رؤية نقدية ـ "Rambo: Last Blood"..أين "رامبو" الذى نعرفه؟
حينما قام "سيلفستر ستالون" ببطولة فيلم "الدم الأول" First Blood عام 1982، كان فى أوج نجاحه كممثل أكشن؛ وقد انتهى وقتها من بطولة الجزء الثالث من سلسلة أفلامه الناجحة للغاية "روكى" Rocky، التى جلبت له ترشيحين للأوسكار، عن الكتابة والتمثيل، وبعد مشاهدته نسخة المونتاج النهائية من فيلم "الدم الأول" شعر بالإحباط والملل، ولم يعجبه الفيلم الذى بلغت مدة عرضه حوالى ثلاث ساعات ونصف الساعة، وظن أن عرضه ربما يقضى على مسيرته الفنية، وطلب شراء الفيلم من الشركة المنتجة؛ ليقوم بإتلافه بنفسه.
حدث هذا رغم أن "سيلفستر" قام بكتابة أغلب مشاهد السيناريو الذى تم تصويره، بعد أن رفض نسخ عديدة من سيناريو الفيلم، وفى النهاية حاول إقناع الشركة المنتجة بحذف أغلب مشاهده فى الفيلم، ومنح باقى الممثلين الفرصة لحكاية القصة، وتم رفض كل طلباته، بإستثناء طلب واحد وهو تقليص مدة الفيلم إلى حوالى ساعة ونصف الساعة، وهو ما حدث فعلاً، وتحول الفيلم بعد عرضه إلى واحد من أشهر أفلام الأكشن فى تاريخ هوليوود.
أسطورة "جون رامبو"
بدأت أسطورة شخصية الجندى "جون رامبو" من رواية كتبها "ديفيد موريل" عام 1972، وتحكى عن جندى من قوات النًخبة الأمريكية، يعود للولايات المتحدة، بعد حرب فييتنام، ويفشل فى العثور على عمل، ويحزن لوفاة زميله الجندى السابق، الذى لم يجد مالاً للعلاج، ووجد الإهمال والإزدراء من المجتمع، الذى كان يرى أن الجنود هم سبب هزيمة فييتنام، ويطرد الشريف "رامبو" من المدينة؛ فيقرر الانتقام من الجميع، ويتحول مسار غضبه وانتقامه إلى حالة من العنف الشديد.
اليوم وبعد 37 عاماً من الجزء الأول، نشاهد فى فيلم "الدم الأخير" Rambo: Last Blood حكاية أخرى من حكايات "رامبو"، ولكنها حكاية تبدو أشبه بمطاردات "ليام نيسون" لعصابات الرقيق الأبيض الرومانية فى فيلم "إختطاف" Taken، مع مزيج من خطط انتقام "جون ويك" John Wick الدموية، وعلى عكس الأجزاء السابقة تغيب الخلفية السياسية لمغامرات "رامبو" العنيفة؛ فنحن أمام قصة شخصية تقليدية عن رجل مًسالم يسعى للانتقام ممن أذوا أحد أفراد عائلته.
يطارد "رامبو" خاطفى فتاة رباها كابنته، وكانت الفتاة قد ذهبت إلى المكسيك وحدها، لتلتقى بوالدها الذى هجر أمها بعد انجابها، ويعاملها الأب بجفاء ويطردها، وقبل عودتها لأمريكا تقع ضحية عصابة مكسيكية تتاجر بالنساء، وحينما يعلم "رامبو" باختفاء الفتاة يذهب إلى المكسيك للبحث عنها.
شروق وغروب المقاتل "رامبو"!
من شاهد سلسلة أفلام "رامبو" يعرف الشخصية من خلال صفات شكلية ونفسية محددة؛ أهم تلك الصفات الشكلية لجندى النخبة شديد البراعة هى الشعر الطويل، وشريط طلقات الرصاص المعلق على صدره العارى، بالإضافة إلى الأداء الغاضب، والعنف المفرط، ومهارة صناعة الفخاخ والأسلخة، من خلال أدوات بدائية من البيئة المحيطة، والقدرة على مواجهة العشرات وحيداً، وذبح وقتل أغلبهم ببساطة، وهى ملامح ارتبطت بالشخصية فى كل أجزائها السابقة، بما فيها الفيلم الرابع، الذى عاد فيه "سيلفستر ستالون" من مرحلة شبه اعتزال للسينما، وأعاد تقديم شخصية "رامبو" بعد 20 عاماَ من الجزء الثالث، وخلف "رامبو" وراءه فى هذا الجزء العنيف 466 جثة.
فى "الدم الأخير" يظهر "جون رامبو" أكثر هدوءاً وسلاماً، يرتدى قبعة وملابس رجل من ريف الغرب الأمريكى، ويعيش فى مزرعة والده الراحل بأريزونا، بين الخيول وصديقة تدير المزرعة، وحفيدتها الشابة، التى يعاملها "رامبو" كابنته، ويمارس هوايته الغريبة، وهى تجهيز وإعداد أنفاق دفاعية أسفل مزرعته، وهو كعادته يميل للصمت، ويبدو كرجل اعتزل حياة المغامرات العنيفة.
المعركة الأخيرة
وباستثناء معركته الأخيرة مع عصابة الاتجار بالبشر التى حاصرت بيته الريفى الهادىء، لم نر فى الفيلم عناصر نجاح الأجزاء السابقة، وهى التركيز على مشاهد القتال والأكشن، ويبدو أن "ستالون" كان يرغب فى إنهاء القصة بمغامرة تحمل دراما إنسانية، وقد مر الفيلم بجلسات متعددة للمونتاج، وتم تصوير مشاهد إضافية لاحقاً، وظهر فى نسخته الأخيرة، ولكن كانت النتيجة مُحبطة ومُتواضعة، وحتى على مستوى الأكشن لم يُقدم الفيلم جديداً عن الأجزاء السابقة، وكان العمل اجمالاً محاولة باهتة لإحياء الشخصية سينمائياً.
نجح سلفستر ستالون ـ "74 عاماً" فى إعادة تدوير نفسه، ولم يستسلم لدور نجم الأكشن السابق المعتزل، وأصبح وهى فى سنه هذه بطلاً لسلسلة من أفلام الأكشن المتوسطة المستوى، ولكنها ناجحة تًجارياً، وبالإضافة لنجاحه فى إعادة إحياء سلسلتى "روكى" و"رامبو"، فقد كتب وأخرج وشارك فى بطولة فيلم "المرتزقة" The Expendables، التى ضم فيها مجموعة نجوم أكشن حقبتى الثمانينيات والتسعينيات، أمثال "أرنولد شوارزينجر"، و"بروس ويليس"، و"جيت لى"، وتم إنتاج جزأين آخرين من الفيلم، وقدم سلسلة فيلمية أخرى بعنوان "خطة الهروب" Escape Plan، وتضم خطط أفلامه المستقبلية المزيد من أجزاء أفلامه السابقة، وأدوار جديدة أخرى تدور فى عالم الجريمة والأكشن.