ماذا لو لم تصنع هوليوود فيلم Home Alone على الإطلاق؟
في أحد مشاهد فيلم Home Alone "وحدي في المنزل"، يكتشف الطفل "كيفين"، أن رجل النظافة ذو الملامح المخيفة، الذي يظنه الأطفال سفاحاً، هو في حقيقته شخص طيب ولطيف، هجره ابنه بعد خلافات بينهما، وينصحه "كيفن" بالمبادرة والإتصال به، حتى لا يأتي يوما ويندم فيه على عناده، ويُنصت العجوز لنصيحة الطفل، ويقتنع بها، وهذا المشهد هو جوهر فكرة الفيلم، وعبر عنها طفل مُتمرد عنيد، كره عائلته وتمنى اختفائها، ولما تحققت أمنيته شعر بالندم، ومن خلال حكاية كوميدية خفيفة وجذابة قال الفيلم الكثير عن أهمية العائلة، وكيف تكون احتفالات الكريسماس حجة تجمع أفراد العائلة، مهما كانت المسافات والخلافات بينهم.
الأمنيات قد تتحقق
تقول الحكمة: "كُن حذراً مما تتمناه، فقد تحصل عليه"، وهذا ما حدث لكثير من شخصيات هذه الحكاية، ومنهم الطفل "كيفن"؛ فقد تمنى اختفاء عائلته المُزعجة، والعيش في المنزل وحيداً، وتحققت أمنيته بملابسات درامية عجيبة وكوميدية؛ وذلك حينما سافرت عائلته إلى فرنسا لقضاء عطلة الأعياد، وكان عددهم كبيراً، وظن الجميع أنه بينهم، ولم يكتشفوا غيابه إلا على متن الطائرة. هو أحد أهم أفلام فترة الأعياد على الإطلاق، وواحد من الأعمال السينمائية القليلة التى لا تُمل مُشاهدته، وهو مُستمر في حصد إعجاب الكبار والصغار.
رغم مرور 29 عاماً على إنتاجه، ومهما كانت عدد مرات مشاهدتك له، ستجد نفسك مستعداً لمرة جديدة للمشاهدة، ورغم كل النجاح الجماهيري الذى حققه؛ لم يكن إنتاجه سهلاً على الإطلاق، وربما يندهش القارىء حينما يعلم أن شركة "وارنر برازر"، التي بدأت إنتاجه، قامت بوقف تصويره، بعد أسابيع من بداية إنتاجه؛ بسبب تجاوزه الميزانية المُتفق عليها، ولم تستكمل إنتاجه قط، وأصبح عبئاً على الشركة، وتمنى المنتجون اختفاءه من خريطة إنتاجهم، وبالفعل تحققت أمنيتهم!
وحدي في الاستديو
خصصت "وارنر برازر" عشرة ملايين دولار فقط كميزانية إنتاج فيلم كوميدي مُنخفض التكاليف، للعرض في موسم احتفالات الكريسماس، والفيلم عن سيناريو "جون هيوز"، وهو أحد أهم كتاب الأفلام الكوميدية العائلية المعاصرة، وأغزرهم إنتاجاً في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، وقد كتب أشهر أعمال "جون كاندي"، و"تشيفي تيس"، و"والتر ماثاو". أما مخرج الفيلم هو "كريس كولمبس"، الموهوب في صناعة أفلام الكوميديا والفانتازيا، ويكفي أن نذكر من أعماله Mrs. Doubtfire "السيدة داوتفاير"، و Nine Months" تسعة شهور"، و"هاري بوتر وحجر الساحر"، و"هاري بوتر وغرفة الأسرار". كتب "جون هيوز" سيناريو كوميدي يتضمن مغامرات كوميدية صاخبة، تشبه مغامرات أفلام الكارتون، عن طفل عمره تسع سنوات، يحاول الدفاع بمفرده عن منزله، من لصين فاشلين خططا لسرقة المنزل، وهذه الحرب بين الطفل واللصين تحتاج ميزانية كبيرة لتنفيذ الخدع، بالصورة التي ظهر عليها الفيلم في النهاية، ولكن شركة "وارنر" لم تسمح بتجاوز الميزانية، خاصة أن بطل الفيلم كان طفل غير مشهور، ووجد فريق الفيلم نفسه مضطراً لإنهاء كل شىء بعد قرار "وارنر" إلغاء إنتاج الفيلم، ورحل الجميع عن الاستديو الذي صنعه الفريق في ملعب رياضى لأحد المدارس.
الأفلام التى أسعدتنا
في المسلسل الوثائقي "الأفلام التى أسعدتنا"، حلقة خاصة عن فيلم "وحدي في المنزل"، وفيها كواليس مدهشة عن إنتاج الفيلم، والبديع في الحلقة أنها مكتوبة بسلاسة ورشاقة تستلهم روح الفيلم، ومشاهدتها ممتعة، خاصة لعُشاق الأفلام، الذين يستمتعون بالتعرف على تفاصيل وملابسات عملية صناعة الإبداع، وتحكي القصة كواليس دخول شركة "فوكس" طرفاً في أزمة الفيلم، وعرضها استكمال الفيلم، وتوفير الميزانية اللازمة لإنهاءه بصورة لائقة؛ وهكذا أسعدتنا "فوكس" بقرار جرىء، حمل بُعد نظر، وفهم أكبر لقيمة سيناريو واحد من أهم الأفلام الكوميدية في تاريخ هوليوود.
"وحدي في المنزل" الأصلي
لم تتوقف مشاكل الفيلم حتى بعد انتهاء إنتاجه وعرضه، وتصدره شباك التذاكر الأمريكى؛ فقد اتهم المخرج الفرنسي "رينيه منزور" صناع فيلم "وحدي في المنزل" بسرقة فكرة فيلمه Game Over "اللعبة انتهت"، ويحكي عن طفل صغير، يتمتع بالذكاء، ومهووس بأفلام الأكشن، ويعيش في منزل يُدار بالتكنولوجيا الذكية، وقد تركته أمه بصحبة جده ضعيف البصر، أثناء أعياد الميلاد، ويقتحم قاتل مُنحرف نفسياً المنزل، وهو يرتدي زي سانتا كلوز، ويبدأ في مطاردة الطفل وجده، ويستعين الطفل بأفكار أفلام الأكشن، لصد محاولات القاتل، والفيلم إنتاج عام 1989.
وقد نفي صُناع "وحدي في المنزل" سرقة الفيلم الفرنسي، ولم يلتفت أحد للمخرج "رينيه منزور" بعد نجاح الفيلم الأمريكي المدوي، رغم أنه قد يكون بالفعل الفيلم الذى استلهم منه "جون هيوز" بعض أفكار فيلمه الرئيسية، ولم يتم عرض الفيلم الفرنسي في الولايات المتحدة أو كندا وقتها، ولم يحظ بعرض أول في دور عرض أمريكا الشمالية قبل عام 2018.
معرفة كواليس إنتاج الفيلم تدفعنا لسؤال تخيلي، وهو ماذا لم يُنتج الفيلم على الإطلاق؟ وهناك عديد من الإجابات؛ ربما أهمها أننا كنا سننتظر ظهور فيلم آخر يستطيع تغيير صورة أفلام احتفالات الكريسماس الهادئة التقليدية، وسيُحرم الجمهور من عمل كوميدي ممتع، لا يفقد رونقه ومرحه مع مرور الزمن، ومن المؤكد أيضاً أن مسيرة الممثل الطفل "ماكولي كلكن" لم تكن تصل إلى ما وصل إليه من نجاح ونجومية لم يتمكن من تكرارها في كل أفلامه اللاحقة، ولن نتمكن من مشاهدة الظهور النادر للرئيس الأمريكى "دونالد ترامب" في الجزء الثاني من الفيلم، وأخيراً بحسابات المال، كانت شركة "فوكس" ستخسر مليار دولار، قيمة إيرادات الفيلم حتى الآن.