فيلم "Paradise Highway".. مُغامرة "جولييت بينوش" البطيئة على الطريق السريع!
أفلام الطريق من القوالب السينمائية التي تسرد قصصاً تدور أغلب أحداثها في الهواء الطلق، حيث تتحرك الكاميرا بعيداً عن جدران الاستديوهات المحدودة والديكورات المصنوعة، وبعض هذه الأفلام يشبه رحلة في سيارة أو سفر في قطار ينطلق بسرعة وسط الطبيعة الجذابة، ومن ميزات هذه النوعية أن المَشاهد الجميلة تضيف مُتعة وأجواء حيوية للحكاية، وترسم خلفية ساحرة للحوارات الطويلة بين الشخصيات، وقد تكون –أحياناً- التعويض الوحيد للجمهور في حالة ضعف الدراما، وإصابة المتفرج بالملل والخمول، تماماً مثلما يحدث في رحلات السفر على أية حال: ترى حولك الطبيعة الخلابة الملونة بدرجاتها الناعمة، وكذلك مساحات السماء الزرقاء والأفق الممتد، ولكن لا شىء مثير للإهتمام يحدث حولك.
قضية هامة وسيناريو سهل!
أغلب أحداث فيلم Paradise Highway تدور على الطريق السريع، وفي مواقف الشاحنات المختلفة، ومن خلال مُحادثات البطلة على أجهزة اللاسلكي مع صديقاتها السائقات الأخريات، وأيضاً حوارات ضابطى المباحث الفيدرالية المملة أثناء مطاردة عصابة إجرامية.
على مستوى الدراما يتناول الفيلم قضية هامة على المستوى الإنساني؛ وهى الإتجار بالبشر؛ وهى جريمة مُشينة لا تحظى بالكثير من إهتمام الأفلام والمسلسلات. شخصية الفيلم الرئيسية شديدة الإنسانية رغم ملامحها الحزينة الناقمة، وهى تُعبر عن مشاعرها أكثر مما تتكلم، وربما جذب ذلك الممثلة الفرنسية الأصل "جولييت بينوش" لبطولة الفيلم الذي كتبت قصته وأخرجته "آنا أوتو"، وهى كاتبة وممثلة من أصول نرويجية، وهذا هو عملها الطويل الأول.
دور "سالي - جولييت بينوش" يحمل ملامح درامية مُعقدة ورمادية؛ فهى أقرب لشخصية في رواية ميلودرامية تحمل داخلها كثير من الأحزان والأسرار، وهى امرأة هادئة ودودة، تُعيل نفسها من خلال قيادة شاحنة نقل بضائع على الطريق السريع، ولكنها تجد نفسها مُتورطة في عملية فوضوية لإحدى عصابات الإتجار بالبشر، ورغم أنها ضحية لكنها تُصبح دون قصد جزء من تفاصيل الجريمة.
السيناريو سهل للغاية، ورغم اللغة الشاعرية في تصوير المكان وشخصيتي "سالي" والطفلة "ليلى" لكنه لا يحمل حكاية سينمائية إستثنائية، وكل أحداثه تبدو كسرد عادي لحادثة إجرامية متكررة دون خصوصية في السرد والتناول، والقصة تدور حول نقل فتاة قاصر إلى عصابة تتاجر في البشر، وكالمتوقع تنمو علاقة بين الطفلة والسائقة تجعل المهمة صعبة، وتكون العلاقة بين الإثنين موازية لعلاقة السائقة وشقيقها، حيث يُفترض أنها تقبل القيام بالمهمة لحمايته من تهديدات عصابة.
متلازمة الإيقاع البطيء!
"سالي" تقود شاحنتها على الطريق السريع في روتين رتيب، وتقوم من حين إلى أخر بنقل طرود مشبوهة رغماً عنها، ولكن أعباء المهمة الأخيرة تكون أكثر مما تحتمل؛ فمهمة تسليم طفلة في الثانية عشرة من عُمرها إلى عصابة إتجار بالبشر أمر لا تستطيع قبوله بسهولة، ورغم رفضها في البداية لكنها تضطر إلى تنفيذ المهمة، ونتيجة تعقيدات تحدث أثناء عملية التسليم تُصبح هى والفتاة في خطر شديد مصدره العصابة، ويُضاف إلى ذلك مُطاردة المباحث الفيدرالية، ويتحول روتين "سالي" إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر.
تحرص "سالى" على ألا تفقد الطفلة؛ فهى وسيلة أمان شقيقها؛ ولهذا عليها التعامل مع تمرد الصغيرة وصخبها ومُحاولاتها التي لا تنتهي للهرب؛ لذا تقوم بتقييد حركتها ومنعه وهى تفعل ذلك وملامح وجهها ترتسم عليها شفقة وتعاطف خاص، وهذه المشاعر المُتناقضة تصاحب البطلة في مُغامرتها التي تُحاول فيها الحفاظ على حياة الطفلة وحياة شقيقها في نفس الوقت.
رغم إنتماء الفيلم إلى عالم دراما الجريمة والمطاردات، لكنه يميل للهدوء والرتابة والبطىء؛ ويعود ذلك إلى تعمد تركيز السيناريو على مشاعر البطلة وليس مشاهد الحركة، وقد أسرف سيناريو "آنا أوتو" في تصوير قلق البطلة وتوترها خلال رحلة هروبها الصعبة بصحبة طفلة في شاحنة ضخمة يصعب إخفائها وهى تتحرك على الطريق السريع، وتناقض مشاعرها بين مُحاولتها حماية الطفلة من مصير مؤلم، ومحاولة حماية شقيقها من القتل على يد العصابة، وهى مشاعر نجحت "جولييت بينوش" في تصويرها رغم عجز السيناريو عن خلق مواقف أصيلة أو نهاية منطقية لأحداث الفيلم، وفضلت "أوتو" أن تكون النهاية السينمائية اللامنطقية هى الإضافة الفنية، واللمسة الإنسانية لمشهد النهاية.
ثُنائية الشرطي العجوز والشرطي الشاب!
على جانب اخر يقوم العميل الإف بي آي "جريك - مورجان فريمان" بمُطاردة سالي، ويشاركه في تلك المطاردة زميله "فينلي - كاميرون موناجان"، وعلاقة هذا الثنائي تحمل كثير من كلاشيهات دراما ثنائيات الشرطة في الافلام الأمريكية؛ منها ثنائية الشرطي العجوز الحكيم والشرطي الشاب الجاهل بعالم الطبقات الدنيا من المجتمع. تسود السخرية علاقة العميل المُتقاعد الذي يعمل مستشاراً في القضية والمحقق الشاب الأنيق.
الفيلم جاهد للخروج من منطقة الدراما المتوسطة، وإستغل أجواء الأحداث لتقديم أجواء جذابة للصورة، كما حاول من خلال أداء "بينوش" و"فريمان" والطفلة "ليلى - هالة فينلي" منح قضية الإتجار بالبشر وعجز المنظومة الشرطية عن مواجهتها أهمية خاصة، ولكنهم لم يضيفا الكثير في وجود سيناريو عادي يُناقش قضية شديدة الحساسية.
الصور من صفحة الفيلم الرسمية على موقع الشركة المنتجة lionsgate