خاص "هي" - أفلام مهرجان كان 2022: "زوجة تشايكوفسكي".. أو زواج ضار جدًا بالصحة

ضمن مسابقة الدورة 75 لمهرجان كان السينمائي، يعرض فيلم "زوجة تشايكوفسكي" (Tchaikovsky's Wife) للمخرج الروسي كيريل سيريبـريـنـيكوف، الذي يعود للمشاركة في مسابقة المهرجان السينمائي الأهم للعام الثاني على التوالي بعد أن شارك بفيلمه السابق "أنفلونزا بيتروف" (Petrov's Flu).

بينما يتبنى المهرجان موقفًا واضحًا تجاه الحرب الروسية على أوكرانيا، فإنه استثنى هذا الفيلم الروسي من المقاطعة، نظرًا لكون مخرجه معارضًا للحرب، ويعيش حاليًا في ألمانيا. في حالات مثل هذه عادة ما تُطرح التساؤلات حول إذا ما كان مستوى الفيلم هو السبب في تواجده في المسابقة أم موقف المخرج.

زاوية مختلفة

تدور أحداث الفيلم في بداية القرن الـ19، عن زوجة الموسيقار الكبير تشايكوفسكي، أنطوانينا، التي تتعلق به منذ شاهدته للمرة الأولى، وتسعى للزواج منه بكل الطرق، لكنه سرعان ما يرغب في الانفصال عنها بعد الزواج مما يدخلها في اضطرابات نفسية شديدة.

لن تتوقف السينما عن تقديم أفلام تتابع الشخصيات التاريخية، لكن مع تعدد الأفلام وكثرة الشخصيات التي تُقدم دراميًا، يحاول بعض الصُنّاع تقديم زاويا مختلفة أو طرق سرد جديدة للحديث عن هذه الشخصيات. هكذا نجد المخرج وكاتب السيناريو سيريبـريـنـيكوف لا يقدم لنا تشايكوفسكي وإبداعاته ومسيرته الفنية، أو حتى أزماته المادية، لكنه يقدم لنا زوجته، ومن خلالها نتعرف على بعض التفاصيل عن هذا الموسيقار.

لكننا لا نعني هنا أن أنطوانينا كانت مجرد ظلٍ لتشايكوفسكي، بل على العكس، كانت هي الشخصية الرئيسية، بينما نتابع ما فعله حبه ثم الزواج منه بها. هذا الاختيار المختلف إنما يعطي بُعدًا أكثر إنسانية للشخصية المشهورة، وفي الآن نفسه يطلعنا على وجهة نظر المحيطين به وهو ما يجردهم من هالة المثالية الزائفة. يذكرنا هذا بما قدمه المخرج الراحل ميلوش فورمان في رائعته "أماديوس" (Amadeus) عندما قدم لنا الموسيقار موتزارت من وجهة نظر موسيقار منافس هو سالييري.

من الجاني؟

في الفصل الأول من الفيلم، نجد طرحًا رومانسيًا وقصة حب متأججة، لكنها من طرف واحد. أنطوانينا تقع في حب تشايكوفسكي من أول نظرة، وتحاول بشتى الطرق أن تدفعه للزواج منها، بينما يفعل هو العكس تمامًا، إذ يحاول الهروب منها بكل طريقة ممكنة، لكنه في النهاية يستسلم. رغم هذه المطاردة فإننا لا يسعنا إلا القول إنها كانت تحبه بشكل حقيقي، وبذلت الكثير من المجهود حتى تكون زوجة صالحة، بالمعنى التقليدي للكلمة آنذاك.

هنا ينبغي أن نتوقف عند إشارة الفيلم في بدايته إلى أن المرأة آنذاك لم تكن تملك الكثير من الحقوق، مثل التصويت في الانتخابات، وحتى في جواز السفر كانت تُضاف على جواز زوجها. لكننا سريعًا ما نجد أننا أمام نموذج مختلف للمرأة في هذا العصر، إذ أن أنطوانينا شابة شبه مستقلة، تبادر هي للاعتراف بحبها وتسعى وراء من تحب، ثم تسعى بكل الطرق لتوفير المال المطلوب لإتمام الزواج، ولا تتنازل عن زوجها مهما كلفها الأمر، وهي أمور تبدو استثنائية حتى بمقاييس زمننا الحالي في بعض الدول بالطبع، والتي تكون فيها المرأة، خاصة في ما يتعلق بأمور الزواج، صاحبة رد الفعل وليس الفعل.

لكننا في الآن ذاته لا يسعنا ألا نلتفت إلى أن تمسكها بزوجها كان يصل إلى حد الهوس، فحتى بعد أن طلب منها بوضوح الانفصال عنه وهجرها، فإنها لم ترغب أو توافق على إتمام إجراءات الطلاق. وحتى مع دخولها هي في حالة نفسية شديدة الاضطراب، وإقدامها على أفعال لا تشبه شخصيتها فإن هذا لم يجعلها تتزحزح عن قرار التمسك بالزواج للنهاية.

هذه الملامح المتداخلة في شخصية الزوجة، تتكرر أيضًا في تشايكوفسكي نفسه. في البداية يصعب التعاطف معه مع الشعور بأنه يوافق على الزواج ليستغل زوجته ماديًا فقط، ثم يتعزز شعور المشاهد نحوه بعدم الارتياح عندما نعلم أنه تزوجها فقط للمداراة على ميوله المثلية. لكن في النصف الثاني من الفيلم، ومع استمرار زوجته في مطاردته ينشأ بعض التعاطف معه، وإن كان ليس كافيًا لمغفرة ما فعله في النصف الأول.

كتابة الشخصيات بهذه الطريقة التي تجعلنا لا نستطيع معها أخذ موقفٍ محددٍ منها، إنما هي من أفضل عناصر الفيلم، إذ تمنح الشخصيات أبعادًا إنسانية، وتجعل المشاهد يشعر بصدقها.

أطول من اللازم

يعتمد المخرج أسلوبًا بصريًا شديد الجمال منذ لقطات الفيلم الأولى، يظهر بوضوح كيف يستغل كل عناصر الصورة لصناعة مشاهد ممتعة بصريًا، ودون مبالغة أو فرض للصورة على حساب المضمون. لكن هذه الجمال لم يكن كافيًا ليغفر للفيلم طول مدته، حوالي ساعتين ونصف الساعة، إذ أن الكثير من الأحداث أخذت وقتًا أطول من اللازم، وخاصة في نصف الثاني عندما وصلنا إلى مرحلة الانفصال. يعد هذا هو الفصل الأضعف في الفيلم إذ أننا ظلننا ندور داخل نفس الدائرة لوقت طويل دون إضافة تحسب سوى المزيد من الاضطرابات التي تمر بها الزوجة. 

يعرض الفيلم في بدايته يعرض لنا جانبًا من هذه الاضطرابات، إذ تذهب أنطوانينا لإلقاء نظرة أخيرة على جثمان زوجها لتجده ينهض من موته ويطلب منها الخروج من الغرفة. توقعنا أن تصاحبنا هذه الاضطرابات أو هذا الطرح السريالي في بقية الفيلم، لكنه اختفى حتى قرب النهاية تقريبًا مما جعل المشهد الافتتاحي يبدو غريبًا بعض الشيء.

فيلم "زوجة تشايكوفسكي" من الأفلام التي من الممكن مشاهدتها للاستمتاع ببعض التفاصيل الفنية، لكنه كان في الكثير من الأحيان بخيلًا في ما أراد أن يعرضه أو وعد به في بدايته. 

الصور من الموقع الرسمي للمهرجان