فيلم "Bullet Train" .. قطار الأكشن السريع خرج عن قضبان الدراما في عمل مُبهر بلا مضمون!
استعانت السينما في بداياتها الأولى بلاعبي السيرك والأكروبات لتأدية المشاهد الخطرة التي تحتاج لياقة بدنية خاصة، كما استعانت ببعض الجنود السابقين أصحاب المهارات البدنية العالية؛ من أجل مشاهد المعارك والقفز من المرتفعات، وظهر لاحقاً رواد الكوميديا الأوائل "شارلي شابلن" و"باستر كيتون"، وكل منهما يؤدي الحركات الخطرة المُضحكة بنفسه، وقد أرادت شركة مترو في نهاية العشرينيات حماية نجمها الكوميدي الشهير "باستر كيتون" بعد تعاقدها معه، وإشترطت عليه الإستعانة ببديل يؤدي عنه الحركات شديدة الخطورة، وهو أمر رفضه بشدة؛ فقد يؤدي البديل المشهد ببراعة ولكنه لن يستطيع الإضحاك.
على العكس من "كيتون" لم يُمانع "براد بيت" في أن يقوم بديله "ديفيد ليتش" بأداء المشاهد الخطرة بدلاً عنه في عدة أفلام؛ منها "أوشن 11" Ocean's Eleven و"السيد والسيدة سميث" Mr. & Mrs. Smith و"نادي القتال" Fight Club، ومؤخراً وقف "براد بيت" أمام الكاميرات لبطولة فيلم الأكشن "القطار السريع" Bullet Train وهذه المرة لم يكن "ديفيد لينش" بديل "براد بيت" في المشاهد الخطرة، بل كان مخرج العمل.
أكشن شديد السرعة!
مسيرة "ديفيد ليتش" في الإخراج تضم عدد من أفلام الحركة الشهيرة؛ منها مشاركته في إخراج فيلم "جون ويك" John Wick بطولة كيانو ريفز، و"الشقراء الذرية" Atomic Blonde بطولة "شارليز ثيرون"، و"هوبس وشو" Hobbs & Shaw بطولة "دوين جونسون"، و Deadpool 2 بطولة "ريان رينولدز"، والعامل المشترك في أسلوب "ليتش" في إخراج هذه الأفلام هو تقديم جرعة مُكثفة من حركات الفنون القتالية التي تعتمد على اللياقة البدنية، والتي قد تصل على الشاشة حداً يُلامس القدرات الخارقة، كما يحرص على تقديم أكشن سريع بصورة تقترب من مبالغات الكوميكس، مع لمسات من الكوميديا المُصاحبة لمشاهد العنف، وهذه الملامح نجدها بكثافة في فيلمه الأخير Bullet Train.
داخل قطار ياباني سريع يسمى القطار الطلقة تدور أحداث الفيلم، وهو عن خمسة من القتلة المحترفين، كل منهم مُكلف بمهمة مختلفة داخل القطار، ثم تبدأ طرقهم في التقاطع، ويُجبر كل منهم على قتال الأخرين للوصول إلى الهدف المنشود، ورغم محدودية مكان الأحداث، لكن الفيلم شديد الصخب ولا تتوقف معارك القتلة والاستعارات اللفظية التي تتحول إلى نكات، وهذا يجعل المشاهد في حالة ترقب دائم؛ فالقتلة متساوين في البأس والعنف والقسوة، ولا يُمكن تحديد من سينتصر في النهاية.
حكايات جانبية أشد عنفاً!
شخصيات الفيلم الرئيسية مرسومة بملامح شخصيات الكوميكس؛ حيث المبالغة في سلوك الشخصيات، والكادرات الخاصة وزوايا الكاميرا الطريفة لتصوير مشاهد الأكشن، والتهكم جزء أساسي من حوار كل شخصية؛ فنري مثلاً ثنائي القتلة "ليمون ويوسفي" والمسمى أيضاً التوأم، واسميهما الحركيين مثار العديد من النكات داخل الفيلم، ومهتهما إعادة شاب وحقيبة أموال إلى والد الشاب وهو زعيم مافيا ياباني كبير، والشابة المسماة "الأميرة" التي تبدو كتلميذة مراهقة رقيقة وهشة، وهذا غطائها كقاتلة لا ترحم، وهناك شخصية الدبور التي ترتدي زى دمية ضخمة، بينما يبدو أحد هؤلاء القتلة ويُدعى الدعسوقة (براد بيت) كسائح لا يكترث لشيء حوله، وهو شخص يؤمن أنه سىء الحظ؛ فقد تم إختياره في أخر لحظة بديلاً عن قاتل أخر، وتوجهه زميلته (ساندرا بولوك) عبر الهاتف، كما أنه يرفض إصطحاب سلاح لأن مهمته مجرد سرقة حقيبة والنزول في المحطة القادمة، ولكن هذا لا يحدث وتفشل كل محاولاته للهبوط من القطار، ويبدو مصيره مُرتبطاً بالفوضى والصخب الذي لا يتوقف داخل القطار.
الأكشن المكثف ومشاهد الالتحامات البدنية الطويلة تتحول بمرور الوقت إلى عنف مُسطح بلا أى عمق؛ فنحن أمام مهمة الحصول على حقيبة ثمينة تتخاطفها أيدي مجموعة من القتلة، والمهمة التي بدت سهلة في البداية تتحول إلى عُنف لا يتوقف، وهنا يأتي دور مشاهد الفلاش باك الجانبية التي تصور حكايات يتبادلها الأبطال، وهى حكايات لا تقل عنفاً ودموية عما يحدث داخل القطار، ولكنها تساهم تدريجياً في ربط الحكاية المبعثرة، وتغيير مكان الحدث الرئيسي، وتجمع شتات الدوافع الغامضة للمهمة التي يحارب القتلة من أجلها.
على خطى تارانتينو!
الفيلم مأخوذ عن رواية إثارة للكاتب الياباني "كوتارو ايساكا"، وقد نجح المخرج "ديفيد ليتش" في صناعة فيلم أكشن مسلي على مستوى الصورة الإستعراضية شديدة الحيوية، وايقاع المونتاج اللاهث، ومشاهد الحركة التي يجيد صناعتها وتصميمها، ولكنه ليس جذاباً على مستوى ذكاء الحبكة والحكايات الخلفية التي تؤسس لكل صخب ومعارك الفيلم؛ فرغم ملامح التشابه العمل مع بعض أفلام تارانتينو؛ مثل "اقتل بيل" Kill Bill، و"خيال رخيص" Pulp Fiction مثلاً، لكن Bullet Train يبدو أكثر إخلاصاً لإتقان مشاهد الحركة المفرطة في العنف فقط، وأكثر من نجح في تقديم لمحات وافيهات الكوميديا القاتمة شخصية ليمون (برايان تيري هنري).
تتراجع الحبكة والملامح النفسية للشخصيات إلى هوامش السرد الدرامي، ولذا لا تنجح محاولات الفيلم الجمع بين خفة الشكل وعمق القصة.
أداء "براد بيت" لشخصية المرتزق الذي يعود من توقف مؤقت مُحملاً بأعباء العلاج النفسي جيد، ولكن شخصيته لن تُحفر في ذهن المشاهد كما حدث مع شخصيات مُشابهة؛ مثل جون ويك (كيانو ريفز) أو جيسون بورن (مات ديمون)؛ وهذا ربما يعود لأن الفيلم لم ينجح في رسم ملامح أعمق وأكثر جاذبية لشخصية المُرتزق سىء الحظ، وبدت شخصيته خفيفة أكثر من اللازم في مُعظم الأحيان.
الصور من حساب الفيلم بإنستجرام