مديرة مؤسسة "فن" الشيخة جواهر بنت عبدالله القاسمي لـ"هي": عام 2019 يعِد بالكثير
الشارقة: سينتيا قطار Cynthia Kattar
تصوير: هيثم علي
من خلال شغفها بالفنون الجميلة، تمكنت الشيخة جواهر بنت عبدالله القاسمي من قيادة مؤسسة "فن"، المؤسسة الأولى من نوعها في إمارة الشارقة ودولة الإمارات العربية المتحدة، التي تعمل على تعزيز ودعم الأطفال والناشئة المبدعين في مجالات الفن الإعلامي والسينما، وحققت مع فريق عملها إنجازات سجلت للشارقة في هذا الصدد. معها كان هذا الحوار الشائق الذي أطلعتنا من خلاله على أبرز أهداف ومشاريع مؤسسة "فن".
في البداية أخبرينا عن دراستك ومسيرتك المهنية الحافلة بالنجاحات التيأوصلتك إلى منصب مديرة مؤسسة "فن" المتخصصة في الفن الإعلامي للأطفال الناشئة، ومديرة مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل؟
بعد تخرجي في جامعة الشارقة بشهادة البكالوريوس في اللغة الإنجليزية والأدب حصلت على ماجستير في الزواج والعلاج الأسري من جامعة سانت دييغو بالولايات المتحدة، وخضعت للكثير من الدورات التدريبية في عدد من الجهات الحكومية. بدأت تدريس اللغة الإنجليزية، وأدرت نادي اللغة الإنجليزية، وبدأ انشغالي بعالم الأطفال وانخراطي في الأنشطة الثقافية مع الطلبة كالقراءة والكتابة. وعملت أمينة مكتبة مدرسة الشارقة النموذجية للبنات، إلى أن توليت إدارة مؤسسة فن ومهرجان الشارقة السينمائي، تحت رعاية المكتب التنفيذي لسمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي. أنظر اليوم إلى هذه التجارب، وأقول: إنني تعلمت من الأطفال والطلبة الكثير، ولهم الفضل في إثراء خبرتي وتحفيزي على البحث والمعرفة لأقدم لهم من خلال المؤسسة أنشطة وفعاليات تلبي فضولهم في تعلم الفنون وامتلاك أدواتها.
أخبرينا عن أبرز إنجازات مؤسسة فن المتخصّصة في الفن الإعلامي للأطفال؟
أعتقد أن الإنجاز الأكبر هو أن نستمر في تقديم مساحة للأطفال الموهوبين في صناعة السينما، وأن نواصل مسيرتنا في تكريس ثقافة السينما في الإمارات والعالم العربي، لأننا معنيون ببناء جيل مثقف ومنتج لثقافته وقيمه وأحلامه بدل استهلاك كل ما يصله من إنتاجات من دون وعي نقدي لمضمونها ورسائلها. لقد استطعنا برعاية كريمة ومتابعة دائمة من قرينة صاحب السمو حاكم الشارقة، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي أن نطلق عاماً بعد عام ومنذ عام 2013 دورات ناجحة من مهرجان الشارقة
السينمائي الدولي للطفل، كما نعمل على مدار العام على تنظيم ورش فنية متنوعة ترتقي بالذائقة الفنية للطفل، وترسي أسس
الإبداع في مجالات الفنون البصرية التي تتطور بشكل سريع.
كيف تصفين واقع السينما المحلية والدولية الخاصة بالطفل؟
إن المطّلع على مسيرة السينما يلاحظ بلا شك بعض التغيير الذي قد يهدد صناعة السينما بوجه عام على مستوى العالم، وخاصة من حيث المحتوى، فعلى الرغم من التطور التقني الهائل الذي فتح المجال لإبداع أروع الأفلام، وما رافق ذلك من إنتاجات ضخمة تقارب الخيال، فإن الكثير من المختصين يشيرون إلى تراجع في المحتوى السينمائي، فالمواضيع التي تطرحها سينما اليوم يجب الوقوف عندها ودراسة تداعياتها على ثقافة الجيل، والكثير من المجتمعات في عدد من دول العالم أصبحت أكثر قلقا من ظاهرة الأفلام الصادمة في محتواها ورسائلها ومشاهدها. أما سينما الطفل، فتحتاج إلى مراعاة أكبر، لأن عقل الطفل حساس جدا، ولا يمكن التكهن بكيفية تعامله مع معلومة أو فكرة أو مشهد، فالاحتمالات مفتوحة، ويجب أن نحرص على ثلاثة أمور: الإشراف على ما يشاهده أطفالنا، ومساعدتهم على اختيار أفضل الأفلام، وتشجيعهم على التحدث عن الفيلم وبناء حسه النقدي.
أما الأهم في كل ذلك، فهو بذل مزيد من الجهود على الصعيدين المحلي والخليجي لتحفيز الإبداع لدى الأطفال وكل الموهوبين من مختلف الأعمار، وأخذ زمام المبادرة لصناعة سينما تحاكي عالم الطفل بصدق وإخلاص، وتحترم خصوصية هذا العالم، وتسهم في بناء جيل يمتلك حصانة ثقافية وعاطفية، ويعي انتماءه إلى قيم مجتمعه وعاداته وتقاليده.
ما أبرز النشاطات التي تحفّز على تطوير هذا القطاع؟
كل ما يرتبط بالفن بوجه عام يخدم السينما بشكل أو بآخر. التربية على الثقافة هي الأساس على أن تبدأ في سن مبكرة، فالذوق يُكتسب بالتربية، والمشاعر تُهذّب بالتربية، والتفاعل مع الآخرين يُصقل بالتربية، وإذا أردنا لأطفالنا أن يكونوا أفرادا اجتماعيين ومبدعين، فعلينا أن ننمي لديهم الحس الفني، ونربيهم على مسؤولية الفن ورسالته. من هنا نحرص في مؤسسة فن على تفعيل المبادرات والأنشطة التي تهذب ذائقة الطفل الفنية، وتضعه على تماس مباشر مع الأدوات والمواد التي تساعده في التعبير عن أفكاره وهواجسه وطموحاته. الورش والمخيمات الفنية التي تنظمها المؤسسة على مدار العام، تخدم هذا التوجه، وتؤسس لجيل متمكن من الأدوات الفنية، وقادر على تطوير مهاراته الإبداعية التي قد تفضي إلى استكشاف مواهبه في عالم صناعة السينما.
ما أبرز المعايير التي تأخذونها بعين الاعتبار للمشاركة في المهرجان؟
ما يهمنا بالدرجة الأولى هو عدم تعارض الأفلام مع مبادئ وقيم مجتمعنا وثقافة هويتنا، والمعيار الثاني هو جودة الفيلم الفنية من
حيث القصة والسيناريو والحوار والتصوير، فنحن نبحث عن أعمال ملهمة للأطفال، وتخدم توجهاتنا في بناء جيل مثقف وواعٍ فنيا.
ما أبرز التحديات التي تواجهينها في منصبك؟
أحيانا أشعر بأن حماستي لإنجاز كل المشاريع التي نخطط لها في المؤسسة تفوق قدراتنا الفعلية على تحقيق ذلك، فنحن في سباق مع الزمن، والأفكار التي تتسارع في أذهاننا لا تجد مكانها في سياق العمل اليومي الذي يستهلك الكثير من جهدنا. أتدرب يوميا على تأجيل بعض الأفكار والمشاريع وتحقيق التوازن بين ما نصبو إليه في المؤسسة وما يمكن تنفيذه ضمن جدول زمني محدد.
ما نصائحك للأمهات لتطوير مواهب أطفالهنّ وتحفيزهنّ على حب الفن والسينما؟
خلال مسيرتنا في مؤسسة فن استطعنا أن نبني علاقات وثيقة مع أولياء الأمور والأمهات بوجه خاص، لإيماننا بأن دورهم يدعم
مسيرتنا في استكشاف مواهب الأطفال وتشجيعهم على حب الفنون بكل أشكالها. وأنا بصفتي أُمّا أتعلم كل يوم كيف أرصد انشغالات وميول أطفالي لأوجههم في المسار الذي يخدم مواهبهم. أحيانا يقول لنا أطفالنا أمورا بسيطة في ظاهرها، أو يبدون ملاحظات قد نعتبرها بديهية، لكن إذا شجعناهم على بلورتها فقد يصلون إلى استنتاجات مدهشة. أما حب الفن والسينما، فهو لا ينمو إلا من خلال التعود على مشاهدة الأفلام وحضور المعارض الفنية والمشاركة في ورش إبداعية. على الفن بوجه عام أن يكون
جزءا من حياتنا مثل أي نشاط آخر نمارسه دائما.
لكني أود أن أطلب من كل أمّ وأب أن يبتعدا عن مقارنة طفلهما مع طفل آخر بذريعة تشجيعه على الإبداع أو تحريضه ليصبح فنانا، بل التقرب قدر الإمكان من طفلهما، والتعرف إلى مكامن القوة في شخصيته، والتنبه إلى ما يميل إليه من فنون من أجل مساعدته على تطوير أي مهارة أو موهبة لديه.
كيف تصفين أهمية القيمة الثقافية للسينما الخاصة بالأطفال؟ وما تأثيرها في الأطفال والأهل؟
علينا أن نبحث عن القيمة الثقافية في كل شيء، وخاصة مع التدفق الهائل والمتسارع للمعلومات والأخبار والصور بفعل العولمة وتقنياتها السريعة النمو. نحتاج بالفعل إلى وقفة للتأمل فيما نتلقاه كل يوم، وتأثير هذا الكم الهائل من المعلومات في ثقافة أطفالنا. أعتقد أن السينما قادرة اليوم على لعب دور مهم في تصحيح هذا المسار العشوائي للاتصال والتواصل، فنحن قادرون من خلال السينما على أن نحيي منظومة القيم الإنسانية، ونغربل الأفكار والمفاهيم الجديدة، ونعلم الجيل الجديد أساسيات الحوار والجدل النقدي الذي يفضي في نهاية المطاف إلى صقل الشخصية الواعية والمسؤولة. أذكر عندما أطلقنا الدورة الأولى من مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل، واجهنا بعض التحديات مع أمهات خفن على أطفالهن من تأثير السينما في نفسياتهم ونموهم،
انطلاقاً من أن بعض الأفلام التي اخترناها استعرضت حكايات إنسانية مؤلمة عن أطفال محرومين من أبسط حقوقهم،
أو يعانون من ظروف قاسية لم يعتد على رؤيتها أطفالنا.
وعلى الرغم من تفهمي لقلق الأمهات في ذلك الحين إلا أنني بذلت الكثير من الجهد لأشركهن في مساعينا الهادفة إلى توعية أطفالنا بقضايا غير مألوفة لهم، مثل الفقر والحرمان من البيت الآمن والأسرة الدافئة، فنحن نريد لأطفالنا أن يشعروا بقيمة ما يمتلكونه من أمان ودفء ورعاية من خلال مشاهدتهم لقصص أطفال من خارج بيئتهم.
ما مشاريعك ومشاريع مؤسسة فن المستقبلية؟
بعدما اختتمنا الدورة السادسة من مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للطفل، نستعد لبدء العمل على الدورة المقبلة لعام 2019 ، وأمامنا الكثير لنخطط له، وخاصة بعدما وجّه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة بإطلاق مسمى جديد للمهرجان: "مهرجان الشارقة السينمائي الدولي للأطفال والشباب".
عام 2019 يعِد بالكثير، وخاصة مع اختيار الشارقة عاصمة عالمية للكتاب، ومواصلة المساعي من الجهات المعنية كافة في تكريس الثقافة نمط حياة، وغرس حب الفنون في نفوس الأطفال، وتعزيز الوعي بحقوق الطفل لتبقى الشارقة مدينة صديقة للأطفال واليافعين.