"Homemade"..أفلام نتفليكس القصيرة تُعالج ملل الحظر المنزلي بالمزيد من الملل!
لو كان المخرج "ألفريد هيتشكوك" حياً وطلبت منه "نتفليكس" صناعة فيلم قصير وقت العزل الذاتي في المنزل، فمن المرجح أنه سيكون نسخة مُصغرة من فيلمه "النافذة الخلفية" Rear Window حيث سنشاهد بطل الفيلم يقاوم ملل العزل بالتلصص على الجيران بمنظاره المُكبر، وسيرى فجأة شيئاً ما مثير داخل شقة أحد الجيران، وربما يعرض جريمة تستغل عزلة شخص وحيد، أو سلوك غامض لشاب منطوي، أومُطاردة عدد من السكان للص فوق أسطح العمارات، وفي كل الأحوال سيجد "هيتشكوك" حلاً درامياً ليكون فيلمه مُعبراً ويحمل جاذبية السينما ومتعتها.
دراما الملل المنزلي
كيف تقضي وقتك في زمن العزل الذاتي في المنزل؟ هذا سؤال كانت إجابته 17 فيلماً قصيراً ضمهم عنوان واحد هو Homemade وهو فكرة لمخرج والمنتج الشيلي "باولو لارين" لتقديم مجموعة من الأفلام القصير جداً، يجمع بينها فكرة الحياة في ظل الحظر بسبب فيروس كورونا، وخاطب "لاريان" مجموعة من صُناع السينما في العالم لصناعة أفلام قصيرة تستلهم أجواء العزل، وتلتزم بقواعد التباعد الإجتماعي وإجراءات السلامة، ودارت أغلب الأفلام في منازل هؤلاء المخرجين، وكانت فكرة التباعد الإجتماعي والخوف والقلق تُسيطر على أفكار حكايات الأفلام، وديكوراتها هي غُرف المنزل أو الشرفة وربما الحديقة الخلفية. بطل الفيلم الفرنسي Clichy-Montfermil الشاب "باز" يعاني نفس ملل بطل فيلم "النافذة الخلفية" ولكنه يستخدم طائرة درون صغيرة مزودة بكاميرا وريموت كونترول، ويقوم بالتلصص على جيرانه في الحى المتواضع الذي يعيش فيه، وتُحلق الدرون فوق الأسطح والطرق تلتقط تناقض سلوك سكان الحى في التعامل مع فكرة التباعد الإجتماعي، وفى الفيلم الإيطالي "رحلة نهاية الليل" يقدم المخرج "باولو سورينتينو" حوار خيالي ساخر بين دمية بابا الفاتيكان ودمية ملكة انجلترا، بعد حظر الطيران واضطرار الملكة البقاء في الفاتيكان بصحبة البابا، وإكتشافهما أن روتينهما اليومي لا يختلف كثيراً عن حياة العزل الذاتي، ومساحة الخيال بين الفيلم الفرنسي والإيطالي واضحة، أحدهما ينقل الصورة كما هى، والثاني يُحاول تخيل موقف درامي موازي ليصنع حالة فنية مُبتكرة، وهذا التناقض موجود في باقي الأفلام، ولكن أغلبها سقط في فخ تصوير "الملل" نفسه.
كيف تصنع الزلابية أثناء العزل؟
بعض شخصيات الأفلام عكست مشاعر السخرية والكآبة والشجن كرد فعل على رُعب الموقف؛ مثل العجوز الشيلي الذي يحتضر داخل دار للمسنين في فيلم "المكالمة الأخيرة"، والذي يُكلف الممرضة بإجراء إتصالات بالڤيديو بحبيباته السابقات اللائي هجرهن قبل زمن، ويخبر كل واحدة كم يُحبها ويحن لأيامهما معاً، وهو يطلب الغفران، ويواجه بالغضب، لكنه لا ييأس ويحاول مكالمة حبيبة سابقة أخرى، وهناك الأم التي توجه رسالة شاعرية لطفلها الذي لا يتجاوز عمره خمس سنوات في فيلم The Lucky Ones، وتأمل أن يتذكر في المستقبل كيف قضى سنوات نموه الأولى في ظل جائحة الكورونا، وفي فيلم "المساحات" تتابع الكاميرا طفلة صغيرة تحاول الترفيه عن نفسها أثناء العزل في منزلها، وتنقل بعض الأفلام حالة الملل والرتابة بحكايات سخيفة للغاية مثل فيلم "انفصال زوجين خلال العزل المنزلي"، والقصة تُحكى من خلال رسائل الشات التى نراها على الشاشة طول الفيلم، ويبدأ الفيلم المكسيكي Johnny Ma بحالة من التأمل أثناء العزل، حيث يقوم رب عائلة برعاية حديقته، والفيلم رسالة إلى الأم التي لن يُمكنه مقابلتها بسبب الحظر، وينتهي الفيلم بوصفة تفصيلية لصنع الزلابية!
أما فيلم "بنيلوبي" من تأليف وإخراج الممثلة "ماجي جلينهال" فتدور أحداثه في مكان مشابه للفيلم المكسيكي، وهو منزل ريفي منعزل وسط الطبيعة، وربما يكون أفضل أفلام المجموعة فنياً، ويبتعد عن هوس تسجيل الواقع، ويتناول فكرة الانعزال والشعور بالنهاية، والارتباط ببقايا وسائل الراحة مثل جهاز توستر كهربائي بسيط، وإرتباك روتين البطل اليومي "بيتر سارجارد" بعد تعطل التوستر، ومحاولة التأقلم مع تغيرات المناخ وشذوذ الجاذبية الأرضية، وظاهرة اقتراب القمر بشدة من الأرض،وأنباء الراديو المُزعجة عن فيروس عالمي يقتل نصف مليار شخص، وتأتي لحظة النهاية غامضة ومُلهمة وتبث شعور بالأمل، حينما يجد البطل على الطريق المهجور أمام منزله طرد من مجهول يحتوي توستر كهربائي جديد.
الأرق والهلوسة وهوليوود المهجورة
فيلم الممثلة كريستين ستيوارت" Crickets "صُرصار الليل" مُصور في مايو الماضي،وهو بطولتها وإخراجها، ويحكي عن امرأة تعاني من الأرق، وتمر ساعات النهار وهى مُجهدة من قلة النوم تتحدث مع فتاة أخرى لا نراها، تنصحها بضرورة الراحة والنوم قليلاً، ولا يقل الفيلم مللاً عن الفيلم الألماني Casino الذي يجمع كل الأوقات المملة في يوم بطل الفيلم "سيبستيان" الذي يعيش وحيداً، وتتطور حالته إلى الهلوسة والهذيان والجنون التام، وربما يكون فيلم المخرجة الهندية "جوريندر تشادا" الأكثر بهجة وتلقائية، رغم أنه أيضاً يدور داخل المنزل، حيث تعيش المخرجة مع زوجها وإبنيها في لندن، ويصور فيلم "ماريون ووحيد القرن" طفلة صغيرة عالقة في غرفة مكتب والدها، وتلعب مع دمية وحيد القرن، وتُعبر بأداء تمثيلي عن مشاعرها تجاه العزل وأخبار فيروس كورونا بحوار مُرتجل مع الدمية، وكتب الفيلم وأخرجه "خالد مزنر" و"نادين لبكي"، وفي فيلم Ride It Out تقوم المخرجة الشابة "آنا ليلي أميربور" بجولة صباحية بدراجتها في أحد أحياء "لوس أنجلوس"، ويضم الحى كثير من معالم ومسارح هوليوود المهجورة، وتقوم "كيت بلانشيت" بالتعليق على الفيلم، وربما تكون لقطاته خارج جدران المنزل أفضل ما فيه.
مجموعة الأفلام المنزلية Homemade ليست مصنوعة بغرض المتعة والتسلية، وتميل لتصوير أجواء الجنون والهذيان والإكتئاب في أغلبها، وهى بدائية في مُعظمها، وتفتقد حتى جنون التجريب، وربما كانت تستهدف التعاطف والمشاركة مع ملايين المشاهدين في أوقات العزل المنزلي، لكن عدد كبير منها مُحبط على المستوى الفني،وليس ترفيهياً بالمرة.