فيلم The Power of the Dog.. صفير "بيندكت كامبرباتش" الذي يثير الخوف!
قدمت السينما عدد كثير من الأدوار التي تُصور شخصيات ذُكورية صارمة ومُخيفة، وهناك عدد قليل منها نقل هذا الخوف من الشاشة إلى المُتفرج، ولا يعود ذلك إلى إستخدام الممثل لعضلاته، بل إلى الأداء المشحون بالقدرة السيكولوجية على إرهاب الأخرين وترويعهم. لا ننسى السيرجنت الصارم "أر.لي.إيرمي" في فيلم Full Metal Jacket، ومُدرب الموسيقى صعب الإرضاء "جيه.كيه.سيمونز" في فيلمWhiplash ، وبلطجي القرية المُخيف "محمود مرسي" في فيلم "شيء من الخوف"، وغيرهم كثيرون، وكل شخصية من هذه الشخصيات ترسم نموذجها الخاص من الرجولة، وبغض النظر عن نوايا كل شخصية، إلا أنهم يشتركون في إستغلال الكاريزما الشخصية لإجبار الأخرين على طاعتهم والخضوع إليهم.
"فيل بوربانك" وشيء من العدوانية
ينتمي فيلم The Power of the Dog إلى أجواء الويسترن الأمريكية، ولكنه يقدم سرداً مُختلفاً لحكاية الكاوبوي الصارم "فيل بوربانك-بيندكت كامبرباتش"، وطبيعة شخصيته القاتمة، وعلاقاته المُرتبكة بالشخصيات المحيطة به. يميل الفيلم إلى الغموض، والحوار القليل، ويستخدم الصورة والموسيقى وزوايا التصوير كأساس للتعبير عن حالة الشخصيات.
درامياً لا يوجد صراع صارخ على السطح، ولكن التوتر حاضر في كل مشهد كأنه نبضات قلب سريعة لا تتوقف؛ والسبب هو نزعة التنمر التي تُسيطر على "فيل"؛ وتجعله ينظر بإستخفاف إلى من حوله.
تتمحور الأحداث حول "فيل"، وهو يُدير مزرعة لتربية المواشي في مونتانا الأمريكية، وتدور الأحداث خلال عام 1925، وتصبغ ملامح بدايات القرن العشرين الفيلم ببعض الحداثة؛ فالمزرعة تدخلها الكهرباء، وتوجد بها سيارة، و"جورج-جيسي بليمونز" شقيق "فيل" عائد من المدينة ليشارك في إدارة المزرعة، وهو شخص لا يُجيد التعبير عن مشاعره بالكلام، لكنه مُهذب للغاية ومُتفهم لمشاعر الأخرين، على العكس تماماً من شقيقه.
يبدأ الصراع حينما يتزوج الشقيق اللطيف من "روز-كريستين دانست"، الأرملة الشابة التي كانت تعمل في حانة، ويُحضرها إلى المزرعة مع إبنها المراهق "كودي سميت ماكفي"، ووجود "روز" وإبنها يكون بداية لحملة الإرهاب النفسي التي يقودها "فيل" ضدهما، ويكفي صفيره المتكرر بذلك اللحن الذي فشلت "روز" في تعلم عزفه على البيانو لتحطيم أعصابها.
حرب نفسية وأجواء الويسترن
الإيقاع البطيء للأحداث جزء من مود السرد الذي يرسم حياة المزرعة الروتيني، والطبيعة الجميلة التي تعكس أجواء هادئة ومُسالمة، وذلك على عكس أجواء الحرب النفسية التي يشنها "فيل" على زوجة شقيقه وإبنها، والتي سممت أجواء المكان بالكراهية الصامتة. رغم السلبية البادية على باقي الشخصيات، والتي تجعل "فيل" دائم السيطرة على كل شيئ/ لكن تلك الحالة تتغير مع مرور الأحداث، وتنتهي بنهاية الفيلم الصادمة، والتي تجعل المُشاهد يعيد النظر في قراءة شخصياته مرة أخرى، ويحاول فك غموض وتعقيد الدراما التي كانت بخيلة في تفسير كثير من التفاصيل.
الشخصية الذكورية التي رسمها "بيندكت كامبرباتش" بأداء قوي ومتماسك تُخفي الكثير من الأسرار في أعماقها؛ فرعم ظهوره بهيئة الكاوبوي الخشن الذي لا يهتم بالإستحمام، أو إستعمال القفازات وهو يتعامل طبياً مع الحيوانات، لكن تلك القشرة الصارمة هشة في حقيقتها، وهى رداء يُخفي به شعوره الداخلي بأزمة تُهدد هيبته وصورته أمام الأخرين؛ وهى ميوله المثلية الخفية، وهى مشكلة لها أبعاد إجتماعية كبيرة في ثقافة ذلك الزمن؛ وهذا يجعل سلوك "فيل" وقسوته يبدو إنتقاماً عكسياً من ضعفه الشخصي، وهو يُسقط كل مشاعره الساخطة على كل شخص ضعيف حوله.
تجربة مُشاهدة صعبة
"فيل بوربانك" شخص يبدو عدوانياً وقذراً وكاره للضعفاء، ولكنه يُخفي في ثنايا سلوكه الخشن حقيقة إغترابه ووحدته الشديدة وكراهيته لنفسه، والفيلم يقدم تحليلاً سينمائياً عميقاً لهذه الشخصية الغير مريحة، وقد نجح الفيلم في عكس المشاعر المتناقضة إزاء شخصية "فيل" الذي يصنع حاجزاً سميكا بين وبين والديه وشقيقه، ولكنه يجد ما يشبه بارقة أمل إنسانية في شخصية المراهق "بيتر"؛ فهو يكتشف أن الفتي رغم هشاشته أقوى من سخريته وأذكى مما توقع؛ ولهذا يُحاول أن ينقل إليه بعض من خبراته كصاحب مزرعة بارع.
الفيلم ربما لا يكون من الأعمال الدرامية السهلة أو المُريحة في المشاهدة، ولكنه يُمثل حالة من الدراما النفسية التي تُصور الداخل الضبابي للنفس البشرية.
المخرجة النيوزلندية "جين كامبيون" حصلت على جائزة الأسد الفضي عن الإخراج في دورة مهرجان فينسيا الأخيرة عن الفيلم، وهو أول إنتاج نيوزلندي لشبكة نتفليكس، والفيلم مأخوذ عن رواية "توماس سافاج" بعنوان The Power of the Dog التي كتبها عام 1967، وربما يكون لأداء " بيندكت كامبرباتش" نصيب في ترشيحات الأوسكار القادم.