رؤية نقدية ـ "بني آدم"..دراما أخلاقية ساذجة تخدم أفكار البطل الأوحد "يوسف الشريف"
صورة أخلاقية ساذجة يضعها يوسف الشريف فى أعماله أو بمعنى أصح يقحمها عنوة ولا يهم بالنسبة له المنتج الفنى أو الدراما وانضباطها وإيقاعها، ويعاونه على ذلك فريق العمل المفضل له المكون من: زوجته/ مديرة أعماله/ ستايلست/ مصممة ملابس/ مؤلفة إنجى علاء والسيناريست عمرو سمير عاطف والمخرج أحمد نادر جلال الذين شاركوا يوسف نصف أعماله الأخيرة والتى خرجت فنيًا متوسطة الجودة فى أفضل الحالات، فلا يوسف ممثل جيد صاحب رؤية فلسفية ولا عمرو سيناريست رائد تتسم اعمالة بعمق إجتماعى كما يصور نفسه، وتراجع مستوى اعمال أحمد نادر الفنى بشكل ملحوظ مؤخرًا، وبالتأكيد إنجى علاء لا تملك أى مقومات لتشارك بأي صفة فنية فلم يظهر "تفوقها" فى أى عمل فنى شاركت فيه.
السؤال الذى يطرح نفسه بشكل ملح بعد انتهاء فيلم "بنى آدم" هو أين السيناريو؟! بغض النظر عن سذاجة فكرة الفيلم فى الأساس والمنسوبة للشريف الذى رسم لنفسه صورة الخاطئ الذى رغب فى التوبة والتطهر ولم ينالها فى الدنيا لكنه منح نفسه صك الغفران ونالها فى حياته الثانية، هى فكرة بسيطة محورية حول البطل وذات رؤية سطحية جدًا كان من المفترض أن تصطدم برؤية السيناريست وقواعد الكتابة المعروفة، هذا السيناريست مطالب -طالما ارتضى التعامل مع الفكرة- أن يصيغها ويثريها بشكل يجعلها صالحة لتكون حجر الأساس فى الفيلم.
لكن هذا ليس عمرو سمير عاطف السيناريست الخاص ليوسف الشريف! والذى تتلخص مهمته فى نفخ الفكرة بحوار مكرر وإعادة توزيع المعلومات التى يتلقاها المشاهد والتي تكشف عن الحل ليصنع بها زحامًا فى النهاية قوامه البطل المعجزة الأسطورى الذى ينجح فى خداع الجميع زوجته وزعيم العصابة وضابط الشرطة حتى أنه على الرغم من الجرائم التى ارتكبها فى حياته ينجح فى لم شمله بأسرته فى النعيم الذى يتخيله هو بعد أن يمنحه صك البراءة أستاذه القديم.
عمرو سمير عاطف يبدو كمن تعامل بالقطعة فى فيلم "بنى آدم" يعرف جيدًا ما يريده الشريف ومنحه إياه، خدم رؤيته الأخلاقية ومنحه بدلا من حيلة درامية واحدة، اثنتان كلتاهما يصورانه كأذكى وافضل من حوله، هذا بخلاف الحوار الذى يصب فى مصلحة غرور الشريف وتصويره سواء كمجرم أو كتائب بأنه الأفضل والأرقى، كما أن مساحة دوره تتفوق على مساحة زملائه الممثلين بالشكل الذى يجعلهم يبدون مجرد مهرجين يتصرفون بمنتهى العنف والتطرف والسبب فى ظهورهم بهذا الشكل هو عدم توضيح دوافعهم أو تشابكات علاقاتهم مع بعضهم البعض ورسم شخوصهم وخطوطهم الدرامية كما يجب فى السيناريو أولا وغياب توجيهات المخرج ورؤيته ثانيًا.
المشكلة الحقيقية هنا ليست فى كون "بنى آدم" مجرد فيلم يُعرض فى موسم عيد الأضحى 2018 مثله مثل الأفلام المخصصة للاستهلاك فى هذا الموسم -وهى أفضل منه بالتأكيد مع وضوح هدفها- لكن فى كونه يصدر نفسه على أنه فيلم يحمل أبعاد فلسفية واجتماعية عميقة ويمكن قراءته على أكثر من مستوى لكنه فى الحقيقة لا يعبر إلا عن الفقر الفنى.
الفيلم يزعم صاحبه أنه يميل لتغليب الصبغة الفنية على التجارية وهو ما يمكن ملاحظته بقوة عند الرجوع لتصريحات أبطال العمل عن الفيلم كأنهم يدافعون عن فكرة عدم تصدرهم لموسم سينمائى استنادا على الإيرادات لكون فيلمهم فنى أكثر لا يغازل الشباك حيث أن مضمونة لا يتناسب مع طبيعة هذا الموسم.
أحمد نادر جلال كذلك تعامل مع فكرة الفيلم القادمة من البطل المتحكم فى كل تفاصيله، كأنه سلسلة تليفزيونية، فالسيناريو جاء مناسبا أكثر لمسلسل تليفزيونى يستطيع من خلاله المخرج التغطية على المشاكل الكبيرة فى ضبط إيقاع الدراما عنده بتلخيص الحلقات السابقة عند بداية كل حلقة جديدة أو الاختباء خلف عشرات الاعلانات التى تعرض خلال الحلقة الواحدة، لم يحاول أحمد نادر جلال أن يفرض أى أسلوبية يملكها ظهرت فى عدة أفلام سابقة نجحت فى نوعها فلا يمكن أن ننكر أن أفلامه ذات الصبغة التجارية مثل "أبو على"، "1000 مبروك"، "كدة رضا"، "الجيل الرابع" هى أفلام جيدة بكل تأكيد لكن أين أحمد نادر جلال كمخرج لهذه الأفلام من"بنى آدم"؟.
قياسًا على المنتج فى شكله النهائى لم يحاول جلال أن يتفادى أي من المشاكل التى وقعت فى يده بدليل أنها ظهرت بوضوح فى الفيلم بصورته النهائية على شاشات العرض، استخدامه لسلطته فى طلب تعديلات على السيناريو بشقيه أو تكليف المؤلف بالتعامل مع الفكرة البسيطة الساذجه بجدية أكبر أو حتى استخدام المونتاج لإنقاذ ما يمكن إنقاذه لم يحدث، حتى رؤيته هو فى الفصل بين العالمين -الدنيا التى تدور خلالها معظم أحداث الفيلم، أو المكان الآخر الذى شهد انتقال بطل الفيلم آدم (يوسف الشريف) اليه بعد موته مع من ماتوا ونالوا صك البراءة- ظهرت بلا فارق لم يبدع فى أن يظهر الاختلاف بل سعى لأن تكون اللقطات قريبة تركز على الممثلين "الشريف وبيومى فؤاد" زيادة فى الغموض ليدعم اللغز الذى بالغوا كفريق عمل فى تصويره ومنحه مساحة كبيرة وانتهى بمشهد ميلودرامى ساذج بكى فيه بيومي فؤاد من عينه اليمنى فقط متأثرا بنجاة تلميذه القديم وقتها نكتشف أن حياة البطل انتهت وحلت علينا المعرفة وفهمنا كمشاهدين الـ "تويست" الثانى العميق الذى تلى الـ "تويست" الأول الذى يفسر كيف خدع آدم كل من حوله، وعليه يجب أن نتأثر ونلقى بـ"الشابوهات" على الجميع.
يمكن وصف "بنى آدم" أنه فيلم "سبوبة" تعوض غياب يوسف الشريف عن السباق الرمضانى هذا العام، أو محاولة للبقاء فى الذاكره من منطلق أن لي وفريق عملى "فيلم" فى المنافسة، أو هى محاولة صادقة من يوسف الشريف لطرح وجهة نظره ورؤيته البسيطة المحدودة للدنيا والحساب والعالم الآخر وليس ذنبه أنه لا يشاهد ولا يقرأ ولا يعرف إلى اى مدى حدثت طفرات فى فنون الكتابة والصورة فى العالم، لأنه لو قرأ وعرف لما خرج هذا العمل المشوه بهذا الشكل مع افتراض أهميته من قبل الشريف وفريق عمله المتكرر تعاونهم معه، وربما يكون هناك الكثير من الصفات التى تعبر عن هذا العمل لكنه بالتأكيد ليس فيلم ولا سينما.