خاص "هي"- مهرجان فينيسيا 2022: فيلم "Blonde".. البعض يفضلونها ضحية

منذ أشهر قليلة، خلال الدورة 70 لمهرجان كان السينمائي، شاهدنا العرض الأول لفيلم "Elvis" (إلفيس) للمخرج باز لورمان، والذي قدم خلاله رؤيته لحياة المغني الأمريكي الأيقوني إلفيس بريسلي. حقق الفيلم نجاحًا جماهيريًا ونقديًا جيدًا، رغم الهالة الكبيرة حول الشخصية وصعوبة تجسيدها على الشاشة. بالأمس فقط عرض فيلم ”Blonde“ (شقراء) للمخرج أندرو دومينيك، والذي يتناول حياة أيقونة أخرى هي مارلين مونرو، والتي تحتوي حياتها على الكثير من الأمورة المأساوية والغامضة أيضًا، وقامت بتجسيد الشخصية الممثلة الكوبية آنا دي أرمز.

36 سنة في 3 ساعات

هناك مدارس مختلفة لتقديم أفلام السِيَر (Bio-pic)، بعض الأفلام تركز على يسمرحلة محددة من حياة الشخصية، مثل فيلم ”Darkest Hour“ (الساعة الحالكة) للمخرج جو رايت، وبعضها يتابع حياة الشخصية منذ الطفولة أو الصبا إلى نهاية حياتها. ينتمي ”Blonde“ إلى النوعية الثانية، إذ نشاهد حياة الطفلة نورما جين، والتي ستصبح لاحقًا مارلين مونرو، حتى وفاتها، مرورًا بالكثير من المحطات المهمة في حياتها.

كان سن الممثلة الشقراء عندما ماتت 36 سنة، لكن رغم هذه الفترة القصيرة التي عاشتها والفترة الأقصر التي قضتها نجمة تحت الأضواء، فإن حياتها كانت دائمًا مادة مثيرة للبحث. يختار المخرج أن يقدم لنا الجانب المأساوي في حياة مونرو، منذ طفولتها نعرف أن والدها تخلى عنها وهو ما دفع أمها لتعنيفها بشكل دائم لأنها ترى أن هذه الطفلة هي السبب في غياب الأب. تستمر هذه المعاناة لاحقًا بأشكال مختلفة سواء في علاقاتها العاطفية، أو في حياتها العملية. يبدو هذا الاختيار خطًا واضحًا في الفيلم لكن المشكلة تظره في التشتت الذي نشاهده أثناء محاولة المخرج المرور على كل شيء صعب عانته مونرو، بل والخوض في بعض الأمور مرارًا وتكرارًا خلال مدة الفيلم الطويلة (166 دقيقة)، لكننا لا نجد في هذا التكرار إضافة حقيقية للمشاهد.

فيلم  Blonde حول حياة مارلين مونرو
فيلم  Blonde حول حياة مارلين مونرو

نتابع في عدة مشاهد حمل وإجهاض مونرو المتكرر، ورغم أن المخرج يحاول أن يقدم شكلًا مختلفًا للإجهاض في كل مرة، فإن الأمر لا يخلو من التكرار الواضح خاصة في مشاهد غرفة العمليات. خلال هذه المشاهد نجد أن مارلين تتحدث في خيالها مع جنينها الذي بدأ يتكون داخل أحشائها. تبدو هذه الفكرة جذابة لبعض الوقت، خاصة إذ ربطناها مع أزماتها في الطفولة وشعورها بأن أهلها تخلوا عنها. لكن هذا الحوار مع الجنينة أو الأجنة يظهر ويختفي بشكل غير منتظم خلال الأحداث. هذا الظهور والاختفاء المتكرر لأحداث أو تيمات بعينها، يستمر بأشكال مختلفة خلال الأحداث الفيلم، حتى نفقد تدريجيًا الإحساس بوجود ترابط حقيقي.

في المقابل سنجد بعض التفاصيل الأخرى التي يمر عليها الفيلم بشكل عابر وسطحي، رغم أهميتها، وكأن أندرو دومينيك لم يرد أن يترك شيئًا من حياة مونرو دون أن يذكره، فنجد مشهدًا عن رفضها لقبول أجر قليل مقارنة بأجر بطل الفيلم الذي سيأخذ أضعاف أجرها، وهو المشهد الذي يمكن بناء الكثير عليه، لكنه يعبر دون أثر، فهو ليس بالمشهد الذي يعبر عن استغلال المخرجين لمونرو تحديدًا، بل إن هذه التفرقة في الأجور سائدة بوجه عام، وهكذا لا يمكن التوقف عنده للإشارة فقط لكونها مُستغلة.

فيلم  Blonde أحدث الأفلام السينمائية التي تدور حول حياة الأيقونة مارلين مونرو
فيلم  Blonde أحدث الأفلام السينمائية التي تدور حول حياة الأيقونة مارلين مونرو

بحثًا عن مارلين مونرو

منذ طرح إعلان الفيلم، ونحن ننتظر كيف ستجسد آنا دي أرمز هذه الشخصية المثيرة، على المستوى الشكلي اجتهد فريق المكياج لجعلها تشبه مونرو بشكل واضح، حتى إن من يشاهد البوستر سيصعب عليه للوهلة الأولى تصديق أن هذه ليست مارلين بالفعل. بعيدًا عن الملامح الخارجية، اجتهدت دي أرمز لمحاكاة الشخصية، لكننا سنشعر في الكثير من الأحيان أنها ”تمثل“ بشكل واضح، وأننا نشاهدها هي وهي تؤدي الدور ولا نشاهد مارلين. لم تكن مونرو ممثلة ذات موهبة جبارة، لكنها بالتأكيد كانت ذات حضور لا يُقاوم. لكننا سنشعر أن الممثلة الكوبية اتخذت من أداء مونرو في الأفلام مرجعًا لها، تتحدث تقريبًا بنفس طريقة الممثلة الأمريكية في فيلم ”Some Like it Hot“ (البعض يفضلونها ساخنة)، هذا الأداء ذو الصوت الناعم وتعبيرات الوجه التي تغلب عليها الدهشة. ربما لا توجد الكثير من الحوارات التلفزيونية لمونرو لكن خلال ما توفر من لقاءات معها يمكن ملاحظة أن هناك اختلافًا واضحًا بين طريقة كلامها وتعبيراتها في حياتها وبين الطريقة التي تؤدي بها داخل الأفلام. إن عدنا لفيلم ”إلفيس“ فسنجد أنه رغم اختلاف ملامح بطل الفيلم أوستن باتلرز عن إلفيس بريسلي، فإنه كان قادرًا على منح روح للشخصية، مما جعلها أقرب للتصديق مما فعلته دي أرمز.

يصاحب هذا الأداء، محاولة واضحة لإضفاء هالة ملائكية على الممثلة الراحلة، من خلال تصوير جميع الرجال الذين كانوا حولها بلا استثناء يستغلونها بشكل أو بآخر.

بالتأكيد يمكن أن يلام المخرج في هذا، فحتى بعيدًا عن آنا دي أرمز، سنجد أن أندرو دومينيك بين المشاهد الواضحة والإسقاطات الساذجة. مثل في مشهد ممارسة الجنس مع الرئيس الأمريكي كينيدي، والذي يمكن أن نقول إنه أسوأ مشاهد الفيلم ويجمع كل عيوبه بين الأداء الغريب من الممثل كاسبر فيليبسون الذي قدم شخصية كينيدي، أو طريقة تصوير العلاقة الجنسية، أو استخدام المشاهد المعروضة على شاشة التلفزيون للطبق الطائر وهو يهاجم هدفه في إشارة شديدة السطحية إلى أن كينيدي نال مراده من الممثلة المغلوبة على أمرها. وقد يكون هذا الاستخدام للمونتاج مقصودًا في إشارة إلى كيفية استخدام مشاهد مشابهة في الأفلام القديمة، لكن عندما نرى أنه مجرد مشهد وسط فيلم طويل، فلن ننجح في ربطه بأسلوب أو رؤية عامة للمخرج.

فيلم ”شقراء“ من نوعية الأفلام التي أرادت أن تقول وتقدم كل شيء فانتهت إلى لا شيء، وفي سبيله لتصوير الجانب المأساوي من حياة مونرو، جعلها ضحية في كل شيء وشيطن جميع الشخصيات المحيطة بها.

بحثًا عن مارلين مونرو
بحثًا عن مارلين مونرو

الصور من حساب آنا دي أرماس على "انستجرام" وبرومو الفيلم.