فيلم "Enola Holmes 2".. دراما متواضعة عن فتاة حائرة بين الألغاز البوليسية ونسوية العصر الفيكتوري!
لو كان الكاتب "أرثر كونان دويل"، مُبتكر شخصية "شيرلوك هولمز" حياً، وشاهد فيلم "Enola Holmes 2" "إينولا هولمز 2" ربما ظن أن نتفليكس تسخر من أسلوبه المميز في حل ألغاز الجرائم المُعقدة بواسطة المنطق والاستدلال العقلي المنهجي، وقد يرى أن المنصة الشهيرة تستخف بروح حكاياته البوليسية الجادة، وتُقدم عملاً هزلياً موازياً، تتناثر فيه النكات الخفيفة، وتسوده أجواء المزاح، ويعتمد على الأكشن سعياً للإثارة، وذلك على حساب جولات التحري الهادئة، واستنباط الحقائق وتحليلها ببراعة وذكاء ودون صخب وافيهات مُتلاحقة.
نسوية العصر الفيكتوري!
فيلم "إينولا هولمز 2" هو الجزء الثاني من سلسلة أفلام مأخوذة عن سلسلة روايات من تأليف الكاتبة المعاصرة "نانسي سبرينجر"، واخراج "هاري برادبير"، الذي أخرج عدد من المسلسلات الناجحة، وأخرج أيضاً فيلم "Enola Holmes"، وفي الفيلم الثاني لمُغامرات "إينولا" يؤكد "هاري برادبير" على كثير من لمحات أسلوبه الفني؛ فهناك ملامح مشتركة بين شخصية "إينولا" المتمردة الساخرة، وبعض بطلات أعماله السابقة؛ مثل سخرية "فيبي والر بريدج" وحديثها للكاميرا في المسلسل الكوميدي "Fleabag" "فليباج"، وجموح "جودي كومر" في مسلسل الجريمة "Killing Eve" "قتل ايف" وكلاهما من إخراجه.
تُجسد الممثلة الشابة "ميلي بوبي براون" شخصية "إينولا" شقيقة شيرلوك هولمز المراهقة، وهى فتاة تتميز بالذكاء والشغف بحل الألغاز، وتسير على خُطى شقيقها الأكبر "شيرلوك" الذي يقوم بدوره الممثل "هنري كافيل"، ولكنها تبتعد عنه سعياً للإستقلالية، وعلى عكس الفيلم الأول نرى "إينولا" في الجزء الثاني أكثر إعتماداً على شقيقها وأمها في الخروج من المآزق التي تتعرض لها، وهو أمر يُناقض رسم شخصيتها شديدة الإستقلالية في الفيلم السابق والروايات.
مغامرات "إينولا" تنحرف قليلاً من عالم الألغاز البوليسية إلى تفاصيل نسوية تتعلق بقدرات المرأة وحقوقها، وهناك إنحرافات تاريخية تُصور بعض شخصيات الطبقة الراقية البريطانية من السود، وهو أمر يُداعب أجندة النسوية والصوابية السياسية العالمية، ويتبع أجندة هوليوود خلال السنوات الأخيرة، ويبتعد عن الحقائق التاريخية المعروفة عن تلك الحقبة التاريخية.
الأمر الأكثر مُبالغة يتعلق بقدرات "إينولا هولمز" التي تتجاوز الذكاء العقلي والجري برشاقة؛ فالفيلم يضم العديد من مشاهد المطاردات وتسلق الجدران، والمشاجرات بين الفتاة المراهقة ورجال يفوقونها حجماً وقدرات بدنية ومهارات قتالية، وهى تنتصر أحياناً بإستخدام ذكائها، ولكنها في أحيان أخرى تكاد تكون فتاة خارقة تُنافس حركاتها القتالية حركات جاكي شان وجون ويك، وتنتصر بحركات الجوجيتسو على فرقة من رجال الشرطة الإنجليزية المُدربة.
المُحققة الصغيرة والقدرات الخارقة!
هناك بالطبع إشارات في مشاهد الفلاش تصور تدريبات "أودوريا" لإبنتها "إينولا" على رياضات الدفاع عن النفس الجوجيتسو، وتجسد دور الأم "هيلين بونام كارتر"، ويصورها الفيلم كشخصية مُفعمة بالحيوية لكنها متطرفة وغريبة الأطوار، وهى عضوة منظمة نسوية سرية تدافع عن حقوق المرأة، وجزء كبير من الفيلم السابق "Enola Holmes" كان يصور رحلة "إينولا" للبحث عن أمها التي اختفت فجأة، ولكن الفيلم الجديد مضمونه يدور حول لغز وفاة عدد من الفتيات العاملات بمصنع لصناعة أعواد الكبريت، وتبرير أصحاب المصنع الوفيات بسبب إنتشار مرض التيفود، وهذا يدفع فتاة عاملة تُدعى "سارة تشابمان" إلى كشف الحقيقة والدفاع عن الاستهتار بحياة العاملات.
القصة جيدة ولكنها بعيدة عن مضمون روايات "نانسي سبرينجر" وشخصية "إينولا" المُحققة الصغيرة، وقد استلهم "جاك ثورن" و"هاري برادبير" كاتبا سيناريو الفيلم حكاية الناشطة العُمالية "سارة تشابمان" كأساس للقصة، وسارة شخصية حقيقية كانت تدعو للمساواة بين الرجل والمرأة، وتزعمت اضراب شهير لفتيات مصنع لأعواد الكبريت في نهاية القرن الثامن عشر.
هل يعني ذلك أن الفيلم وقع في فخ مداعبة ذوق جيل السوشيال ميديا وجماعات الصوابية السياسية وشوه عالم "أرثر كونان دويل"؟
الحقيقة الإجابة معقدة ومتشعبة؛ فشخصية "إينولا" شقيقة شيرلوك هولمز مُشتقة بالكاد من عالم دويل، وهى مُراهقة طموحة تسعى لتكون محققة خاصة بارعة ومشهورة مثل شقيقها، ولكنها "إينولا" في الفيلم تبدو فتاة مُعاصرة سافرت للزمن الفيكتوري، وهى لا تبدو مُتجانسة مع تفاصيل العصر الذي تدور فيه الاحداث، حتى قصة الحب بينها وبين عضو البرلمان الشاب سطحية وبلا ملامح.
كسر الحائط الرابع
تكسر "ميلي بوبي براون" الحائط الرابع وتواجه الكاميرا وتتحدث للجمهور، وذلك للتعليق على الأحداث وبعض التفاصيل، وهى تعليقات ساخرة غالباً، وفي أحيان أخري تكون بديلاً عن صوت الراوي الذي يُفسر بعض الأحداث والوقائع ويحاول الربط بينها، والإفراط فيها لم يكن مُوفقاً وأفقد الفيلم الحس الكوميدي في العديد من المشاهد، خاصة مشاهد المطاردات التي بدت هزلية بلا داعي.
كثير من الشرح والتحليل للأدلة يتم تقديمه على الشاشة من خلال تقنيات الانيميشن والرسوم التوضيحية المتحركة الأقرب للأعمال الوثائقية العلمية، وهو مرادف بصري لطيف يخفف من وطأة طول المونولوجات التي تدور في عقل "إينولا" و"شيرلوك" لحل الألغاز.
شخصية "شيرلوك هولمز" بأداء "هنري كافيل" لطيفة ومتواضعة بشكل مُفرط، ومنزوع عنها غرابة الأطوار والجموح، وهى السمة التي ميزت شخصية شيرلوك في جميع الأعمال المُقتبسة عن روايات دويل، وهو في هذا الفيلم يشارك بشكل كبير نسبياً في الفيلم وفي حل لغز كبير يشترك في تفاصيله مع القضية التي تعمل عليها شقيقته، وكان العدل يقتضي أن يكون عنوان الفيلم "إينولا وشيرلوك".