رؤية نقدية ـ Uncut Gems ..رحلة "آدم ساندلر" من جائزة الأسوأ إلى الأوسكار!
المسافة بين التوتة الذهبية والأوسكار الذهبى، كالمسافة بين السماء والأرض؛ ويقف في منتصف هذه المسافة الممثل الأمريكي "آدم ساندلر"؛ فهو صاحب موهبة لافتة في الأساس، وهو كوميديان جيد يقدم نوعية خاصة من الكوميديا الخشنة، التي تعتمد على الصخب والسخرية البذيئة، لكنه صاحب اختيارات فنية سيئة في العموم، ومع مرور الوقت أصبح ممثلاً ينافس على جوائز من نوعية Golden Raspberry Awards أو جائزة التوتة الذهبية؛ وهى تلك الجائزة الشعبية التى يحصل عليها الممثل الأسوأ كل عام، وفي عام 2011 حصد فيلمه Jack and Jill "جاك وجيل" على جميع جوائز التوتة الذهبية لأسوأ فيلم، بالإضافة إلى جائزتي أسوأ ممثل وممثلة، وحصل عليهما شخصياً، باعتباره الممثل الذى جسد دوري رجل وشقيقته التوأم، وحصل الفيلم إجمالاً على 12 جائزة أسوأ، وأصبح أول فيلم يحصد جميع فئات جوائز الأسوأ، وبدا "آدم ساندلر" من نوعية الممثلين الذين تشاهد أعماله بإمتعاض، وتقول عنه بحسرة: "هو ممثل موهوب، لولا اختياراته السيئة"، وهو يحتل رأس قائمة هذه النوعية، التي تضم مثلاً "نيكولاس كيج"، الذى يفاجئنا سنوياً بسيل من الأفلام الرديئة التى لا تتناسب مع موهبته على الإطلاق، ويُقال أنه يقوم ببطولتها جمعاً للمال؛ لسداد ديون القمار.
تميمة الحظ السعيد
يرصد فيلم الكوميديا السوداء Uncut Gems ـ "أحجار غير مصقولة" حكاية بائع مجوهرات يعيش حالة من المقامرة المتواصلة، وهو لا يستطيع مقاومة هذا الإدمان، ويغرق داخل دائرة مفرغة من المحاولات الدؤوبة للحصول على الثروة الطائلة. محور الفيلم هو حجر كريم من خام الأوبال النادر، يقع في يد مجموعة عمال إنقاذ، يكافحون لإنقاذ العاملين بمنجم تعرض للإنهيار في أثيوبيا، ويتنقل هذا الحجر البديع المنظر من يد إلى يد، ويصل أخيراً إلى يد "هوارد راتنر- آدم ساندلر"، وهو صاحب محل مجوهرات، يعيش في نيويورك، ويبدو الحجر الذى حصل عليه بمبلغ زهيد هو الحل السحرى لمشاكله المادية بعد تراكم ديون القمار، ويستعيره منه صديقه، لاعب السلة المشهور، من أجل جلب الحظ، ويقوم هو بالمقابل باستعارة خاتم اللاعب الشهيرة، لكنه لا يحتفظ به لجلب الحظ، بل يقوم برهنه من أجل دفعة من المال ليتخلص من مطاردة فتوات رجل يدينه بالمال، ووسط أزماته يدخل في رحلة مرهقة لاستعادة الحجر الذى يكاد يفقده.
صخب وإزعاج وأشياء أخرى
الحقيقة أن أزمة "هوارد" ليست مجرد دين القمار، بل سيطرة خيال المقامر على سلوكه وتصرفاته؛ فخلف كل حدث في حياته يرى "هوارد" فرصة المكسب الكبير؛ ولهذا تُصبح حياته نفسها رهينة لمجموعة الرهانات الجنونية التى يتخذها، والتى حولت حياته إلى حالة من القلق المستمر، وهو مُدرك تماماً لأخطار المقامرة، ونراه في وسط كل الأزمات ثابتاً، ولديه قدر هائل من الثبات الإنفعالي المدهش.
يقدم المخرجان "جوش وبينى صفدي" فيلماً مُجهداً للمشاهد، وتعمدا الحفاظ على حالة توتر لا تتوقف، وعرضا أزمة بطل يعيش حالة من الصخب الشديد المثير للتوتر، ويجسدها الفيلم من خلال أداء الممثلين الانفعالي، وصياحهم الدائم، والموسيقى التصويرية القاتمة المزعجة، وجمل الحوار المتلاحقة المتداخلة، وحركة الكاميرا المتوترة، والكادرات القريبة على وجوه الشخصيات، ويأتي الثبات الانفعالي للبطل كملمح من شخصيته كمُقامر؛ لا يكشف انفعالاته بسهولة، ويتعامل مع الأزمات بهدوء من يتحكم في الأمور، ولكن الحقيقة أن عالمه يتداعى، وهو يتدحرج إلى الهاوية.
مزيد من الرهانات والأدرينالين
تنسحب حالة المقامرة والرهانات على حياة "هوارد" الشخصية؛ فهو يقامر بعلاقته بزوجته وأولاده؛ فهو يحاول الحفاظ على حياته العائلية، وفي نفس الوقت على علاقته الجامحة مع عشيقته جوليا، التى تعمل موظفة لديه، ورغم ضربه وترهيبه من فتوات مقامرين يدينهم بالمال، لكنه مستمر في التسويف والمضاربات الجريئة، وهو يرغب في الحفاظ على كل الرهانات مفتوحة، ولا يحسم رهان مقابل الآخر، ولا يوجد في هذه الرهانات شىء يقينى، وكل ما يفعله هو مزيد من الرهانات التى يأمل أن تفلح إحداها ذات مرة.
الفيلم لا ينجرف في تقديم حكايات هذا الشخص من زاوية الأكشن والمطاردات، بل من زاوية إنسانية؛ ففي ظل حالة التوتر والقلق والحركة التى لا تتوقف تنشأ بين المشاهد وشخصية "هوارد" حالة متناقضة تتراوح بين التعاطف والغضب؛ فحينما يصل إلى الحافة ويصبح سقوطه حتمياً يأتى المال الذى يمكن أن يسد معظم ديونه، لكنه يتردد، ويغير خططه، ويبدأ في التفكير في الرهان بما يمتلك، لتعظيم أرباحه، وتبدأ دورة القلق والتوتر والجنون من جديد.
على بعد خطوات من الترشح للأوسكار
فيلم "أحجار غير مصقولة" واحد من أهم أفلام العام الماضى، وينضم إلى قائمة الأعمال المرشحة بقوة لفئات جوائز أوسكار هذا العام، وتأتى الكتابة والإخراج وأداء "آدم ساندلر" على رأس العناصر التى أتوقع ترشيحها لجوائز الأكاديمية، والفيلم بلا شك أهم أعمال "ساندلر" في مسيرته الفنية كممثل، وهو يؤكد أنه ممثل يمتلك موهبة أصيلة، وتبرز إمكاناته لو أتيحت له فرصة تقديم أعمال جيدة، وهو في أداءه الميلودرامى لشخصية المقامر البائس لا يفقد حسه الفكاهي الساخر، وهذا منح أداءه طابعاً مميزاً، وربما يكون منحه الأوسكار أمراً مطلوباً وبشدة، حتى لا يعود متعمداً للتمثيل مرة أخرى في أعمال سيئة، كما هدد هو ساخراً في لقاء تليفزيوني مؤخراً.