رؤية نقدية ـ "الحارث"..فيلم رعب أفسدته لعنة درامية وأداء باهت!
"الحارث" هو ثاني إنتاج سينمائي مصري حديث يصدر في زمن وباء (كوفيد-19) ولا يمر على قاعة السينما، ولا يؤثر على شباك التذاكر بالإيجاب، ويذهب مُباشرة إلى منصة "شاهد" الرقمية، وكان الأول فيلم "صاحب المقام"، الذي بدأت المنصة عرضه في أول أيام عيد الأضحى الماضي، ومع استمرار الوباء دون علاج تسير السينما في طريق المزيد من التمسك بالتباعد الإجتماعي، ويزداد غياب الجمهور عن قاعات العرض، وتخلو أدراج شباك التذاكر من الإيرادات الضخمة، وهذه عوامل تطرح المنصات كملاذ مؤقت وآمن للسينما التي تواجه مصيراً إقتصادياً أكثر رعباً من أحداث فيلم "الحارث".
حكاية ابن الشيطان!
فيلم "الحارث" هو أول أعمال المخرج "محمد نادر"، ويُقدم فيه حكاية تنتمي لأجواء الماورائيات والقوى الغامضة وأجواء الرعب، وهى نوعية لا تزال جديدة على السينما المصرية، ومثل هذه النوعية لها سوابق قديمة قدمتها السينما المصرية في الثمانينيات على سبيل التغيير في أعمال مثل "الانس والجن" و"التعويذة"، وحديثاً ظهرت أعمال طموحة مثل "الفيل الأزرق" بجُزأيه، ولكنها لا تزال مُجرد اجتهادات تحتاج المزيد من الخيال والإتقان، ورفع سقف الإبداع.
كتب قصة فيلم "الحارث" "محمد عبد الخالق" وكتب السيناريو والحوار "محمد إسماعيل أمين"، والفكرة التي اعتمدت عليها دراما الفيلم هى حكاية ابن الشيطان الذي يأتي من نسل أنثى بشرية رغماً عنها، وهى فكرة قُدمت في العديد من أفلام الرُعب، ومن أهم النماذج السينمائية التي تناولتها فيلم المخرج "رومان بولانسكي" بعنوان Rosemary's Baby "طفل روزماري"، إنتاج 1968، ويتناول قصة زوجة شابة ترغب في الإنجاب، ويتصادف أن تسكن وزوجها في شقة مُجاورة لزوجين لطيفين من العجائز، ولا تعرف الزوجة الشابة أنهما من أتباع الشيطان، ويتمكنا من تخدير الزوجة ومُساعدة الشيطان على الاعتداء عليها، وتحمل المرأة طفلاً تظنه من نسل زوجها، وشيطان فيلم "الحارث" تعود جذوره لأسطورة يؤمن بها أهل منطقة سيوة في مصر، وهى ظهور الشيطان في يوم محدد كل عام، واختياره فتاة حتى تنجب منه طفلاً، ويبدأ الفيلم بحادثة تعود لعام 1982، وهو العام الذي ظهر فيه الشيطان وأنجب طفلاً من "أسماء أبو اليزيد"، ويكتشف زوجها "عمرو عبد الجليل" الأمر ويحاول التخلص من زوجته وطفلها ولكنه يفشل بعد تدخل الأهالي.
فيلم اللعنة ولعنة الفيلم
المُقدمة الافتتاحية هى أفضل ما قدمه الفيلم على مستوى الأداء والحالة الدرامية والصورة والإضاءة وأداء الممثلين، وتحدث نقلة زمنية لنفس المكان في عام 2012 بعد تحوله إلى منتجع سياحي لا يستخدم التكنولوجيا، ويحضر الزوجين الزوجين "يوسف-أحمد الفيشاوي" و"فريدة-ياسمين رئيس" لقضاء شهر العسل، ويدور بينهما وبين أحد العاملين حديث عن الأسطورة، ثم ننتقل إلى عام 2019 حيث نتابع حياة الزوجين وابنهما الصغير الذي لا يتكلم رغم عدم وجود سبب عُضوي لذلك.
البداية الجيدة أصابها نوع من الفتور في النقلة الزمنية الثانية، وبدأت تنهار تدريجياً في أحداث الزمن المعاصر، وذلك مع بداية ظهور ضعف الحبكة الشديد، وعدم قدرتها على التطور وسد الثغرات المنطقية بها، فنحن أمام نقلة زمنية لزوجين في حالة حب في مشهد شهر العسل، وبعدها بسنوات نراهما في حالة فتور عاطفي، دون أن تصلنا تفاصيل هذا التحول أو حتى مبررات لنتعايش مع حالتهما النفسية الجديدة، وتتوالى مظاهر لعنة غامضة تؤثر على سلوك الطفل والأم والزوج، وتطول حالة الغموض دون أحداث مؤثرة تقريباً باستثناء حادث الطفل، وتدخل الزوجة في حالة من الإكتئاب والهلاوس، وكذلك الفيلم الذي يدخل في حالة من اللامبالاة الدرامية تؤثر على المُشاهد؛ فنحن لا نهتم كثيراً بما يحدث للأبطال لأنهم لا ينقلون مشاعرهم بصدق على الشاشة، ولأن الأحداث والمفاجآت المخيفة أصبحت مُتوقعة بسبب التمهيدات الطويلة، كما أن التوقعات نمطية للغاية؛ فكل الحبكة تُسلط الضوء على شخصية الطبيب "على الطيب"، ولم يكن الكشف عن حقيقته مفاجئاً، ولم تكن مشاهد الهلاوس مخيفة للمتلقي لأنها لم تكن مُخيفة للشخصيات داخل الفيلم، ولأن ظهور ظل على حائط أو طرقعة أصابع لا تكفيان للرعب، وبغياب التشويق والقلق والرعب لم تعد المُشاهدة جذابة أو مثيرة للاهتمام على الإطلاق.
حضر الممثلون وغاب الأداء
غاب توجيه المخرج للممثلين فكانوا في أسوأ حالاتهم، وكأنهم في بروفة أولية لقراءة الحوار، وهذا الأداء الكارثي شوه إنفعالات الشخصيات الرئيسية، وبشكل خاص شخصية الزوج والزوجة، وكان مقبولاً بعض الفتور في أدائهم بعد الفاجعة التي أصابتهما في ابنهما الوحيد، ولكن مع تطور الأحداث ومرور فترة من الزمن أصبح الأداء خاملاً بصورة كبيرة، وكان الفيلم الذي يعاني درامياً يحتاج إلى أداء يعبر عن مشاعر الأم المكلومة والأب الذي يشعر بالذنب، ولكن أداء "ياسمين رئيس" لم يعكس أى من هذا، وقدم "أحمد الفيشاوي" أداء يشبه أداء شخص تحت تأثير مُخدر طبيب الأسنان، وكل منهما يردد جمل حوارية ضعيفة، ومن المؤكد أن كلا من "الفيشاوي" و"رئيس" يمكنهما تقديم أداء ونتيجة أفضل مما ظهر على الشاشة، ونفس الشىء ينطبق على الممثل "على الطيب" الذي لم تكن هناك نقلة محسوسة بين شخصيته في بداية الفيلم وحقيقته التي نراها لاحقاً في الأحداث، وكان "باسم سمرة" أقل ضيوف الشرف حظاً، وحضوره يشبه الغياب، وكلما ظهر على الشاشة تنتظر منه شيئاً يبرر قبوله لهذا الدور الهامشي، لكن لا شىء يحدث، وهذا الأثر لا يختلف كثيراً عن العناصر الفنية للفيلم؛ فلمسات الصورة الجيدة والإضاءة والموسيقى التصويرية موجودة دون تأثير قوي أو رؤية إخراجية.
كل ما قدمه الفيلم يندرج تحت مُسمي البروفات والإعدادات الأولية، والكتابة المبدئية، وربما لو تمت مراجعة عناصر الكتابة والأداء والتنفيذ كان من الممكن أن يصل الفيلم إلى مرحلة جيدة، قدم المخرج لمحات هنا وهناك تُشير لإمكانياته، ولكنه لم يتمكن من السيطرة على حالة الفيلم، وكانت النتيجة النهائية مًشوشة وغير جذابة.