لا أخفي أن الفضول قادني للجرأة. أنا إنسانة عنيدة منذ الصغر، ولا توجد كلمة "مستحيل" في قاموسي اللغوي والعقلي. التجارب وحدها زادت من قوتي وثقتي بنفسي، حتى بلغت مرحلة النضوج العقلي لأضع حدا لكلام المحبطين، فأنا أعرف قدراتي وإمكاناتي.
ماذا يعني دخولك عالم السوشيال ميديا؟
عالم السوشيال عالم جميل، كان سباقا في اختياري.. تعمقت به، وفتح لي أبوابا كثيرة، أهمها إلهام النساء حول العالم وإيصال رسالتي وتجربتي الشخصية "أن المرأة تستطيع أن تحقق ما تطمح إليه".
كما أن المسؤولية كبيرة على منصات السوشيال ميديا، وأجمل ما فيها إلغاء الحدود الجغرافية، والتفاعل وتبادل وجهات النظر، حتى أصبحت عائلتي الكبيرة، نشجع بعضنا البعض، وهذا أجمل ما تتسم به هذه المنصة. ومن الضروري التحلي بالذكاء الاجتماعي، حتى تستطيعي أن تديري دفة الأمور متى تتكلمين، ومتى تصمتين، ومتى تدخلين في صراعات، ومتى تنسحبين، فالانسحاب جميل في كثير من الأحيان.
هل من موقف غيّر حياتك للأفضل؟
حصولي على الرخصة الدولية، شكّل نقلة نوعية في حياتي، خصوصا أنني كنت الأولى.
وأكد لي أنني أستطيع ولا حدود للأحلام. ثم يأتي الارتباط والزواج نقلة أخرى مهمة جدا في حياتي، خصوصا بعد أن كنت شبه مقتنعة بصعوبة هذه الخطوة، نظرا لطبيعة العمل والالتزامات في هذا المجال، وهو ما جعلني أختار الحياة العملية على الحياة الاجتماعية أو الزوجية. لكن الارتباط غيّر مفهومي بشكلٍ كبير، ووجدت في زوجي الرجل الداعم والمشجع والناقد الأول لي. هذا المزيج جعلني اليوم أفضل بكثير، سواء في الحياة المهنية أو الاجتماعية، بل وحتى على السوشيال ميديا. فهو يتمنى لي الأفضل لي، بل هو مرآتي، وأنا سعيدة ومحظوظة بشريك يدعم ويفهم هدفي ونظرتي للأمور.
بين فضاء الطيران والأزياء أين تجدين نفسك أكثر؟
أحب الاثنين، وأجد نفسي فيهما، أنا إنسانة متعددة الشغف، والمجالان
يكملان بعضهما البعض.
ما الحكمة التي تؤمنين بها؟
"حياتك خيارك فأحسن اختيارك". أعتقد أن حياتنا هي مجموعة من الخيارات، وكل خيار يؤثر في استمرارنا والوصول لأهدافنا وأحلامنا.