رؤية نقدية ـ فتنة الجمهور..هل أفسد الجيل الحالي محمد رمضان؟
أراد محمد رمضان في بداياته أن يكون امتداداً لأحمد زكي لكن مسيرته الفنية جعلته عبده موتة، وهناك كثير من التفاصيل تسببت في هذا المصير، ونحتاج لتحديد المعايير التي يمكن علي أساسها تقييم هذه المسيرة القصيرة لممثل شاب يدعي انه "نمبر وان"، والبعد عن المعايير الفاسدة والسطحية والكارهة؛ كي نستطيع رؤية أعماله في إطارها الصحيح، وزوبعة محمد رمضان الأخيرة اختلطت فيها المعايير وأصبحت مشوشة للغاية؛ فغروره وتصريحاته الاستفزازية، وتصرفاته السطحية والتي قد تصل إلى حد "الابتذال" مجرد مادة تصلح للنميمة، وليست معياراً لتقييم ما يقدمه، ولا يجب أن تؤثر أساليب الفنانين في الدعاية لأنفسهم مهما بلغ تطرفها على أي عملية تقييم فنية، ولا يصح أن يكون مناخ الفن إقصائياً ومُدمراً لأى شخص لا يعجبنا ما يقدمه، ومن السطحية الشديدة تقييم أى عمل فني على خلفية أزمات الفنان الشخصية، وسلوكياته أثناء ركوب سياراته الفاخرة، أو طائرة خاصة، أما الترويج لفكرة إفساد محمد رمضان الجيل الحالي بسبب فيلم أو أغنية أو قصة شعر أو قميص شفاف يرتديه، فهذا موضوع يحتاج إلى إعادة تقييم الشخص لألية التفكير المنطقي لديه، وهى مراجعة صعبة، تحتاج التعامل مع معايير رجعية تالفة تنتشر فى ظل غياب الثقافة الحقيقية للتقييم والنقاش.
هل أفسدت أفلام وأغاني محمد رمضان الجيل الحالي حقاً؟
نعم، السؤال فى العنوان السابق عكس السؤال الشائع حالياً، وهو: "هل أفسد محمد رمضان الجيل الحالي؟" والحقيقة أن هذا السؤال يذوب في بحر من السطحية والسذاجة؛ فمحمد رمضان استقى كل ملامح شخصيات أفلام من نوعية "عبده موتة" و"قلب الأسد" وغيرها من الواقع الشعبي، ومن حواري وعشوائيات قاع المجتمع، ونحن لا يمكننا محاسبة ممثل لأنه يجيد أداء أدوار الشر والجريمة، ولا يمكننا بالتالي محاسبة محمد رمضان لأنه أجاد دور البلطجى الشعبي، وقد فعل هذا بالفعل، بغض النظر عن ضعف أفلامه نفسها، وهو يعبر بأسلوبه الذى قد نختلف عليه عن مجتمع لا يحبه جمهور الطبقة المحافظة التقليدية، وهذا الجمهور يُسقط كراهيته لهذا المجتمع على شخص محمد رمضان، وهو فى النهاية ممثل يؤدي أدواراً درامية، وله اختياراته التي يكرهها قطاع له صوت عال على السوشيال ميديا، ولكن لا يجب أن نتناسى أن جمهور العشوائيات يحب محمد رمضان؛ لأنه جعلهم أبطالاً على شاشة السينما، ويتوافد هذا الجمهور على أفلامه ويتابعها لأنه يرى ملامح شخصياته المألوفة، وهذا يدفعنا لسؤال أكثر منطقية وهو: "هل أفسد جمهور العشوائيات محمد رمضان؟"؛ فقد كان إقبال الجمهور على فيلمه الشعبي الأول سبباً في انتاج فيلم ثاني وثالث ورابع، وأصبحت أغاني أفلامه بكلماتها القريبة من مصطلحات وكلمات العشوائيات لون غنائي له جمهور كبير، لقد فتنه الجمهور وجعل منه متحدثاً درامياً باسمهم.
خيال السينما والواقع على الأرض
إننا نقبل على شاشة السينما ما لا نقبله في الواقع، ونحب البطل السينمائي لأسباب تتعلق بجاذبية القصة والأداء والإخراج، ولا يعني حبنا لنجوم الشر أننا نؤيد ما يفعلونه على الشاشة من قتل وسرقة وتنمر وخروج على القانون، وحينما نضحك ونبكي ونكره الشخصيات التي يقدمونها، فنحن نتفاعل مع شخصيات خيالية تحكي حكايات خيالية، ولا يجب أن نخلط بين الشخصية الخيالية وبين الشخصية الواقعية، ولا يمكن أن نتهم أشرار السينما بأنهم السبب فى شرور المجتمع، وسيكون غريباً أن ينادي البعض بمقاطعة أفلام العصابات والجريمة المنظمة بتهمة ترويج الجريمة والسرقة، أو لأن بعض شخصياتها الإجرامية جذابة على الشاشة. أزمة محمد رمضان أنه فى مرحلة ما بدأ يصدر للإعلام صورة دعائية تتلامس مع شخصيات أفلامه، فهو الشخص العشوائي الذي يرتدي ملابس غريبة، ويغني كلمات شعبية لها إسقاطات "خارجة" أحيانا، وبدأ بعض الجمهور يراه شخص عشوائي بلا ضمير أو أخلاق، أصبح ثرياً بعد أن كان مجرد شاب فقير معدم، تماماً مثل شخصيات أفلامه، وزادت سلوكياته وحبه للنوع الاستفزازي من الدعاية بسكب البنزين على النار، وبشكل خاص للجمهور المتحفظ الذي يتشدق بالكلام المتناقض عن الأخلاق.
عشوائيات محمد رمضان
الواقع يقول أن هناك جمهور يقبل على ما يقدمه محمد رمضان، ويرى فيه حالة خاصة من المتعة التي لا تخلو من العبث، وهناك جمهور لا يطيق أفلامه وأغانيه وملابسه وتصريحاته، وبالتالي لا يهتم بمتابعته، ومن العبث أن ينادي أحد بمقاطعة أشياء لا يحبها ولا يتابعها، والمنطقى أنه لا يهتم بأمرها مطلقاً، وعليه توجيه كل طاقته نحو الأعمال الفنية التي يحبها، ويتمنى لها الرواج والانتشار، ولا يقوم الجمهور فى العالم بحملات مقاطعة ممثل أو مطرب لأنه لا يعجبه ما يقدمه، لأن المسألة نسبية وتتعلق بالأذواق، وحتى ما يسمى بالفن الراقى كالموسيقى الكلاسيكية والباليه يتعرض للسخرية والنقد، وفي مصر تتولى الرقابة على المصنفات الفنية منح منتجي الأفلام والمطربين ومحمد رمضان ترخيصات الأفلام والأغاني، وهذا يكفي جداً ويزيد.
قدم محمد رمضان عدد من الأفلام المهمة عن البطل الشعبي العشوائي، ولكنه لم يصعد بها فنياً إلى مستوى درامي إنساني خاص وأصيل، وجاءت معظم أعماله عن هذا المجتمع سطحية، ولكنه لم يخترع هذا المجتمع، ولم يقم بتأليفه أمام الكاميرا، ولم يجسده بنية إفساد الجيل، بل اقتبسه من الواقع، ورسم تفاصيله الدقيقة مما شاهده في مجتمع البيئة الشعبية والعشوائيات، وصاغه بمعايير فنية تلائم السينما التجارية الرديئة، ولا زال مجتمع العشوائيات يحتاج إلى سينما جادة ترصد تفاصيله الإنسانية بصورة أكثر جدية وأصالة.