رؤية نقدية ـ "الغسالة" فيلم يقدم التحية لكوميديا فؤاد المهندس!
لأعوام طويلة ظل فيلم كوميديا الفارص الجيد غائب عن الشاشة الكبيرة، على الرغم من التطور الكبير على مستوى الأفكار والطرح الذي وصل له عدد كبير من الصناع المصريين في مقدمتهم الكبير العظيم فؤاد المهندس، والذي قدم من خلال أفلام عديدة منها "العتبة جزاز"، "أخطر رجل في العالم"، "شنبو في المصيدة" وغيرها أعمال تهدف فقط إلى الكوميديا في حد ذاتها كنوع مستغلاً الإفيهات والمفارقات اللفظية والملابس والأداء الحركي والصوتي ليولد هذه الكوميديا ويثير ضحك الجمهور، وإن تضمنت بعض هذه الأفلام مناقشة قضية ما أو التعرض لسلوك سلبي في المجتمع فهذا لا يؤثر على الكوميديا والتسلية وغالبًا ما تكون رسالة الفيلم المباشرة في نهايته، كما الحال مع "العتبة جزاز".
كثيرون ساروا على نفس النهج، بالطبع لم يستطع أي صانع الاقتراب مما قدمه المهندس صاحب الرؤية وإن لم يخرج أو يؤلف أعماله، لكن على الطريق كانت هناك العديد من المحاولات لصناعة نفس المحتوى والذي قل الإقبال على انتاجه تدريجيًا على الرغم من أهميته، حتى النجوم المبشرين لإحياء هذا الشكل مثل محمد سعد ومحمد هنيدي، انتهى بهم الأمر للتكرار والدخول في دائرة مفرغة من النجاح بعمل فني وفشل عدة أعمال تليه، في عام 2017 طرح فيلم "عندما يقع الإنسان في مستنقع أفكاره فينتهي به الأمر إلى المهزلة" والذي يمثل محاولة جادة لإحياء فيلم الفارص بداية من عنوانه مرورًا معالجته لقضية الإرهاب وإخلاصه للمبالغة في الكوميديا حتى أقصى مراحل "الهزار والسف" وصولاً لاختيارات أبطاله التي تخطت سعد وهنيدي لمنطقة أكثر حيوية ومرونة متمثلة في محمد ثروت وأحمد فتحي ومحمد سلام.
فيلم "الغسالة" الذي بدأ عرضه مع أول أيام عيد الأضحى أيضًا مخلص لمدرسة المهندس، لا يميل إلى كوميديا مضحكين أواخر التسعينيات، موضوعه بسيط يدور حول 3 أشخاص في 3 مراحل عمرية يتنقلون في 3 أزمنة، نبدأ من أحدثهم عام 2048 ثم نعود لعام 2018 ونصل لأصل الحكاية في 1998، الشخصيات الثلاثة الرئيسية هم عمر هاشم الضبع (محمود حميدة/ أحمد حاتم)، سامح عبد الشكور (طاهر أبو ليلة/ محمد سلام)، وعايدة (شيرين رضا/ هنا الزاهد) معًا يكونون مثلث حب بكل مشكلاته المعروفة، عمر واقع في غرام عايدة، بينما يخطط سامح للفوز بها مدعيًا صداقته لعمر، في حين أن عايدة تعامل عمر بجفاء شديد بسبب موقف قديم تسبب في غضبها ناحيته.
نقاط التماس مع مدرسة المهندس ليست فقط في الشكل وطريقة الكوميديا بل يقدم لها الفيلم التحية من خلال اختياره لاسم الشخصية الرئيسية سامح عبد الشكور ارتباطًا بالشخصية التي قدمها الفنان الراحل احمد راتب فى مسرحية "سك على بناتك" التي أخرجها مسرحيًا فؤاد المهندس عام 1980، الصراع يبدأ من عند سامح الذي تتحفظ نسخته الأكبر سنًا على النسخة الأكبر سنًا من عمر حيث يساوم الأول الأخير على سر تركيبة غامضة لا نعرف ما هي ويبدو واضحًا أن عايدة طرف فى الصراع، وهو ما يجعل عمر الأكبر سنًا يخترع ألة زمن ليعود إلى الماضي ويساعد نسخته الشابة ليعودوا جميعًا إلى نسخهم كأطفال لنبدأ من عند نقطة الصراع الأولى في شخصياتهم.
فكرة الفيلم بسيطة والهدف منه واضح، يسعى لرسم البسمة على وجوه المشاهدين فقط بدون الاشتباك مع قضايا كبرى كابتزاز لمشاعر المشاهدين كما كان يفعل بعض مضحكي أواخر التسعينيات، هنيدي على سبيل المثال الذى كان يدرج بعض القضايا السياسية فى أعماله ويعتبرها السقف الذى يضمن له العمق المطلوب من وجهة نظره فى الفيلم، لكن بالطبع لا تتعدى بضعة جمل حماسية في آخر العمل دون أي تأثير حقيقي أو سبب درامي.
"الغسالة" على العكس فيلم مخلص لنوعه وشكله دون أي اعتبارات اخرى، ربما لا يكون فيلمًا عظيمًا كما كانت أفلام المهندس لكنه يظل له حضور جيد خفيف الظل، والتجربة الأولى لمؤلفه عادل صليب كسيناريست ولعصام عبد الحميد كمخرج.
عنصر التمثيل هو العنصر الأهم فى هذه النوعية من الأفلام، خفة ظل الممثلين وقبولهم هو عامل أساسي في نجاح الفيلم من عدمه، فى "الغسالة" هذا العنصر ليس متفوقًا بالقدر الكافي، فهناك اختيارات ليست موفقة كهنا الزاهد التي كانت تحتاج لدراسة الشخصية أكثر والاهتمام بتفاعل شخصيتها مع باقي الشخصيات وهو ما يولد الكوميديا فى هذا النوع كونها لا تعتمد على الإفيهات اللفظية فقط، وجزء من هذا الحمل يقع على عاتق المخرج أيضًا، ونفس الشيء بالنسبة لأحمد حاتم، الذي بالغ في إظهار جانب الساذج العبقري علميًا لكنه فاشل اجتماعيًا أو كما يصطلح على تسميته في اللغة الدراجة الأمريكية Nerd.
ذلك فى مقابل اختيارات جيدة كونت ثنائيات ناجحة داخل الفيلم مثل سلام وأبو ليلة، أحمد فتحي ومحمود حميدة، مع أن الأخير قدم أداء منفرد أفضل من جيد كالمعتاد يتخطى الجميع بفهمه للشخصية وترجمته لها أدائيًا خلافًا لبيومي فؤاد الذي ظهر بشخصية والد عمر، هاشم والذى جاء مكررًا مجاملاً لفريق عمل الفيلم بشكل يضره ويضر العمل، ولنعرف حجم التأثير السلبي يمكن مقارنة أداء بيومي بأداء ضيوف شرف آخرين هم على الطيب ومحمود الليثي وسامي مغاوري ظهروا بمساحات أقل وقدموا أداء أفضل، نفس الشيء ينطبق على محمد ثروت والذي يسير بخطى ثابتة على نفس نهج بيومي فؤاد بشكل يضر من موهبة كلاهما وحضورهم، فمجرد وجودهم كمجاملات فى أعمال الأصدقاء كدعم يضعف من ظهورهم ، خاصة أن هذا الظهور يكون باهتًا ومكررًا لا يتناسب مع قدرات كلاً منهما.
الفيلم كما ينتصر لمدرسة المهندس، إلا أنه يعتمد فى تصميم إنتاجه على الشكل الأمريكي، لذلك يبدو الديكور والملابس والبيئة العامة للفيلم ليست أصيلة وبعيدة عن الروح المصرية، هذه التغريبة أصبحت سمة عامة فى كثير من الأعمال ليست مقتصرة فقط على "الغسالة" بل تتخطاه لعدد كبير من الأعمال ظهرت فى الفترة الأخيرة متفاوتة في الجودة وبدرجات مختلفة في التغريب.