خاص "هي"- مهرجان كان 2022: فيلم Decision to Leave.. مشاهدة واحدة لا تكفي
بعد نحو 6 سنوات منذ فيلمه السابق "The Handmaiden" (الخادمة) الذي شارك في مسابقة مهرجان كان عام 2016، يعود المخرج الكوري الجنوبي المميز بارك تشان ووك مرة أخرى لمسابقة المهرجان الأهم في دورته 75، هذه المرة بفيلم "Decision to Leave" (قرار المغادرة)، الذي فاز به بجائزة أفضل مخرج في دورة المهرجان 2022.
تشان ووك بأفلامه التي حملت طابعًا عنيفًا وتركيزًا على تيمة الانتقام، تفجرت شهرته بشكل أكبر بعد حصوله على جائزة لجنة التحكيم الكبرى أيضًا من مهرجان كان عام 2003 عن فيلمه "Oldboy" (أولدبوي)، الذي حقق نجاحًا عالميًا حتى أن المخرج سبايك لي صنع نسخة أمريكية منه عام 2013.
بعد أن انتهى تشان ووك من ثلاثية الانتقام الشهيرة، يأخذنا في أحدث أفلامه في عالم يمتزج فيه الحب والقتل معًا.
إعادة تطوير النوع
تدور أحداث الفيلم عن الضابط المتخصص في جرائم القتل تشانج هاي وون (بارك هاي إل)، يحقق في مقتل شخص سقوطًا من الجبل، وهو ما يبدو بسهولة كحادثة، لكنه يشك في الزوجة ذات الأصول الصينية سونج سيو ري (تانج وي)، والتي تصغر الزوج الميت بعدة أعوام، ولهذا يصر على استكمال التحقيق ومراقبتها حتى يصل إلى حل القضية.
"قرار المغادرة" ينتمي لأفلام المحققين "Detective Films" بشكل واضح، نتعرف مع بداية الفيلم على الضابط وعالمه الشخصي، قبل أن ننتقل سريعًا إلى جثة الموظف التي ستقلب حياة الضابط تمامًا. تعتمد الأفلام من هذا النوع على حبكة مشوقة، وشديدة الذكاء، تجعل المشاهد مرتبكًا طوال الوقت، يلقي بالاتهامات هو الآخر على بعض الشخصيات أو يبرئ بعضها الآخر. كلما ازدادت القضية تعقيدًا، كلما أصبحت ممتعة أكثر للمشاهد.
يكسر الفيلم هذه القاعدة الأخيرة نسبيًا، فالتحقيق ليس بهذا التعقيد، لدينا مشتبه به واحد هو الزوجة، وأغلب الدلائل بالفعل تشير لسقوط الزوج نتيجة حادث وليس بتدبير. لكننا نكتشف تدريجيًا أن الأمر ليس بهذه السهولة، إذ أن القضية البسيطة تأخذ مجهودًا أكبر من اللازم من المحقق حتى يستطيع أن يغلق ملفها.
من الأمور الشهيرة في أفلام المحققين، وخاصة في نوع "النوار" هو وجود امرأة جميلة يقع البطل المحقق في حبها، وعادة ما تعيق التحقيق بشكل ما، وهو ما يتواجد في "قرار المغادرة" أيضًا وإن كان الاهتمام بالمشاهد الرومانسية يجعلها مشاهد خاصة كأنها تنتمي لفيلم رومانسي بالفعل، وليست مجرد علاقة ثانوية في داخل الفيلم.
ربطت بعض المقالات بين الفيلم وأفلام هيتشكوك، وخاصة فيلم "Vertigo" (دوار) الذي يعتبره الكثيرون أفضل أفلامه، وأحد أفضل الأفلام بشكل عام. لا يبدو أن هناك تأثر واضح بهيتشكوك تحديدًا، لكننا لا يمكن أن نغفل كيف يهتم بارك تشان ووك بالتعبير البصري خاصة منذ بداية الفيلم، وهو الأمر الذي كان من العلامات المميزة لفيلم "دوار" وكُتبت فيه الكثير من التحليلات حول كيفية التعبير بحركة الكاميرا واستخدام الألوان للتدليل على الكثير من الأمور التي لا تبدو على السطح.
تجربة سينمائية متكاملة
تتضارب كثير من الآراء حول قيمة الأفلام الفنية وأفلام النوع الجماهيرية، بينما ينجح بعض المخرجين في صناعة أفلام ترضي الفريقين، ومنهم بالتأكيد تشان ووك، وخاصة في هذا الفيلم. من يحب مشاهدة أفلام التشويق والتحقيقات، فسيجد في الفيلم مراده مع وجود أكثر من قضية يتابعها، والعديد من الدلائل، ومن يرغب في مشاهدة فيلم فني (Art-house) سيجد مراده هنا أيضًا.
بينما تنتهي بعض أفلام الجريمة أو التحقيق بمعرفة حل اللغز والكشف عن القاتل، لا يبدو أبدًا أن "قرار المغادرة" هو من هذه الأفلام، بل إن إعادة مشاهدته سريعًا ستصبح أمرًا تلقائيًا لدى الكثير من المشاهدين، ليس فقط لمزيد من الإلمام بتفاصيل القضية وطريقة حلها، ولكن للاستمتاع بالشكل البصري المميز الذي يسرد به تشان ووك حكايته، هذا الأسلوب الذي يجعله يتخطى حواجز الزمان والمكان بسلاسة في كثير من المشاهد، كما لو أنه يبتكر في كل مرة طريقة لانتقال المحقق من مكان لآخر أو ليجعلنا ندخل داخل ذهن هذا الأخير.
لا يمكن أيضًا تجاهل استغلاله المميز للتكوينات للتعبير عن عمق محتوى المشهد، وخاصة في التتابع الأخير قبل نهاية الفيلم والذي يستغل فيه الطريق المؤدي للبحر بشكل خاص يمهد لنهاية غير متوقعة.
فيلم "قرار المغادرة" يمثل عودة لائقة للمخرج الكوري الجنوبي المميز، ومن المرجح أن يكون من الحائزين على إحدى الجوائز في المهرجان لهذا العام.