فيلم "Blonde".. دراما قاتمة ومُربكة من وحي حياة نجمة شهيرة تُدعى مارلين مونرو!
أزمة مشاهد فيلم Blonde"الشقراء" تبدأ من توقعات المشاهدين؛ فنحن أمام فيلم عن أيقونة الجمال والغواية في هوليوود؛ ونتوقع مشاهدة فصول من حياتها القصيرة التي مرت مثل ومضة شهاب سريعة، ولكن "أندرو دومينيك" مخرج وكاتب سيناريو الفيلم المقتبس بتصرف عن رواية بنفس العنوان للكاتبة "جويس كارول أوتس" كان يعرض تاريخ أخر لمارلين مونرو، حكاية توافق في بعض تفاصيلها الواقع، ولكنها لا تلتزم به، ورحلة نفسية عميقة إلى داخل مناطق مُظلمة وشديدة الإرتباك لإمرأة تتناقض صورتها الذهنية أمام الجمهور عن حقيقتها المُعقدة، والرواية المأخوذ عنها الفيلم كانت واضحة في رؤيتها الدرامية؛ فهى تُقدم حكاية خيالية تستلهم سيرة "مارلين مونرو"، وتلك الحكاية التاريخية لا تلتزم بسيرة "مارلين مونرو" حرفياً، وكذلك الفيلم لا يلتزم بالرواية او الواقع المتفق عليه تماماً، ويُقدم سرد نفسي سيريالي مؤلم عن حياة النجمة الشقراء.
نورما جين والأب المجهول!
كانت الطفلة "نورما جين" موعودة بطفولة قاسية؛ لم تعرف والدها؛ وعاشت مع أم غير مُستقرة عقلياً، وكانت صدمتها الأولى أن تعيش سنوات طفولتها في ملجأ للأيتام ووالديها على قيد الحياة، ولسبب غامض تجاوز السيناريو سنوات الملجأ وأثره على نفسية الطفلة، وقفز إلى المرحلة التي تحولت فيها "نورما جين" إلى "مارلين مونرو"، ولم يُهمل السيناريو إجابة السؤال: كيف وصلت فتاة متواضعة الموهبة إلى هوليوود؟ كان الثمن الذي دفعته باهظاً، والتنازلات قاسية، وهى لم تُقاوم، وتركت لهوليوود الحرية لإستغلال جمالها، أمام الكاميرا وخلف الكاميرا، ورغم الشهرة السريعة والأضواء الباهرة ظلت في داخلها تُحاول الإحتفاظ بالفتاة البريئة "نورما جين" التي تتوق لحياة العائلة.
ظلت "نورما جين" تبحث عن والدها المجهول، التي رأت صورته مرة وهى طفلة، وكانت زيجاتها محاولة للبحث عن حنان الأب المجهول، وبينما كانت "نورما" داخلها تتوق للخروج والتطهر من خطاياها، كان من حولها يُصرون على بقاء الطفلة البريئة في زنزانة الماضي، ويحتفون ويُدللون الأنثى "مارلين مونرو"، وقد حاول الفيلم أن يصور ذلك الصراع بين "نورما" و"مارلين"، ولكن النتيجة أنه قدم نُسخة مُشوهة لامرأة ماجنة وضعيفة وغير مُستقرة نفسياً تستسلم بسهولة.
الشقراء والأبيض والأسود!
اللقطات المُلونة تنافس لقطات الأبيض والأسود، الغالبة على الفيلم، ويصعب قراءة الهدف من توظيف المشاهد الملونة؛ فأحيانا تكون اللقطات الملونة محاكاة لمشاهد شهيرة من أفلامها، أو مشاهد عادية من حياتها، وأحياناً كانت تصوير لبداية مُبهجة وأمل جديد في فصل جديد من حياة "نورما"، وهى لحظات السعادة القليلة، واللذة الخاطفة، والذكرى التي حفرت داخلها أثراً لا يُمحى، ولكن باقي أحداث حياتها رمادية، وخالية من المساحيق واللمسات الملونة، ولكن الفيلم لا يلتزم برؤية واحدة للتنقل بين اللقطات الملونة والأبيض والأسود؛ فبدايات الفيلم الملونة كانت تُصور آلام طفلة تعيش مع أم مضطربة نفسياً كادت تقتلها، ومشاهد أخري صورت إنتهاكات وحوادث مؤلمة تعرضت لها.
الألوان لها دلالات أخرى في الفيلم، تعزيز الصورة المزيفة للشخصية التي اصبحت "مارلين مونرو"، بداية من حقيقة أن الشقراء الشهيرة لون شعرها الحقيقي أحمر، ودور الميكب أرتيست المُصاحب لها الجوهري في استدعاء ملامح "مارلين" المميزة أمام الكاميرا، وعلاج أثار ضرب زوجها الأول لها، أو علاج خدوش على وجهها أحدثتها لنفسها بعد نوبة غضب؛ إمتعاضاً وإعتراضاً على مشاهد تُصورها في فيلمها (البعض يفضلونها ساخنة) "Some Like It Hot"؛ لأنها كانت تظن أن السيناريو يحمل إشارات مُهينة لوقائع من حياتها الشخصية.
ثلاث ساعات من الإنتهاكات والألم!
من الأمور المُلفتة قدرة الممثلة الكوبية الأصل "آنا دي أرماس" على تقمص شخصية "مارلين مونرو" الممثلة، وكانت أكثر حرية في تقديم شخصيتها في الحياة الواقعية كنورما جين؛ فهى أقل تكلفاً من شخصيتها أمام الكاميرا، وأكثر سذاجة وتوتراً وربما حمقاً، وكانت الشخصية الحقيقية كما صورتها شديدة العاطفة والتأثر؛ كأنها لا تزال الطفلة الوحيدة التي تخلى عنها والديها وتسعى لإرضاء من حولها مهما كانت التضحيات، وجزء من إرضاء الجميع كان إفتقادها للحب والتفهم، وجزء أخر كان الخوف من الوحدة والعقاب، وتختلط الأمور في عقل مارلين/نورما؛ فهى تقبل إستغلالها تحت عناوين مُلتبسة وعشوائية؛ إعتداء منتج أول أفلامها عليها، وعلاقتها الماجنة بكل من ابن الممثل "شارلي شابلن"، وإبن الممثل "إدوارد جي روبنسون"، وعلاقتها المُهينة بالرئيس الأمريكي "جون كينيدي"، وكلها وقائع لا يوجد توثيق تاريخي لها، ولكنها ترسم بورتريه مُنفر لشخصية "مارلين"، ويجعل الفيلم الذي يقترب زمنه من ثلاث ساعات مُجرد سلسلة متواصلة من الانتهاكات الجسدية والنفسية لإمراة هشة وضعيفة تصرخ طوال الوقت.
كان لدى "مارلين" أمل في تكوين العائلة التي حُرمت منها، وكانت تتمسك بأمل لقاء والدها المجهول، أو إنجاب طفل، ولكن أحلامها كانت تتبخر وتتحول إلى كوابيس تأكل أعصابها الهشة، وتجعلها أقرب للجنون، وكانت تستعين بالمهدئات والشرب لتُوقف تلك الآلام.
الفيلم قدم صورة خيالية لحياة النجمة الشهيرة "مارلين مونرو"، ولكنها صورة صادمة وشديدة الكآبة، وهذا اختيار فني مشروع، ولكن على المستوى الفني والدرامي كانت الصورة مُفككة وغير مترابطة، وتفتقد إلى تعزيز الإنتقالات بين مراحل حياة الشخصية المختلفة.
مُدة الفيلم الطويلة كانت تسمح بالكثير، وربما كان قالب مسلسل صغير أقرب لإحتواء الأحداث والشخصيات المؤثرة العديدة، وربما يكون أكثر عيوب الفيلم أنه صنع بورتريه كريه بلا روح أو مضمون لأيقونة محبوبة، وإذا كانت "مارلين مونرو" قد حُرمت في الواقع من حنان الأم والاب، وحُب الزوج، وحُرمت من الأمومة؛ فإنها حُرمت أيضاً من فرصة فيلم ملحمي يُقدم سرداً أصيلاً لحياة إمرأة فشلت في حياتها بقدر نجاحها المهني، أمرأة يعتبرها العالم رمزاً للأنوثة والجمال، ولكنها كانت ترى كل ذلك زيفاً وتصنعاً. حاولت "نورما جين" التخلص من "مارلين مونرو" أكثر من مرة، ولكنها لم تستطع فتخلصت من الامرأتين.
الصور من تريلر الفيلم وحساب آنا دي أرماس على "انستجرام".