فيلم "Pinocchio".. دُمية ديزني تواجه الواقع القاسي في نسخة توم هانكس اللطيفة!
كتب الإيطالي "كارلو كولودي" حكاية الدمية الخشبية الناطقة "بينوكيو" قبل حوالي 140 عاماً، وقامت شركة ديزني بإعداد القصة وتحويلها إلى فيلم أنيميشن للأطفال عام 1940، وكان ثاني فيلم أنيميشن طويل تُنتجه ديزني بعد فيلمها Snow White and The Seven Dwarfs "سنو وايت والأقزام السبعة".
سعى "توم هانكس" للحصول على دور "چيبيتو" صانع الساعات الخشبية العجوز، وذلك فور علمه نية شركة ديزني تنفيذ نسخة حية من فيلم الرسوم المتحركة الكلاسيكي الشهير Pinocchio (بينوكيو). مساحة دور "چيبيتو" صغيرة مُقارنة بدور "بينوكيو"، بينما مُغامرات الدمية الناطقة تحتل معظم زمن الفيلم، لكنه كان شغوفاً بالدور رغم ذلك.
رجل وحيد ودمية ناطقة!
"چيبيتو" رجل إيطالي فقير ووحيد، يبرع في نحت ساعات خشبية بديعة، ويعيش في منزله وهو مكان عمله في نفس الوقت، ويؤنس وحدته قطه الصغير "فيجارو"، وسمكته الذهبية "كليو"، وينحت دمية على هيئة طفل مُبتسم يُذكره بإبنه، ويدعوه "بينوكيو"، ويدعو أن تصبح الدُمية ولداً حقيقياً، وتُحقق الحورية الزرقاء " سينثيا إيريفو" أمنيته، وتوكل إلى الصرصور جيميني "جوزيف جوردون ليفيت" مهمة أن يكون ضمير الدمية.
دور "چيبيتو" وعلاقته بدميته الحبيبة به ملامح من دور صانع الروبوتات العجوز الذي يشعر بدنو أجله؛ فيصنع روبوت ذكي لرعاية كلبه في فيلم Finch، ودور العجوز الذي يقرأ الأخبار للقرويين في فيلم News of the World "أخبار العالم"، وهو يصحب معه طفلة يتيمة مُتمردة في جولاته مُحاولاً تعليمها وتهذيب سلوكياتها، وكأن "توم هانكس" في تلك الأدوار يبحث عن "بينوكيو" ما ليرعاه، ويُحاول ترويضه وتهذيبه، ويصنع منه إبناً مُحباً يمنحه خبراته بالحياة، ويشجعه على تلقي العلم بالمدرسة مثل كل الأطفال.
تمنى " چيبيتو" إبناً، وتمنى "بينوكيو" أن يُصبح طفلاً حقيقياً، و"چيبيتو" كأى رجل عجوز وحيد لا يسعى للالتحام بالواقع الخارجي، ويبدو أنه في عزلة اختيارية، وحتى ساعاته البديعة يرفض بيعها بأى ثمن، ولكن "بينوكيو" يبدو متلهفاً للحياة والمُغامرات.
الدمية التي أصبحت تنطق وتتحرك بقوة السحر لديها رغبة مُندفعة للإنطلاق وإثبات الوجود، وهو مثل طفل يُصدق أى شىء؛ ولهذا يقع بسهولة في شرك الأفاقين، ومنهم صاحب إستعراض العرائس المتجول "سترومبولي"، الذي يعد "بينوكيو" بالشهرة، لكنه يستغل مواهبه بلا مُقابل، ويحبسه في قفص من أجل مزيد من الجولات المُربحة، و"بينوكيو" يتعلم من أخطائه ولكن بعد تجارب مريرة.
كثير من الحلويات والصخب والتنمر!
يلفت النظر ان نسخة الفيلم الحديثة لا تُقدم الحياة وردية تماماً؛ فجمهور الفيلم هم أطفال جيل الألفية، وليسوا أطفال أربعينيات القرن الماضي، وفي جزيرة المُتع يذهب الأطفال بصحبة الشرير كوتشمان "لوك إيفانز"، ونراهم يمارسون كل شىء يمنعه الكبار عنهم تقريباً، بداية من التهام كتل السكر بإفراط، وشرب الجعة، وتحطيم أى شىء بإستمتاع جنوني، وإنتهاءً بالتنمر من بعضهم البعض.
الفيلم حاول أيضاً أن يتعامل مع أفكار القصة الأصلية حول مخاطر الشهرة، وفكرة استغلال الأخرين من أجل المنفعة الشخصية، وكذلك مفهوم الأبوة والصداقة والضمير، لكن التعاطي مع تلك كانت هشاً وعابراً، وركز الفيلم على الإثارة والمغامرات المتتالية التي قام بها "بينوكيو" في يوم واحد، وكأنه كائن جاء من المستقبل بإيقاعه السريع الصاخب ليمارس مغامراته في القرن التاسع عشر، زمن أحداث القصة.
النسخة الحديثة للفيلم وفية بشكل كبير لملامح فيلم ديزني الأصلي، ولا يبدو أنها تعاطت كثيراً مع القصة المكتوبة. وجود المخرج "روبرت زيميكس" أضاف كثير من عناصر التسلية على مغامرات "بينوكيو" في عالم الواقع، و"زيميكس" مؤلف ومخرج عدد من أفلام الفانتازيا الشهيرة؛ منها Back to the Future "العودة للمستقبل"، وهو صاحب تجربة مميزة للمزج بين الرسوم المتحركة والعالم الواقعي في فيلم Who Framed Roger Rabbit "من أوقع بالأرنب روجرز"، بالإضافة إلى عدد أخر من الأفلام التي كانت بطلها "توم هانكس".
المزيد من بينوكيو!
تحمل تفاصيل شخصية صانع الساعات العجوز الكثير من ملامح الأدوار المُفضلة لتوم هانكس خلال السنوات الأخيرة، ويُمكن أن نضم دوره هذا لقائمة أدواره للشخص اللطيف، الذي يعيش وحيداً، ولكنه يسعى بكل تفان وحب لمساعدة شخصية ضعيفة، في حاجة للرعاية والحماية، وتعلم حقائق الحياة.
إنعكست علاقة المخرج "روبرت زيميكس" و"توم هانكس" على رسم شخصية "چيبيتو" التي أداها "توم هانكس" بشكل لطيف؛ فحكاية "بينوكيو" و"جيبتو" تحمل بعض ملامح أدوار جمعت بينهما سابقا كممثل ومخرج؛ منها دور الشاب المُتأخر عقلياً في Forrest Gump "فورست جمب"، وموظف البريد الدولي السريع الذي ينجو من سقوط طائرة، ويعيش لسنوات وحيداً على جزيرة، يتحدث إلى كرة أطلق عليها إسم "ويلسون"، في فيلم Cast Away "منبوذاً"، لقد استخدم "هانكس" تقريباً نفس أدائه المُلتاع وهو يصيح منادياً كرته التي ضاعت في البحر، وذلك أثناء نداءه الحزين على "بينوكيو" الضائع.
أصبحت موسيقى أغنية فيلم ديزني الأصلي When You Wish Upon a Star "عندما تتمنى من نجمة" اللحن المميز للوجو ديزني الذي يسبق أى فيلم، وهذا يعني أن قطعة من "بينوكيو" أصبحت شعاراً مميزاً للشركة، ولهذا لم يكن مُتوقعاً أن تحمل نسخة "بينوكيو" الجديدة تغييرات جذرية، ومن المنتظر أن نُشاهد نسخة أخرى عن نفس القصة، تعتمد على الرسوم بشكل كامل، تُنتجها نتفليكس، ويُخرجها "جيلرمو ديل تورو"، ومن خلال الإعلانات الأولية تبدو أقرب لأجواء الرواية الأصلية وأكثر قتامة من نسختي ديزني، ويُنتظر أن تعرض هذه النسخة في بداية شهر ديسمبر القادم.
الصور من صفحة ديزني على انستجرام