خاص "هي"_ مهرجان كان 2022: فيلم "Broker".. أن تعيد تدوير أفلامك السابقة

يستمر المخرج الياباني الكبير هيروكازو كوري إيدا في العمل خارج بلده للفيلم الثاني على التوالي بعد أن قدم عام 2019 الفيلم الفرنسي "The Truth" (الحقيقة) الذي افتتح مهرجان فينيسيا آنذاك، بينما يأتي فيلمه الأحدث "Broker" (وسيط) من كوريا الجنوبية، والذي يعود من خلاله للمشاركة في مسابقة مهرجان كان في دورته 75، بعد أن حصد سعفة المهرجان العريق في عام 2018 بفيلمه "Shoplifters" (سارقو المتاجر).

بينما تبدو عودته إلى الكثير من مميزات أسلوبه السينمائي في هذا الفيلم، فإنه لا يخلو أيضًا من تكرار واضح لبعض التيمات التي قدمها ربما بشكل أفضل في أفلامه السابقة.

فيلم borker

من يحب الطفل؟

تدور أحداث الفيلم في كوريا الجنوبية، حين نشاهد أمًا تضع طفلًا رضيعًا عند ملجأ به موضع مخصص لترك الأطفال الذين يريد أهلهم التخلي عنهم. يختطف الطفل فردين يعملان كوسطاء مع العائلات التي ترغب في تبني الأطفال بعيدًا عن الطرق الرسمية، في مقابل مادي. في الوقت الذي تعود فيه الأم لمعرفة مصير طفلها، تتابع الشرطة المشهد عن كثب للإيقاع بهذه العصابة.

في نصفه الأول بالتحديد، يرتفع الشعور بأننا أمام فيلم تشويق، تتسابق فيه الأطراف الثلاثة (الأم - الوسيطين - الشرطة) للوصول كلٌ إلى هدفه، الأم التي كانت تود أن تترك الطفل في الملجأ باتت تتعاون مع الوسيطين/الخاطفين لتطمئن على وصول إلى الطفل إلى أسرة تعتني به، والوسيطان يرغبان بالطبع في تسليم الطفل للأسرة التي تدفع أكثر، بينما الشرطة ترغب في الإيقاع بهما متلبسين ولهذا تنتظر الوقت المناسب للقبض عليهما، حتى أن إحدى الضابطتين تقول للأخرى في أحد المشاهد "أشعر أننا بتنا نرغب في أن يسلم الخاطفين الطفل لإحدى الأسر بأكثر مما يرغبان هما أنفسهما في ذلك".

سيجد المشاهد نفسه ينجذب تلقائيًا لهذه الحبكة، ويرغب في معرفة مصير الطفل، وهل ستُلقي الشرطة القبض على العصابة أم لا، خاصة مع وجود بعض التحولات في اتجاه الشخصيات خلال الأحداث ولكننا في لحظة معينة، وخاصة في النصف الثاني من الفيلم سنجد أنفسنا نتوقف لنسأل سؤالًا واحدًا: أين المنطق في ما يحدث؟

لدينا فكرة طريفة بالفعل، وكالعادة يبرع كوري إيدا في رسم الشخصيات إذ نجد أننا نتعاطف مع كل شخصية رغم اختلاف ظروفها ودوافعها، بما في ذلك اللذين اختطفا الطفل، لكننا مع الوقت سنجد أن الأمور تسير بسلاسة أكبر من اللازم، فالأم تتفق سريعًا مع الخاطفين، دون مقاومة تذكر لفكرة أنهما اختطفا ابنها، حتى مع الأخذ في الاعتبار أنها تخلت عنه وتركته في ملجأ. والخاطفين ينصاعان سريعًا لرغبة الأمر في تحديد الأسرة التي "سيبيعوا" لها الطفل، وهو أمر غير منطقي بحال، فحتى لو كانت هذه العصابة الصغيرة ذات مبادئ، ولا تترك الأطفال لمصير سيئ، لكنها في النهاية عصابة، وتمارس عملًا غير قانوني، وبالتالي فالمثالية التي شاهدنها كانت زائدة عن الحد.

فيلم borker

هذه التفاصيل بالإضافة إلى الحس الكوميدي الذي لا يمكن إغفال جودته، إنما منحت في بعض الأحيان شعورًا بأننا نتابع فيلمًا عائليًا خفيفًا، وهو ما ليس مشكلة في حد ذاته، لكن الأزمة أننا لسنا أمام فيلم كوميدي في المقام الأول، بل فيلم به بعض الكوميديا، في حين يُفسح المجال بشكل أكبر للشخصيات وتفاصيلها، بجانب أن الموضوع نفسه لا يخلو من مأساوية واضحة، فنحن نشاهد متاجرة تحدث على طفل لا يملك مصيره. عندما نعيد ترتيب هذه الأمور، سنجد أن العمل في الكثير من المواضع كان يتعامل بخفة لا يمكن إغفالها مع منطقه، بينما كان أيضًا يقدم حلولًا أسهل من اللازم للكثير من الأزمات بشكل لا يليق بالحالة العامة للفيلم، ولا يليق باسم مثل كوري إيدا.

شوهد من قبل

رغم هذا فإن الفيلم لا زال قابلًا للمشاهدة بالفعل، ويمتلئ بالكثير من المشاعر واللحظات المؤثرة، لكن الأزمة الأخرى التي ستواجه بعض المشاهدين، هي أن كوري إيدا يعيد تدوير نفسه بشكل واضح، خاصة فيلمه الشهير "سارقو المتاجر". فمرة أخرى نحن أمام أفراد يخالفون القانون، لكن العلاقة بينهم وبين بعضهم في غاية الحميمية واللطف، حتى أننا سنشعر بالرغبة للانتماء إلى هذه الأسرة من الخاطفين. أمر آخر يتكرر هو فكرة وجود طفل لا ينتمي لأسرة الخاطفين لكنهم يعاملونه بعناية فائقة، وهو ما كان موجودًا أيضًا في في الفيلم الآخر.

فيلم borker

كما ذكرنا في البداية، كوري إيدا يعود إلى العالم الذي يفضله، حيث محاولات تحليل الأسرة وتفكيك العواطف البدائية جدًا، وإعادة تقديمها للمشاهد بوجهة نظر غير معتادة، وليس من الجديد أن نشاهد مخرجًا يعيد تقديم بعض الأمور من أفلامه السابقة، لكننا بنظرة بسيطة على هذا الفيلم سنجد أن الأمر يتجاوز مجرد خيالات من أفلامه السابقة تعود للظهور بشكل عابر، بل وكأننا نشاهد اقتباسًا لفيلم السابق بشكل ما.

قد لا تكون هذه مشكلة على الإطلاق إذا كنت لم تشاهد أفلام المخرج السابقة، لكن بالتأكيد إن كنت متابعًا مخلصًا للمخرج الياباني فإن هذه المقاربة ستكون منغصة للمشاهدة، حتى مع الوجود الكثير من العوامل الجيدة والممتعة في هذا الفيلم.

 

الصور من الموقع الرسمي لمهرجان كان السينمائي