خاص "هي"- مهرجان فينيسيا 2022: فيلم "Alone".. مراهق متمرد يمنع أختيه من الزواج
ضمن مسابقة أيام المؤلف أو ما يعرف بأيام فينيسيا "Giornate deglu Autori" التي تجري فعالياتها بالتزامن مع مهرجان فينيسيا السينمائي، عرض الفيلم الإيراني "وحيد" (Alone) للمخرج جعفر نجفي. في الوقت الذي تتصاعد فيه على مواقع التواصل الاجتماعي المناقشات عن حقوق وواجبات المرأة المتزوجة، يقدم لنا هذا الوثائقي مراهق في الرابعة عشر، يقف ضد رغبة شقيقتيه التوأم في الزواج.
المراهق الحكيم
يتابع المخرج أمير الذي يعيش مع أسرته الصغيرة في إحدى القرى الإيرانية. بعد وفاة الأب يصبح أمير هو المسؤول عن الأسرة، وصاحب القرار النهائي في مصائر والدته وأختيه التوأم. في البداية سنشعر أننا أمام الشكل التقليدي لسيطرة الرجل الشرقي على مصير أسرته، خاصة النساء منها، حتى وإن كان هو الأصغر في السن، لكننا تدريجيًا نكتشف أن هذا المراهق لديه عقل يتجاوز سنه، وبصيرة تتحدى مجتمعه، مما يجعلنا نعيد تقييم الموقف بأكمله.
يتوقف الفيلم في البداية عند هذه العلاقة بين أمير وأختيه مرزية ورزية، اللتان تصغرانه بعامين فقط، لكننا نشاهد أنه يملك اليد العليا، فيستطيع أن يضربهما أو يرفع صوته عليهما إن أراد. لكننا في الوقت نفسه نشاهد جانبًا آخر منه إذ هو يعود ليعتذر عن هذه التصرفات، بل ويطلب أحيانًا من أختيه رد الإهانة التي ألحقها بهما. هذه التفاصيل التي نشاهدها بالتدريج من خلال تفاعل الأخوة معًا، تجعلنا ندرك أننا أمام طفل/مراهق مختلف، لا يسيء استغلال السلطات الممنوحة له من الأسرة ومن المجتمع. سيدفعنا هذا للتساؤل عن المؤثرات التي تجعل أمير مختلفًا بهذه الصورة، وهو ما يجيب عنه الفيلم خلال أحداثه.
سريعًا سنعرف أن ما يميزه ليس فقط المعاملة المختلفة التي يعاملها لأختيه، بل موقفه المتفرد ضد رغبة أختيه في الزواج وهما بهذه السن.
مراهق ضد قرية
مبكرًا سنعرف أن أمير كانت له أخت كبرى، لكنها ماتت تاركة خلفها طفلًا ذو 3 سنوات، فيسعى أرملها، الذي يتجاوز الأربعين، للزواج من إحدى الفتاتين مرزية أو رزية، نظريًا لترعى الطفل، لكن لا يخفى علينا أنه يرغب في الزواج لتصبح هذه الزوجة الجديدة بمثابة خادمة له.
المفارقة تظهر في أن الأختين ترغب كلتاهما في الزواج من هذا الرجل الذي يكبرهما بحوالي 30 سنة، بل وتتشاجران حول من الأحق بالزواج منه، بينما يرى أمير أنه ذلك الرجل كان سببًا في وفاة أخته الكبرى، وبالتالي لا يرغب في تكرار السيناريو نفسه مع إحدى شقيقتيه الأخريين.
يستخدم المخرج جعفر نجفي أساليب مختلفة لنقترب أكثر من الشخصيات، فتارة نستمع إلى ردودهم على الأسئلة التي يوجهها المخرج في حوار بالشكل التقليدي، وتارة أخرى نشاهدهم يتفاعلون مع بعضهم مما يبين لنا جوانب أخرى لا تظهر في الحوارات المباشرة. ومن خلال هذه الأساليب المختلفة، نكتشف أن أمير لا يعارض فقط رغبة أختيه في الزواج، بل يعارض القرية بأكملها.
في مشاهد متعاقبة نشاهد الضغط المتواصل على هذا المراهق من خلال أقاربه وسكان القرية ليوافق على إتمام الزواج. رغم الشعور بتكرار هذه المشاهد، الضغط والرفض، فإننا المخرج يقدم لنا في كل مرة شكلًا مختلفًا لهذا الضغط، فتارة نشاهد الابتزاز العاطفي من خلال الحديث عن الطفل الصغير ابن أخته، وتارة من خلال الترغيب المادي وتصوير هذا العريس الجديد القديم بأنه غني، وحتى الدين، نشاهد أحد الأشخاص يستخدمه لإقناع أمير بالعدول عن رأيه، وفي كل مرة كان جوابه الرفض.
البساطة بادية في موضوع هذا الفيلم، والتي تظهر بداية من عنوانه، فالوحيد هنا هو أمير أمام قريته بأكملها، لكننا في حقيقة الأمر سنجد أن الفيلم في مدته القصيرة (61 دقيقة) يتركنا مع الكثير جدًا من المشاعر المتضاربة. على الأرجح لن نملك ألا أن نعجب بهذا المراهق المتمرد الذي يتحدى الجميع، ليس من أجل مكسب شخصي، بل لأجل مكسب لأختيه، لينعما بحياة أفضل، لكننا في الوقت نفسه سنجد أن هذه القدرة على قول "لا" الممنوحة لأمير، إنما منحت له لكونه ذكر فقط، وربما لو كانت الصورة معكوسة، أمير هو الراغب في تزويج أختيه والأختان ترفضان الزواج، لكنا شاهدنا حفل الزفاف!
على الجانب الآخر، قد يندهش المشاهد من رغبة كلتا الأختين في الزواج وهما في هذه السن الصغيرة، لكننا مع مرور الأحداث ومشاهدة العادات داخلة القرية سنجد أن المصير الأبرز للفتيات هناك هو الزواج في سن مبكرة، بل أننا نستمع إلى إحداهن تُجمل صورة الزواج المبكر وتقول إن من مزاياه أنها ستكبر مع أطفالها. لهذا، عندما تتحدث مرزية ورزية عن أحلامهما لبيت الزوجية، فسنجد أنهما يحلمان بأن يكون لهما سرير خاص وخزانة للملابس، هذا هو تصورهما عن عش الزوجية.
بقدر ما يمنحنا "الوحيد" نظرة عميقة على حالة توجد في الكثير من المجتمعات الشرقية، بقدر ما يترك مع نهايته شعورًا حزينًا، وتساؤلًا: ماذا لو رضخ أمير لأهل القرية في النهاية ووافق على تزويج أختيه؟
الصور من موقع مهرجان فينيسيا