رؤية نقدية ـ "الطيب والشرس واللعوب"..سينما تسخر من دراما التسعينيات!
تمتلئ صفحات السوشيال ميديا بمقاطع فيديو من أفلام ومسلسلات حقبتى الثمانينيات والتسعينيات؛ ويهدف إعادة نشرها الضحك والتفكه؛ نظراً لكم المبالغة المُضحكة فى أداء الممثلين، وهو أمر ارتبط بمدارس التمثيل التليفزيونى وقتها، وكانت تُخاطب مشاعر الجمهور المنازل بالإنفعالات الحزينة، والبكائيات والعويل، والخُطب المثالية الصارخة، وفيلم "الطيب والشرس واللعوب" يُقدم دراما ساخرة، حول ثلاثة من نجوم التسعينيات، انحسرت عنهم الأضواء، وأصبحوا شخصيات مغمورة ومُفلسة فى الزمن المعاصر، لا يكاد يعرفهم أحد من الأجيال الحديثة.
الفكرة فى حد ذاتها ثرية، وتسمح بتقديم دراما محاكاة كوميدية ساخرة تصور أزمة إختلاف أساليب التعبير الفنى بين القديم والجديد، وذكرتنى فى مرحلة ما بالفيلم الفرنسى The Artist، وهو إنتاج 2011، وتناول فكرة تأثير تحول السينما الصامتة إلى ناطقة على نجم من نجوم التمثيل الصامت، رفض مواكبة التطور، وسخر من السينما الجديدة، وتعنت فى رفضه حتى هجره المنتجون، ونسيه الجمهور، وهناك عمل أخر قدمه "شارلى شابلن" عام 1952، بعنوان "أضواء المسرح" Limelight، وهو كوميديا سوداء عن كوميديان يعانى أزمة أُفول نجوميته وشهرته، ولكن طموحات "الطيب والشرس واللعوب" كانت بعيدة عن هذه النوعيات من الدراما.
تحية للقديم أم سخرية منه؟
فى المشهد التأسيسى للفيلم، نرى نبذة مكثفة عن كل واحد من الممثلين الثلاثة: الشخصية الأولى هى "إبيارى- محمد سلام" نجم المسلسلات التليفزيونية الطيب، والذى يبالغ فى أداءه، خاصة فى المشاهد البُكائية الكئيبة، وغالباً كان الممثل "أحمد عبد العزيز" مرجعية تلك الشخصية، والشخصية الثانية هى "زيزى- مى كساب"، نجمة الإغراء اللعوب التى تُذكرنا نوعاً ما ببعض أدوار "نادية الجندى"، والشخصية الأخيرة هى الشرير، ويقدمها "خلدون- أحمد فتحى"، ويجسد شخصية نجم أدوار الأكشن الصعيدية، الذى يعانى من نوبات عنف وغضب، ولم أتوصل لمرجعية معروفة الشخصية، ربما فقط ذكرتنى بدور شهير قدمه "إبراهيم نصر" لشخصية الفتوة فى فيلم "شمس الزناتى"، إنتاج 1991.
الفكرة لطيفة ومُبشرة، وتحمل كثير من الخطوط الدرامية الثرية؛ إذا تم التعامل معها بذكاء، وقدرة على إستخراج حكايات مُلهمة وجذابة؛ فنحن أمام مرحلة درامية ثرية للغاية، ولكنها إنتهت، وأصبحت مادة للسخرية والتهكم، وبإستثناء مشاهد البدايات لم يرصد سيناريو "رأفت رضا" هذه المرحلة الفنية بتمعن، وتحول العمل إلى دراما عادية، عن ثلاثة ممثلين عاطلين، يحاولون العودة لساحة الفن.
لم نشعر بالنقلة الزمنية للشخصيات الثلاثة، بين الزمن المعاصر ومرحلة التسعينيات، ولم يكن كرش "محمد سلام" وماكياج العجز الخفيف لباقى الأبطال مُعبراً عن ممثلين تجاوز كل منهم الخمسين، بل كان كل شىء فيهم ينضح بالحيوية والشباب، وتخيلت الفيلم بصورة أفضل لو جسد بيومى فؤاد دور ممثل تسعينياتى يبحث عن الأضواء فى الزمن الحالى، بدلاً من دوره السطحى عن سجين مهووس بكتابة سيناريوهات الأفلام.
أسئلة بلا إجابات
إيقاع الكوميديا فى الفيلم عانى من بطىء أفسد كثير من الافيهات، واعتمدت السخرية على أداء الممثلين الذى كان مُفرطاً فى المبالغة، وهى مفارقة غريبة، نظراً لأن الفيلم يسخر من هذه النوعية من الأداء التى تلائم "الاستاند كوميدى"، وأعمال السيت كوم الخفيفة، والحوار اللفظى المكتوب، وتوارت لمسات المخرج "رامى رزق الله"، فلم ألمح دور عناصر الفيلم فى صناعة الموقف الكوميدى.
افتقد الفيلم حالة السخرية بعد الربع الأول من الفيلم، ودخل فى حكاية افتقدت الجاذبية والفكاهة؛ مثل محاولة الأبطال جمع المال لأنتاج فيلم، ومحاولة تنفيذ الفيلم بواسطة فريق بلا خبرة، وبدا الفيلم فى هذه المراحل خافتاً وضعيفاً، ويفتقد اللمحات اللاذعة، ولكن كانت هناك مشاهد تُجاهد هذا الضعف؛ مثل مشهد مزاد بيع ملابس نجوم التسعينيات.
فكرة الفيلم داخل الفيلم كانت موفقة؛ فهى فرصة لإبراز نوعية الدراما التى سيقدمها الأبطال الثلاثة، فى الزمن المعاصر، وحمل الفيلم عنوان "كان فى مجرة وطلع بره"، وفكرته حول هجوم كائنات فضائية على حى شعبى مصرى، وللأسف لم تكن مشاهد هذا الفيلم تحمل أى خفة ظل، حتى ولو من زاوية سذاجة الفكرة وهزل التنفيذ.
فكرة جيدة هدمت على رأس أًصحابها!
يصل الفيلم إلى ذروته، لكنه ينسى تماماً الإجابة على الأسئلة المهمة التى تكونت عبر مراحل الفيلم، مثل "هل نجح الفيلم الفضائى فى إعادة الأبطال الثلاثة إلى دائرة الضوء؟" أو "هل حقق لهم المال الذى كانوا يسعون إليه؟"، والسؤال الأهم هو: هل أضاف الفيلم الأصلى لمنطقة الدراما الساخرة من دراما التسعينيات، أم سقط فى فخ السخرية الدرامية التى نصبها بنفسه، وأصبح فيلم بارودى سيسخر منه أحدهم بعد عقود.
الدافع الأساسى وراء صنع أى فيلم درامى؛ هو الرغبة فى الإبداع والتعبير، والسبب الذى يدفع الممثلين وطاقم العمل للإستيقاظ والذهاب للإستديو؛ هو تقديم شكل سينمائى جديد، ومهما كانت قدرة معدة المشاهد على هضم الأعمال التجارية الخفيفة، فهى لن تستطيع هضم عمل يدعى تقديم فكرة جادة، ثم يجتهد بكل الطرق لتسخيفها، وتسطيحها، وهدمها على رأس أبطالها، وهذا ما فعله فيلم "الطيب والشرس واللعوب" بكل حماس.