محاور المشاهير عدنان الكاتب يحاور عارضة الأزياء السعودية صوفي الشهري
حوار: عدنان الكاتب Adnan AlKateb
عارضة الأزياء السعودية صوفي الشهري Sophie Alshehry هي أحد أقوى الأصوات التي تتحدث بطموحها وثباتها عن أهمية التمثيل الشامل في عالم الموضة، وفي مسارها المهني الذي حملها نحو العالمية، حرصت على بناء منبر لكل صوت شعر بما شعرت به في طفولتها، ولكل موهبة ترددت في التعبير عن ذاتها. متمسكة بحلم الطفولة، ومتسلحة بعزيمة وقوة مغروستين في شخصيتها، تألقت بجمالها الطبيعي على خشبة عرض أسبوع الموضة في نيويورك. وفي العدد الماضي من "هي"، مثلت صوفي الشهري في جلسة تصوير خاصة بدار "غوتشي"، جيلا جديدا من عارضات الأزياء اللواتي يزينّ مشهد الموضة بلوحة من ألف لون ولون. تحدثنا إلى الشابة بعد التصوير، لنكتشف المزيد عن رحلتها في عرض الأزياء، وأهدافها المهنية، ونظرتها إلى الشمولية والتنوع اليوم في هذه المهنة، وتمثيلها لبلدها الذي تفتخر به وتعتز بإرثه.
أخبرينا المزيد عنك. أين ولدت ونشأت؟
ولدت وترعرعت في بيئة متعددة الثقافات في الظهران بالمملكة العربية السعودية، لأمي الأمريكية من أصل أوروبي، وأبي السعودي-الأردني. وقد انتقلت مع عائلتي إلى الولايات المتحدة، حيث أقيم منذ ذلك الحين.
ما الذي دفعك وشجعك على دخول عالم عرض الأزياء؟ وكيف اخترت هذا المسار المهني؟
الواقع أن هذا المسار المهني هو الذي اختارني، فقد ولد شغفي بعرض الأزياء حين كنت في سن الحادية عشرة تقريبا. عانيت كثيرا بسبب انتمائي العرقي المختلط، وتعرضت للتنمر بسبب مظهري. لم تظهر وسائل الإعلام في ذلك الوقت أي شخص يشبهني أو لديه بشرة داكنة. عندها أدركت أنني بحاجة إلى أن أكون أول من يمثل جزءا آخر من العالم، وفهمت أن مهمتي على هذه الأرض كانت فعل شيء كبير وتمهيد الطريق ليس فقط لنفسي، ولكن لأي شخص آخر شعر بما شعرت به. أريد أن يدرك الناس أنه مهما كانت العقبات التي توضع أمامهم، فإن المثابرة للتغلب عليها هو ما يميز امرأ عن سواه. وأنوي استخدام منبر عرض الأزياء لتذكير الآخرين بأن معاناتنا واختلافاتنا هي ما يجعلنا ما نحن عليه حاليا، لكنها لا تحدد من سنكون في المستقبل. وواجهت رحلتي في الحياة عقبات وصعابا، لكن يمكن ربط كل محنة بشيء مفيد، حتى عندما قيل لي إنني لا أستطيع أن أنجح يوما في عرض الأزياء. هذه التجارب هي التي جعلتني ما أنا عليه اليوم، ولن أغير شيئا واحدا في حياتي حتى لو استطعت. لقد أصبحت أقوى، ومن خلال هذه القوة أريد أن يعرف الآخرون أنهم ليسوا وحدهم، وأن بمقدورهم أن يصبحوا من يريدون أن يكونوا.
تصدرتِ العناوين عندما سرت على خشبة العرض في أسبوع الموضة في نيويورك. هل يمكنك إخبارنا المزيد عن تلك التجربة؟ وكيف استعددت لها؟
في هذه المهنة، قد تتغير المواعيد في اللحظة الأخيرة حسب الموقع أو الطقس أو مؤخرا التدابير الصحية. ويمكن لحدث ما أن يحمل الكثير من المفاجآت! لذلك يجب أن أكون جاهزة للعمل في أي ظرف يطرأ في العرض أو جلسة التصوير أو أي مشروع آخر. لقد تعلمت أنه إضافة إلى التحضير، تسمح القدرة على التكيف مع أي عقبة بتبني مقاربة إيجابية ومنفتحة في كل موقف. على الرغم من أن هذا قد يكون مرهقا للغاية، فإنني أستخدم هذه الطاقة لتعزيز الحماس في نفسي. في النهاية أقول إن عملي يملؤني بالبهجة، وكل يوم يأتي بمغامرة جديدة.
أود أن أقول إن هناك بعض الأمور التي تدور في رأسي قبل أن أتخذ خطوتي الأولى. بعد تجربتي في عالم الرياضة وعملي في التشجيع المحترف لمدة ثماني سنوات، أعرف ما يشعر به المرء تحت الضغط، وأن يقدّم أداءه على الرغم من ذلك. هذا ينطبق على عرض الأزياء لجهة الضغط والأداء، لذا تعلمت الحفاظ على طاقتي بطريقة هادئة ولكن متحمسة في آن واحد. غير أن الأفكار التي تدور في ذهني منظمة ومنهجية: أتأمل فيما مررت به وفعلته للوصول إلى هذه النقطة، وأفكر في الجهد الذي بذلته وسأواصل بذله لأكون قدوة لغيري. وأذكّر نفسي بالناس الذين أسير على منصة العرض من أجلهم، وبأن أكون قوية في كل خطوة أخطوها.
كيف كانت تجربة التصوير مع مجلتنا ودار "غوتشي"؟
خيالية! كنت محاطة بفريق من الأشخاص الذين جسّدوا مُثُل الأناقة الكلاسيكية، وجرى التصوير في موقع شبه سريالي وشاعري، وأتيحت لي فرصة تجسيد التنوع الحقيقي أثناء التصوير لهذه العلامة الأيقونية... الحقيقة أن هذا أمر لا يحدث دائما! العمل مع أشخاص إيجابيين ولطيفين أشبه بنسمة من الهواء النقيّ. وهذه الطاقة المنعشة تقودني دائما إلى جلستي التصويرية التالية؛ والتعاون مع المواهب التي ترغب في تخيل جوهر هوية العلامة ورؤيتها للمستقبل يولّد دورة نمو شاملة ويحفز المزيد من الطاقة.
ما أكبر أهدافك أو أحلامك المهنية؟
هناك الكثير مما أحلم به في هذه المهنة، ومن الصعب وصفه بكلمات. أسعى إلى وضع رؤية تبعث على الأمل لأشخاص مثلي، وإلى أن أصير نموذجا يحتذى به، وملهمة، وأيقونة... على أمل أن يتفهم الناس بعد سنوات من الآن مساعيّ الحثيثة لتعزيز وضع الجيل الجديد ومنحه صوتا. أعمل على أن أكون أول عارضة أزياء سعودية ومختلطة الأصول تشتهر على صعيد العالم بتغيير النظرة في هذه المهنة. أعتقد حقا أن لدي مهمة تحمّلني مسؤولية المساهمة في تغيير الصورة.
آمل بأن أكون بمنزلة تذكير للجميع أنه بغض النظر عما تمر به أو ستمر به في الحياة، لا شيء يمكن أن يعيقك. وأريد أن أكون حاضرة في وسائل الإعلام في الشرق الأوسط، وأن أساعد العديد من المبدعين في الظهور والنجاح. الدافع الرئيس بالنسبة إليّ هو العمل بنهج يسلط الضوء على خلفيتي الثقافية المتنوعة؛ وأتمنى أن يكون لدي دور في إزالة وصمة العار المحيطة بالصحة النفسية. أشعر حقا بأنني موجودة في مرحلة مهمة في التاريخ، ووسط العديد من دور الأزياء المذهلة، حيث سيكون هناك مجال كبير للتحول الحقيقي.
أصبح قطاع الموضة في الآونة الأخيرة أكثر تنوعا وشمولية، الأمر الذي نلاحظه في عروض الأزياء والحملات الإعلانية وصفحات المجلات العالمية. هل تعتقدين أنه ما زال أمام قطاع الأزياء شوط كبير ليجتازه في هذا المجال؟
هناك دائما مجال للتحسن والتقدم. والدتي فنانة ومدرسة فنون، وقد فهمت منذ سن صغيرة أن الجمال يأتي في أشكال وأحجام مختلفة. كما أن السكن في مناطق مختلفة من العالم فتح عينيّ على الاختلافات في الجمال. فالجمال ليس عنصرا جامدا واحدا، بل هو أشبه بمشكال يحتضن طيفا من الأجزاء المتنوعة، ويتألف من فسيفساء من القطع المختلفة. وهذا الوجه الحقيقي المعقد هو ما جعل مفهوم الجمال موضوع نقاش أساسيا في السنوات الأخيرة. في عالمي عرض الأزياء والإعلام، كان الجمال يترجم إلى مظهر واحد محدد، لكن هذا المظهر اليوم يتغير ويتحول ويتوسع. وإن تميزنا يكمن في رقي وتوسيع آفاقنا والاحتفاء باختلافاتنا.
تحقق عارضات الأزياء العربيات نجاحا نجوميا على منصات العرض العالمية. ما شعورك حيال تمثيل السعودية على المستوى العالمي؟
حين تكون أول من يمثل بلدك، وخصوصا حين تمثله بطريقة مختلفة وجديدة، لا مفر من مواجهة العقبات. لذلك، عليك أن تبذل جهدا أكبر، لأنك تحمل على عاتقك تمهيد الطريق أمام الأجيال التي ستأتي في الغد. قد يكون هذا التحدي مرهقا، لكنه في الوقت نفسه مثمر ومُرضٍ، ويملؤني بالكثير من الامتنان.
أتمنى لو كان بإمكاني أن أتحدث إلى ذاتي حين كنت فتاة صغيرة تجد صعوبة في تقبل شكلها بسبب غياب التمثيل، حتى أطلب منها ألا تخاف، لأنها ستصبح لاحقا ذلك التمثيل للكثير من الناس. من المشوق أن نحمل ثقافتنا إلى المنصات الإعلامية العالمية، لأننا بذلك نستطيع أن نسلط الضوء على تاريخ غني وتقاليد جوهرية موجودة في كل أرجاء العالم. ففي رحلاتي حول العالم، ألتقي بالكثير من الأشخاص الذين يعاملونني وكأنني جزء من عائلاتهم، بسبب القواسم الثقافية المشتركة التي تجمعنا.
في الوقت الحالي، تشهد دول عربية عديدة تغييرا كبيرا، من الأعمال إلى الحكومات والتعليم والتكنولوجيا وغيرها، وأنا أفتخر جدا بتراثي وجذوري. وأقف شامخة اليوم، وأعتز بأن العالم يرى حقيقة المملكة العربية السعودية، وحقيقة هذا البلد الرائع والمتطور والمليء بالناس المثابرين والمجتهدين والملهمين.
ما أهم القيم التي اكتسبتها من إرثك السعودي فأسهمت في صياغة شخصيتك؟
والدي إنسان لامع، عمل بجد وثابر طوال حياته. أتى من قرية صغيرة وعاش حياة بسيطة. والدته لم تستطع الذهاب إلى المدرسة، ولتوقيع المستندات، كانت تختمها بإبهامها. قبل كل شيء، أصرّت جدّتي على تعليم كل أولادها، وحرصت على تخرجهم مع شهادات عالية. خلال طفولتنا، أتذكر كم كانت "تيتا" تفرح بسماع ما فعلناه وتعلمناه في الصف، والأهم أن بهجتها وأسئلتها المهتمة كانت احتفالا بتقدير هذه المرأة الرائعة للتحديث الذي شهده منزلها ونمط عيشها. الكلمة المفضلة لديها في اللغة الإنجليزية كانت "سكول” أي "مدرسة”، وبهذه الأفكار والرؤية، نجحت في إلهام أولادها وأحفادها وفي دفعهم نحو النجاح.
أطلقت مسيرتي المهنية خلال الجائحة، لأنني كنت مصممة على إنهاء دراستي الجامعية، والحصول على شهادتي أولا. وأعرف أن ذلك كان سيفرح جدتي كثيرا. أدرك أن عزيمتي ومثابرتي تنبعان من إرثي السعودي. وكل من يعرفني يعرف أن إصراري وكفاحي موجودان دائما، وهو ما أراه بدوري في كل المبدعين السعوديين الذين عملت معهم حتى الآن، وما يجعلني فخورة للغاية. كلنا رأينا الطريقة التي صوّرنا بها الإعلام الغربي على مدى عقود، وقد حصلنا أخيرا على فرصتنا للنهوض وقلب الصورة.