رؤية نقدية ـ دراما المراهقين..مواجهة أمريكية - إسبانية فى ساحة "نتفليكس"!
حتى حقبة التسعينيات، لم تكن دراما المراهقين تحظى بتلك الأهمية التى تحظى بها اليوم، وقد أدرك صُناع الدراما التليفزيونية فى أمريكا منذ منتصف الستينيات، أهمية هذا الجمهور الكبير من المشاهدين المراهقين، وهم جمهور من طلاب المدارس، وبدأت شركات الإنتاج فى صناعة مُحتوى درامى يلائم هذه الفئة العمرية؛ فالمراهقين هم أبطال حكايات هذه المسلسلات، ومشاكلهم النفسية والإجتماعية وأزمات مرحلة البلوغ هى موضوع الحلقات. وقد وضعت شركة "فوكس" يدها على هذا النوع من الدراما، وقدمت عام 1990 مسلسل ناجح بعنوان Beverly Hills, 90210، وعبر عشرة مواسم، عُرضت خلال عشر سنوات، تعرض المسلسل لحكاية عائلة إنتقلت من ولاية "كانساس" الريفية الأمريكية، إلى مدينة "بيفرلى هيلز" الأرستقراطية بولاية كاليفورنيا، وركز العمل على تعامل الأبناء، وهم طلاب فى المرحلة الثانوية، مع المجتمع الجديد عليهم، داخل وخارج المدرسة، وأصبحت المدرسة هى المسرح الأهم فى دراما المراهقين.
13 سبباً لانتحار "هانا بيكر"
جاء مسلسل "13 سبباً" 13 Reasons Why عام 2017 ليسجل خًطوة نجاح كبيرة لشبكة "نتفليكس" فى مجال نوعية دراما المراهقين؛ فالمسلسل يجمع بين مناقشة أزمات طلبة الثانوية النفسية والاجتماعية المعتادة، ويبحث غموض دوافع انتحار الطالبة "هانا بيكر". السؤال الذى طرح نفسه بقوة بعد الإعلان عن موسم ثانٍ لمسلسل "13 سبباً" 13 Reasons Why هو: لماذا الإسترسال فى قصة إنتهت؟ وقد كان الموسم الأول كافياً، وحمل فى مشاهده كل عوامل النجاح؛ فقد قدم فكرة ميلودرامية جذابة عن "هانا بيكر"، وهى طالبة ثانوية انتحرت، وتركت ثلاثة عشرة شريط كاسيت بصوتها؛ تحكى فيها لماذا أقدمت على قتل نفسها، ووجهت إتهاماتها الصريحة للأشخاص الذين كانوا سبباً فى تعاستها، ويأسها من الحياة، ومن خلال تلك الحكايات تتفتح قضايا شائكة عن أزمة تعامل فتاة مراهِقة مع الحب، والتنمر، والتحرش، ومن خلال فلاش باك مُتصاعد نصل إلى ذروة الأحداث، وهى مشهد الانتحار الذى أثار جدلاً كبيراً؛ وذلك بسبب واقعيته ودمويته؛ بالإضافة إلى كم الأسى والحزن الذى تخلل تلك اللقطات.
هل Elite هو النسخة الإسبانية من 13 Reasons Why؟
فى مقابل "هانا بيكر" تظهر شخصية "مارينا-ماريا بدرازا" فى مسلسل "النخبة" ـ Elite” "، وهى فتاة هشة ومريضة، ولكنها ثرية، وهذا hختلاف جوهرى بين المسلسلين، ورغم أنها تموت فى أحداث الموسم الأول، لكنها لا تنتحر، بل تُقتل، ومن الاختلافات الجذرية بين العملين أن شخصية "ماريا" ليست الشخصية الجوهرية بالعمل، ولا تتمحور الأحداث حولها، وقد جاء الموسم الثانى من مسلسل "13 سبباً" ليحكى نفس الحكاية من وجهة نظر الشخصيات الأخرى، وكان يشكك فى كثير مما روته "هانا بيكر"، ويُظهرها "دراما كوين" وهو ذلك المصطلح الأمريكى الذى يصف الفتاة كثيرة الشكوى والنحيب، والتى تتأثر بأتفه المشاكل، وتُضخمها، ولأن هذا الاسترسال كان مجرد استغلال لنجاح الموسم الأول، فلم تكن هناك وسيلة لإنتاج جزء ثالث يجذب المشاهد إلا بجريمة قتل أحد شخصيات المسلسل المهمة، وعُرض الموسم الثالث مؤخراً تحت عنوان "من قتل برايس ووكر؟"، وهكذا تنازل المسلسل عن كثير من صفات نوعية مسلسل دراما المراهقين، ليدخل فى متاهة ألغاز المسلسل البوليسى.
صراع النُخبة والفقراء فى مدرسة إسبانية
الدراما فى مسلسل "النخبة" تحتوى على خيوط متنوعة ومختلفة، ويجمع بينها أمرين أساسيين، أولهما، أن خلفية الأحداث تدور فى مدرسة ثانوية لأبناء النخبة الإسبانبة، وثانيهما، أن الصراع الدرامى الرئيسى يدور حول الفروق الطبقية والعنصرية داخل المجتمع الإسبانى، وهذا الصراع يبدأ بعد حصول ثلاثة طلاب من أصول فقيرة على منح دراسية، تضعهم جنباً إلى جنب داخل مدرسة يرتادها أبناء النخبة.
الشخصيات الثلاثة هم أبطال العمل الرئيسيون؛ "نادية-مينا الحمانى"، وهى فتاة مسلمة مُحجبة تحاول التأقلم مع مجتمع المدرسة المنفتح، و"صمويل-إيتزان إسكاميلا"، وهو طالب من عائلة فقيرة يقع فى غرام زميلته الثرية "مارينا"، و"فاريلا-ميجيل هيران"، وهو شاب فقير يحاول الإندماج مع زملاءه ومجتمع النخبة والأثرياء، بلا أية تحفظات.
الدراما الإسبانية لديها ميل لموضوعات التشويق والإثارة، وبالإضافة لمسلسل La casa de papel قدمت إسبانيا عدد من أفلام الجريمة والغموض التجارية الناجحة للغاية، ومسلسل "النخبة" يًقدم صراع الأغنياء والفقراء الشباب بعناصر التشويق والإثارة، ويجعل من جريمة القتل التى تحتل مكاناً فى خلفية الأحداث، مجرد محرك للشخصيات، وإختباراً لقدرتهم النفسية على التعامل مع أزمات أخلاقية حساسة، ومع مُحاولات التأقلم مع مجتمع طبقى يلفظ الفقراء والمختلفين.