رؤية نقدية ـ "خيال مآتة".. طموحات شابة وفيلم عجوز!
يظل الفيلم السينمائى عملاً فنياً مٌتفرداً بتفاصيله، وعملية تقييمه معزولة عن كواليس وظروف صناعته، ولا يوجد فيلم جيد لأن رسالته جيدة فقط، ولا تعيش الأفلام لأنها صادفت مشاكل ومعوقات أثناء تنفيذها، ولن يتذكر المتفرج من العمل السينمائى إلا اللمحات المُبدعة من عناصره..فيلم "خيال مآتة" يحمل اسم "أحمد حلمى"، مثله مثل أغلب أفلام السينما المصرية التى يتحمل أبطالها النجوم وحدهم نتيجة الفشل أو النجاح؛ ولهذا تأتى توقعات الجمهور ضاغطة على أعصاب النجم، ولو كان هذا الفيلم يأتى بعد عدد من الأفلام المتوسطة المستوى، فنياً وتجارياً؛ فالنتيجة ربما تكون مرتبكة ومشوشة.
تجربة "أحمد حلمى" الكوميدية جزء من تجربة مجموعة نجوم لمعوا فى بدايات الألفية الثالثة، منهم محمد سعد، ومحمد هنيدى، وكلاهما عانى حالة عُقم كوميدى خلال السنوات الأخيرة، وبدا أن "أحمد حلمى" بميله إلى تنويع موضوعاته، وميله لتقديم الكوميديا السوداء، قد نجا من فخ التهريج الذى وقع فيه رفاق جيله، وهو فى "خيال مآتة" يرتكز إلى هذا اللون القاتم من الكوميديا التى تتيح مساحة أكبر للدراما الإنسانية، ويعلو فيها تون الشجن على الإفيهات.
بداية مُبشرة للفيلم
يقدم كاتب الفيلم "عبد الرحيم كمال" فى بداية الفيلم قصة عن سرقة تدور أحداثها فى نهاية الستينيات، والهدف هو بروش ثمين تمتلكه "أم كلثوم"، وتقوم الخطة المُحكمة التى صممها "يكن ـ أحمد حلمى"، على سرقته قبل صعودها على المسرح لأداء وصلتها الغنائية..هذا المشهد يتضمن تفاصيل اشتراك البطل، وحبيبته، وشخص ثالث فى عملية السرقة، وهو يحمل كثير من مود باقى الفيلم؛ ففى الوقت الذى ستشعر كمتفرج بجاذبية ديكور وملابس وأجواء الستينيات، ستُصاب بصدمة من سذاجة حبكة تنفيذ عملية السرقة على الشاشة، وتبدأ الدراما فى التدهور حينما تظهر عصابة غامضة اسمها "الكيان" تعرض عضويتها على البطل، مقابل تنازله عن بروش "أم كلثوم"، ويوافق اللص الداهية، البخيل جداً، على هذا العرض ببساطة، لأسباب لا يعلمها إلا كاتب السيناريو..فى الزمن المعاصر يجد البطل العجوز نفسه مطالباً بحماية البروش الذى يعتز به من " الكيان"، الذى يرغب أعضاءه فى بيعه لأمير عربى.
كل ما يلى ذلك فى الفيلم يدخل تحت بند التلفيق السطحى، وهو أمر أثر كثيراً على المعانى التى رغب الفيلم فى التعبير عنها؛ مثل قيمة الحب، وأيضاً الندم والرغبة فى التكفير عن أخطاء الماضى.
كلما اتجه الفيلم إلى مناطق جادة تحمل معانى إنسانية نبيلة جاءت الرغبة فى إضفاء لمسات ضاحكة لينحرف الخيط الدرامى عن مساره، ويتوه وسط إفيهات "حلمى" الخاملة، ومع وصول الفيلم إلى نصفه الثانى يُصبح واضحاً أن دراما الفيلم المشوشة تاهت فى فوضى الكوميديا المتعثرة، والحبكة الساذجة.
شخصيات تائهة فى الدراما
فى الكوميديا تجوز بعض المبالغة وكسر المنطق من أجل خلق موقف كوميدى ساخر، ولكن الكثير من المبالغات والمنطق المكسور قد يفسد كل شىء؛ فلم يكن مستساغاً مثلاً أن نجد "آسيا ـ منة شلبى" تتحول من سكرتيرة تجيد الرسم والنحت، إلى خبيرة ماكياج وديكور وخدع ومؤثرات سينمائية ببراعة شخصية المخرج التى جسدها "إد هاريس" فى فيلم "The Truman Show""عرض ترومان"، وذلك فى مشهد إعادة أحداث الماضى لتنشيط ذاكرة "خليل ـ حسن حسنى"، الذى توقف به الزمن عند صباح يوم السرقة فى الستينيات.
شخصيات "الكيان" و"منة شلبى" على سبيل المثال تُعانى من خلل كبير فى رسم تفاصيلها وماضيها، ورغم أهميتها الدرامية إلا أنها لا تقول شيئاً هاماً، ولا تُفاجئنا بتويست درامى يبرر الأماكن المهمة التى تحتلها فى أحداث الفيلم.
طلة نجوم الماضى: "عبد الرحمن أبو زهرة"، و"رشوان توفيق"، و"إنعام سالوسة"، و"لطفى لبيب" كانت لطيفة، وكذلك "منة شلبى"، و"بيومى فؤاد"، و"خالد الصاوى"، وغيرهم، ولكن العجيب أن تخرج من الفيلم دون أن تتذكر مشهد خاص ومميز لأى منهم.
تفاصيل غائبة ونهاية مبتورة
لم أشعر بلمحات إخراج مميزة من المخرج الموهوب "خالد مرعى"، وكان إيقاع الفيلم بطيئاً وعجوزاً، حتى فى المشاهد الكوميدية، ومنها المشاهد المشتركة بين الجد والحفيد، وبدت نهاية الفيلم المفاجئة مبتورة.
هناك تفاصيل كانت أولى بالرعاية من إعادة أحداث يوم السرقة؛ مثل قصة حب البطل وحبيبته فى الستينيات، وأيضاً قصة حب حفيد البطل "زيزو" و"آسيا"، وهى لم تختلف كثيرا فى تفاصيلها عن أى مشاهد حب فى أفلام "أحمد حلمى".. شاب فقير ساخر يلقى إفيهات بغزارة، وفتاة تضحك على تلك الإفيهات، أو تشعر بالغيظ والاستفزاز.
"أحمد حلمى" ممثل ذكى وموهوب، ولديه رغبة دائمة فى تقديم كوميديا مختلفة، لكنه يعانى أزمة إعادة تدوير اختياراته، وهو يبدو مُقتنعاً أن ما يقدمه شىء جديد، و"خيال مآتة" يحمل طموحات كبيرة، لكنه ينضم لقائمة أعمال متواضعة سابقة، مثل "لف ودوران"، و"صُنع فى مصر"، و"على جثتى"، وعليه مراجعة نفسه بجدية، والإستعداد لفيلمه القادم الذى أتمنى أن يكون نقلة مختلفة فى مسيرته الفنية.