رؤية نقدية..من يتفوق في "تراب الماس"..المخرج أم الروائي؟!
التجربة الثالثة للمخرج مروان حامد، مدير التصوير أحمد المرسى، المؤلف/ السيناريست أحمد مراد معًا، 3 أسماء لفنانين مختلفي الأسلوب لكنهم تجمعوا علي 3 أعمال متتابعة "الفيل الأزرق" ثم "الأصليين" وحاليًا "تراب الماس" مع كل خطوة منهم يثبت الثلاثى أنهم فى تطور متصاعد ليس فقط على الصعيد الشخصى فى تجربة كل منهم ولكن فى عملهم معا كفريق، لسنوات كان وجود عدة أشخاص يحملون رؤى متقاربة ولهم مشروع واحد أمر نادر الحدوث على الصعيد السينمائى المصري، لكن على الرغم من بعض المشاكل والمستوى الفنى المتوسط لبعض العناصر إلا أن تجربة الثلاثى هى بالفعل الأهم والأقوى فى الفترة الأخيرة على المستويات البصرية، الفلسفية، والمجتمعية فى مصر.
على المستوى البصرى ما قدمه المرسي تقنيا دعم رؤية مروان، حيث أن المقارنة هي عنصر أساسي في بناء الفيلم للتوضيح والتركيز على المتغيرات، مقعد الحديقة كمثال شهد 3 أزمنة جلس عليه حسين الزهار (محمد الشرنوبى) مع تونا ليتو (تارا عماد) في مرحلتين عمريتين مختلفتين وجلس عليه حسين (أحمد كمال) وابنه طه (آسر ياسين)، كل جلسة منهم تعبر عن اختلاف جوهري ورئيسى فى حياة المجتمع المصري لذلك التعبير عنهم بصريا لابد أن يقدم بشكل مختلف وهو ما حدث على مستوى عدد من العناصر منها الملابس لكن اهمها وابرزها الإضاءة والتصوير، المرسي عبر وبدقه عن الاختلافات بالتنوع في تقديم شكل مختلف للصورة ليخلق فاصل واضح بين العصور المتعاقبة.
ما بين الرواية والسيناريو قدم مراد تغيرات هامة، فالرواية الصادرة عام 2010 تنتمى لـ "بوب آرت" خفيفة مسلية لا تحتاج لمجهود كبير فى قرائتها، لغة سلسلة معلومات أولية، مشوقه جدًا كل هذه العوامل جعلت من ومن مؤلفها علامة مميزة عند قطاع كبير من القراء، لكن تحول هذه الرواية لسيناريو فيلم على يد نفس الكاتب أكسبها عمق وبعدين سياسى واجتماعى، أول الإختلافات هو تمديد زمن الرواية لتصل إلى الوقت الحالى واختزال الرواية نفسها فى النصف الأول من الفيلم، وفتح آفاق جديدة تتناسب مع الإضافات والزمن الجديد، فى الرواية هناك خطان زمنيان يصفان ما حدث للأب وما يحدث للأبن ولفك طلاسم اللغز يرجع الأبن لمذكرات الأب التى تعرض جزء من تاريخ مصر الحديث بشكل عابر، فى الفيلم لم تكن مذكرات الأب مفتاح لفك الشفرة قدر ما كانت تركة ثقيلة حملها الأبن واضطر أن يكمل ما بدأه الأب منذ السنوات المبكرة فى مراهقته وتحولت المعلومات عن تاريخ مصر لتأسيس هام فى الفيلم وبشكل واضح انه يحمل رؤية خاصة جدًا ومحددة ولم تعد مجرد استغلال لما عاصره الأب من احداث فى زيادة جرعة التشويق على العكس زاد الوضوح ليدلل على شخصية القاتل المتسلسل والذى تسبب كوده الخاص ورؤيته فى اختيار أشخاص بعينهم يراهم خونه ووجب معاقبتهم.
التأسيس هنا سياسي إجتماعى يبدأ من ثورة عام 1952 ويمتد للوقت الحالي، يبدأ بشكل واضح مما حدث مع الرئيس الأول لمصر اللواء محمد نجيب واختلاف رؤيته السياسية مع باقى أعضاء مجلس قيادة الثورة الأمر الذى لا يستخدم سياسيًا فى أحداث الفيلم قدر ما يستخدم بشكل يكشف تأثيره على المجتمع وطوائفه والتغيرات التى طرأت عليه بشكل كبير منذ الخمسينيات وحتى 2018، لم يقف الحد عند تتبع التغيرات الاجتماعية الهامة التى تسببت فيها التغيرات السياسية تبعًا لرؤساء مصر المتعاقبين ولكن رصد بشكل ما تأثير الشعور بالظلم والفساد على اشخاص قد يبدو مظهرهم بالضعف وقلة الحيلة عكس ما يظهر باطنهم كمثال طه (آسر ياسين) وحسين وسارة (منة شلبى) أو من تظهر عليهم سمات القوة سواء جسديًا كسرفيس (محمد ممدوح) أو بسبب مهنتهم كمقدم الشرطة وليد سلطان (ماجد الكدوانى) أو بسبب الوضع الاجتماعى للعائلة محروس وهانى برجاس (عزت العلايلى و عادل كرم) هذا التصنيف فى رسم الشخصيات هو ما يمنحها القوة فى التعبير عما تمثله وعندما تتصارع فى الفيلم هى لا تتصارع بشخوصها قدر ما تتصارع كأفكار تمثل المجتمع حتى على صعيد الشخصيات نفسها كالصراع الفردى وتغير معتقداتها ومبادئها وفقًا للتغيرات التى يحدثها فيهم تغير المجتمع.
هذا التأسيس يقف وراءه بشكل أساسي المخرج مروان حامد الضلع الثالث والأهم في الفريق، فالتطور الذى دخل على الرواية عند تحويلها لوسيط آخر هو الفيلم السينمائى يقف هو وراء بالخط الاجتماعي الواضح في أعماله السابقة والرامى دائما لبيان الفارق الصارخ بين ما كان وما هو حالي في مصر، تعميق هذه الرؤية ومنحها هذا البعد الفلسفى الاجتماعي لم يكن في الرواية، والرؤية البصرية بالطبع هو المتحكم فيها وفي هندستها، ومع السيطرة على هذان العنصران هناك أيضا توجيه الممثلين الذى يعد من ادواته الهامه الناجح فيها منذ أول اعماله وحتى الآن سواء كان الممثلين شباب أو من مراحل عمرية مختلفة، حالة التناغم والوصول بالأداءات لأعلى مستوي ممكن عند الممثلين حتي ولو كانوا متوسطى الموهبة، استغلالهم في العمل يكون على القدر المطلوب دون أن يظهر الفارق بين أدائهم مع من حولهم كوجود صابرين بشخصية العمة، التي علي الرغم من محدوديتها كممثلة وضعف تعبيرتها وغياب الأداء الجسدي كأحد أدوات الممثل لكنها على الرغم من ذلك موظفه كشخصية لتقدم التوجيه للبطل في مرحلة مصيرية من رحلته، علي صعيد اخر يتحكم مع الممثلين المتمكنين في مستوي وطبيعة التعبير كما الحال مع منة شلبي وشخصية سارة التي ظهرت كشخصية تابعة مسحورة بشخصية مقدم البرامج شريف مراد (إياد نصار) فتبدو باهتة تعبيراتها محدودة مجرد انعكاس صوت لشريف ومع الصدمة التي وضعت حياتها في مسار اخر تحول الأداء ليعبر عن مشاعر أكثر تعقيدا تتحول مع تطور الشخصية.