تسليم أهالي.. الكوميديا تُحاول الوقوف على قدميها!
رغم كونه عملاً كوميدياً، إلا أن فيلم "تسليم أهالي" يحمل بعض الصور الحزينة المؤثرة على المشاهد؛ فهو العمل الأخير لفنانة لها بصمة جذابة في السينما والمسرح والتليفزيون؛ هى الراحلة "دلال عبد العزيز"، التي كانت في أفضل حالاتها الفنية، وهذا يزيد الحزن على فقدانها إنسانياً وفنياً، وهو الظهور الأخير لأسطورة كوميديا الإرتجال "سمير غانم"، والفيلم عُرض بعد فترة غياب الفنانة القلقة فنياً "دنيا سمير غانم" مدة ست سنوات عن السينما، كما أنه البطولة المطلقة الأولى للممثل "هشام ماجد" رغم عرض فيلمه "حامل اللقب" قبل "تسليم أهالي" الذي تعطل تصويره عدة مرات، ويأخذنا الفيلم بحالته تلك في رحلة بها مزيج من الكوميديا والأكشن والحزن على من رحلوا ليصنع حالة خاصة من التعاطي مع الفيلم.
ألعاب الأكشن والكوميديا!
قدمت "دلال عبد العزيز" واحداً من ألطف أدوارها الكوميدية فى شخصية الأم "بثينة"، وكانت مساحة دورها كبيرة ومؤثرة، والشخصية تحمل أوجه متناقضة وغير متوقعة، والكيمياء بينها وبين "بيومي فؤاد" جزء هام من عناصر نجاح الكوميديا بالفيلم؛ خاصة أن وجودهما في القصة جوهري وليس هامشياً، وتبدأ القصة من خلال قصة حبهما التي تصل إلى الإتفاق على الزواج، وهو أمر يؤثر على "زاهية أبو الزواحف-دنيا سمير غانم" إبنة "بثينة"، وهي شابة تسعى للزواج بأى طريقة ومن أى شاب صالح للزواج، ويحدث لبس حينما تظن أن حديث أمها عن حضور عريس لمنزلهما للتقدم للزواج يتعلق بها هي، وأن العريس هو خليل "هشام ماجد"، إبن الموظف الحكومي "صدقي-بيومي فؤاد" زميل الأم في العمل، و"خليل" طبيب شاب متبرم يسعى للهجرة إلى كندا، ولا يفكر في الإرتباط.
تنطلق الكوميديا في الفيلم من خلال الأربعة شخصيات الرئيسية؛ "بثينة" و"صدقي"، وهما ثنائي من كبار السن في حالة رومانسية يستعدان للزفاف، وثنائي "زاهية" و"خليل"، وكلاهما نقيض من الأخر، وتسعى "زاهية" بصورة فجة لإقناع "خليل" بالزواج بها، وبدا هذا الجزء من الفيلم أشبه بحكاية من حكايات "علا" بطلة مسلسل "عاوزة أتجوز"، ولكن "دنيا سمير غانم" قدمت الشخصية بخفة ظل، وصنعت من شخصية "زاهية" كاراكتر جذاب له ملامح نفسية وسلوكية خاصة؛ فهي شخصية ثرثارة مزعجة للغاية، ومنطقها ساذج ومثير للشفقة، ولكنها طيبة وجذابة في نفس الوقت.
صنع المخرج "خالد الحلفاوي" والسيناريست "شريف نجيب" مواقف كاريكاتورية ضاحكة لرسم ملامح شخصية "زاهية" التي تستميت من أجل الحصول على عريس، حتى أنها تذهب للعمل بشركة، وأول إهتماماتها السعى للحصول على ملفات الموظفين لإختيار عريس مناسب من بينهم، ومشاهدها مع مدير الشركة الحازم "نبيل الحلفاوي" كانت موفقة في التأسيس لحالة في الفيلم الذي يعتمد على التناقض، وخلق الكوميديا من تحولات الشخصيات المفاجئة.
تناقضات تسعى للإضحاك!
ليلة زفاف "بثينة" و"صدقي" تُمثل المفاجئة الأكبر للمشاهد، وتحول دراما الفيلم إلى حالة من المبالغات المُدهشة؛ فالفيلم بعد تقديم نصف ساعة من الكوميديا الخالصة ينقلب إلى الأكشن العنيف مع الحفاظ على الحالة الكوميدية، ويبرز هذا في المشاهد التي تصور مواقف تتناقض مع ما يحدث في خلفية المشهد، ومنها مشهد حوار وغناء "زاهية" و"خليل" في البلكونة في حفل الزفاف، وكلاهما يضع سماعة أذن ويستمع للموسيقى، بينما تدور في الخلفية أحداث صاخبة لا يشعر بها أى منهما.
تنتقل الدراما في الفيلم إلى حكاية مجوهرات مسروقة وصراع عائلي من أجل إستردادها، ويجد "زاهية" و"خليل" أنفسهما وسط مغامرة خطيرة غير متوقعة، وأن عليهما التعامل مع عصابات مُسلحة من أجل الحصول على المجوهرات؛ لحماية والديهما من القتل، وتكون المغامرة هى الوسيلة التي تفرض عليهما الإقتراب أكثر، وبينما تستمر مُحاولات "زاهية" الفوز بقلب "خليل" يقابل هو كل ذلك بفتور وضيق، وبالطبع علاقة مثل تلك تساعد على خروج كثير من الافيهات والمواقف الضاحكة.
ظهور عدد كبير من ضيوف الشرف كان داعماً للكوميديا، لكنه لم يكن موفقاً في كل الحالات؛ فلم يضف وجود "أحمد فتحي" شيئاً للفيلم؛ وهذا يعود لكتابة السيناريو السطحية للشخصية، ونفس الشيء في شخصية "محمد أوتاكا"، وحضور "عبد الله مشرف" لطيفاً، لكن دوره بلا قيمة، وقدم "محمد ممدوح" دور جيد ولكنه ليس استثنائياً، وكان دور "لوسى" مفاجئة وأدائها جذاباً، وأدوار "عمرو وهبة" و"محمد حسني" و"محمد طعيمة" لطيفة رغم صغر حجمها.
مُغامرة الكوميديا البصرية!
تعتمد الكوميديا في الفيلم على مزيج من الكوميديا اللفظية والحركية والتلاعب بالتناقضات، ومن المشاهد المعبرة عن مشهد ضيف الشرف "شيكو" في المستشفى، وهو مشهد أكشن، ولكن يتم تنفيذه حركياً وبصرياً ليتناغم داخل حالة الكوميديا بالفيلم.
هذا الإهتمام البصري نجده في إختيار القصر العتيق المخيف الذي تعيش فيه "كبائر-لوسي" وهى زعيمة عصابة، ورغم أنها شخصية مُخيفة ويرتعد منها الجميع، ومشهورة بدمويتها نجد أنها تحمل داخلها ضعفاً أمام الرجل السلطوي الذي يُهينها، وداخل المنتجع السياحي الراقي الذي يديره خبير العلاقات الزوجية شديد الدماثة "دكتور وفاء-محمد ممدوح" نجد تحولات أخرى مثيرة للشخصية.
يأتي فيلم "تسليم أهالي" في وقت تشهد فيه الكوميديا حالة من الضعف والهزال والفقر؛ ولهذا يبدو أفضل بكثير من أعمال كوميدية عُرضت خلال العام الحالي والماضي، وميزة "تسليم اهالي" أن نجومه لا يستعرضون عضلاتهم الكوميدية، وصوتهم ليس عالياً أثناء إلقاء الافيهات كأنهم ينتظرون تصفيق الجمهور. كوميديا الفيلم تصنع المواقف بلغة السينما؛ حيث الممثل والنكات يشارك في صناعتها أسلوب المخرج، ورؤية السيناريت، وحركة الكاميرا، ونقلات المونتير، والموسيقى التصويرية، وهى العناصر التي تنقل الفيلم الكوميدي من مجرد اسكتشات مسرحية تُصورها كاميرا، إلى فيلم سينمائي يستخدم أدوات السينما في التعبير.
الصور المرفقة من مشاهد الفيلم ومن انستغرام دنيا سمير غانم.