رؤية نقدية ـ Doctor Sleep .. بريق رعب "ستيفن كينج" الخافت!
اجتمع كاتب روايات الرعب والجريمة "ستيفن كينج"، والممثل "جاك نيكلسون"، والمخرج "ستانلي كوبريك" فى نهاية عقد السبعينيات، وكانت النتيجة واحد من أهم وأشهر أفلام الرعب النفسي المعاصر، وهو فيلم The Shining "البريق"، الذى صدر عام 1980، وكان اقتباساً لرواية كتبها "كينج" بنفس الإسم، ولا زالت مشاهد الفيلم الأيقونية حاضرة في ذهن كل الجمهور المُحب لهذه النوعية من السينما، ومنها صورة الأروقة المُقبضة الغامضة لفندق "أوفر لوك" المهجور، حيث تبدأ الأحداث الغامضة، وحيث تدور الكاميرا خلف الطفل "داني" وهو يقود دراجته ثلاثية العجلات، وحيث يقيم البطل، حارس الفندق "جاك تورانس-جاك نيكلسون"، وزوجته "ويندي-شيلي دوفال"، وابنه "داني" صاحب القدرات الخارقة، والذى يمتلك القدرة على التخاطر، ورؤية الأشباح، وتَعْلَقْ العَائلة، بسبب عاصفة ثلجية في أجواء العالم الكابوسي للفندق المهجور، حيث تتدفق شلالات الدماء فجأة من أبواب الأسانسيرات الحمراء، وتًغرق أروقة الفندق، وتَظهر أشباح عائلة الحارس السابق، ويحاول الطفل "داني" منع والده من قتله هو ووالدته، بعد أصابه مس شيطاني، وتلبسه شبح الحارس السابق الذى ذبح عائلته فى الماضي.
المهمة الصعبة للمخرج "مايك فلانجان"
لم يعلم قراء رواية "كينج"، ومشاهدو فيلم "كوبريك" مصير الطفل "داني" الذى شهد مأساة مروعة فى طفولته، نالت من أعصاب ونفسية عائلته، ولم يسلم هو منها، وكتب "كينج" رواية Doctor Sleep "المُستبصر"، وتحولت إلى فيلم بنفس الاسم، أخرجه "مايك فلانجان"، صاحب مجموعة من أفلام الرعب المعروفة، منها Absentia ، و Before I Wake، و Gerald's Game، ولأنه يعلم أنه يصنع عملاً يرتبط بأيقونة سينما الرعب، فقد كان عليه مواجهة أشباح فيلم "ستانلي كوبريك".
حاول المخرج "مايك فلانجان" السير على خطى أحداث فيلم "البريق"، وهو يصنع فيلمه الخاص، برؤيته الخاصة، وهو يعلم أن "كوبريك" غيَر الكثير في رواية "كينج"، وقدم نسخته البصرية الكابوسية الخاصة، والتى وصفها "كينج" بالاقتباس الفقير لروايته، وكان يمكن لفلانيجان تجاهل نسخة "كوبريك"، والتركيز على رواية "كينج"، ولكنه أثر التواصل الإيجابي معها، واستخدام بعض موسيقى ولقطات الفيلم السابق في مشاهد الفلاش باك، فهو فى النهاية يخرج فيلماً يتناول مصير الطفل "دانى"، بعد مرور 35 عاماً على حادث فندق "أوفر لوك"، وشخصية "داني" التى جسدها "إيوان مكريجور" تحاول التعافي من صدمته القديمة، ويتوارى لإخفاء بريقه الاستثنائي، وهو قدرته على التخاطر، ومقاومة الأشباح.
التشويق قبل الرعب
جاء فيلم Doctor Sleep كجزء تال لفيلم "البريق" - من المهم مشاهدة فيلم "كوبريك" أولاً لفهم بعض أحداث وإشارات الفيلم الجديد -، ولكنه لم يكن استطراداً للحكاية السابقة، وبعيداً عن عالم الأشباح، وباستثناء عودة شخصية "داني" بعد أن أصبح شخصاً ناضجاً، فالفيلم يقدم حكاية جديدة للصراع بين أصحاب قوى خارقة شريرة، وقوى خارقة الطيبة، كلاهما من البشر، وحسب الفيلم يمكن أن نُطلق تعبير "اللمعان" أو "البريق" على تلك القوى التى يتمتع بها عدد محدود للغاية، وتكون في أوج بهائها ولمعانها فى الأطفال الصغار.
فيلم Doctor Sleep يخرج من حالة رعب المكان المحدود للفندق المهجور، إلى أماكن أكثر رحابة، وتدور معظم المشاهد في أماكن مفتوحة، ورغم أن الفيلم لا يخلو من مشاهد الإثارة والغموض، إلا أنه لم يكن مُحملاً بنفس أجواء القلق والتوتر النفسى التى صورها فيلم "البريق"، ويصعب مقارنته به من ناحية النوعية والمُعالجة الدرامية، وربما كان ذلك في صالح الفيلم، وهو يستقيم مع أسلوب "فلانيجان" الذى يميل لتقديم دراما تشويق بلمحات رعب خفيفة.
رحلة البحث عن الخلود
الفيلم يبدأ بربط ذكي بين الفيلم القديم والجديد، بتقديم مشهد تجول "داني" الصغير بدراجته الصغيرة داخل أروقة فندق "أوفر لوك"، ونراه بعد ذلك رجلاً ناضجاً، يتعافى من إدمان الخمر، ويتحاشى استخدام قدراته الخارقة، ولكن الطفلة "آبرا" التى تتمتع بنفس قدراته تتواصل معه عن طريق التخاطر، ويجد نفسه فى النهاية فى مهمة لإنقاذها من جماعة غامضة تعيش على إستنشاق بخار الصغار أصحاب القدرات الخارقة، ولا يُمكنهم الحصول على هذا البخار إلا بالتخويف والتعذيب والقتل، وهذا هو الخيط الدرامي الثاني، وتقوده "ريبيكا فرجسون"، أو "روز" ذات القبعة، وجماعتها من أصحاب القدرات الخارقة، الباحثين عن حلم الخلود.
صراع الخير والشر
العالم الخاص للفيلم ليس غرائبياً، ولا يميل لتركيبة الرعب المُنفصل عن تفاصيل الواقع المُعاصر، ورغم تجاوز أحداثه للمنطق، إلا أنه ينجح في تصويرها كتفاصيل لها منطقها الخاص، ويرسم العلاقات بين الشخصيات بشكل يساهم في تصوير الصراع بين الخير والشر، فالمشاهد يتعاطف مع أزمة الطفلة "آبرا" مع قدراتها التى وضعتها في خطر، ومعاناة "داني" من صدمة الطفولة، وشهامة "بيلي فريمان-كليف كيرتس"، الذى صدق حكايات "داني" التى تتجاوز الخيال، وشاركه مهمته الخطيرة ضد "روز" وجماعتها، وفي المقابل نرى غرور وغطرسة "روز" ذات القبعة، وجماعتها التى لا تتورع عن فعل أى شىء للحصول على بخار الخلود من الأطفال أصحاب القدرات الخارقة.
ينجح الفيلم فى خلق عالمه الخاص، البعيد عن أسلوب فيلم "البريق"، لكنه لا يخفي تلك العلاقة الوثيقة بين العالمين والفيلمين، وهو يقتبس منه بعض الملامح والإشارات والمشاهد، دون أن يفقد خصوصيته.