تأملات "الجولدن جلوب"..هل أصبح "مارتن سكورسيزي" ضحية الحرب ضد "نتفليكس"؟
لم يتوقف "ريكي جرافيس"، مُقدم حفل الجولدن جلوب رقم 77 عن إطلاق نكاته اللئيمة، التى تسخر من نجوم الحفل وأعمالهم الفنية الأخيرة، وطالت نكاته الكبير والصغير، وأعضاء رابطة الصحافيين بهوليوود ،منظمي حفل الجولدن جلوب، الذين اتهمهم بالجهل باللغة الإنجليزية ووسائل التواصل الاجتماعى؛ فلو فهموا تغريداته لمنعوه من تقديم الحفل، على حد قوله، ورغم سُخريته الموجعة القاسية الهجومية، استقبل الجميع تعليقاته بالضحكات، حتى ضحايا سخريته، شاركوا الجميع الضحك؛ ربما من باب تحمل البلاء وكظم الغيظ، أو التواضع أمام الحضور، ولكن ماذا عن أوجاع بعضهم بعد تجاهل الرابطة لهم ولأعمالهم الفنية؟ كيف تحمل بعضهم نكات "جرافيس" المهينة على مضض، وأيضاً عادوا لبيوتهم يجرون ذيول خيبة الأمل، ويتحسسون في جيوبهم خطب فوز عاطفية ومؤثرة، لم تُتح لهم فرصة الوقوف على المسرح لقرائتها.
الرجل الأيرلندي الحزين
أكثر ضحايا الجولدن جلوب هذا العام هو فيلم The Irishman "الرجل الأيرلندي"، وهو فيلم المخرج "مارتن سكورسيزي" الأخير، وقدم فيه ملحمة درامية عن عالم الجريمة في نيويورك، بداية من الخمسينيات وحتى الثمانينيات، مرتكزاً على سيناريو متميز كتبه "ستيفن زاليان" عن كتاب تناول سيرة قاتل محترف حقيقي، ونفذ الكثير من عمليات القتل لصالح المافيا في نيويورك، وترشح الفيلم لخمس جوائز، هى أفضل فيلم دراما، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو، وجائزتي التمثيل لأفضل دور مساعد لكلا من "آل باتشينو" و"جو بيشي"، ولم يحصل أحد على أي جائزة، وهي نتيجة مخيبة لأمال "سكورسيزي" ورفقته، وهذه النتيجة الصادمة مؤشر سلبى لحظوظ الفيلم في حفل الأوسكار القادم؛ فمن سوء حظ "الرجل الأيرلندى" أنه سقط ضحية حرب ضد شبكة "نتفليكس"، منتجة الفيلم؛ إذ يعتبر عدد لا بأس به من المخرجين وأعضاء الأكاديمية أن أفلام الشبكة لا يجب أن تنافس على جوائز الأفلام السينمائية، لأنها تعتمد على وسيط مختلف للعرض، هو التليفزيون والكمبيوتر والأجهزة اللوحية والهواتف الخلوية، ولا يمكن تمرير مفارقة حصول "نتفليكس" على 34 ترشيحاً لجوائز الجولدن جلوب، وفوزها بجائزتين فقط، واحدة منهما حصلت عليها "لورا ديرن" عن دورها في فيلم Marriage Story "قصة زواج"، ولا أتوقع أن يصوت كثير من أعضاء لجان الأوسكار القادم لصالح فيلم "الرجل الأيرلندي"، أو أى فيلم أخر من إنتاج "نتفليكس".
تواضع واكين وغطرسة الجوكر
لم يفز فيلم "توم هانكس" بجائزة التمثيل عن فيلمه A Beautiful Day in the Neighborhood، لكنه فاز بجائزة "سيسيل دي ميل" عن مشواره الفنى، وأمسك جائزته بإمتنان، وكانت خطبته مُغرقة في اللطف والمشاعر الإنسانية كالمتوقع، وكذلك كلمة المذيعة "إلن ديجنرز"، الفائزة بجولدن جلوب عن مسيرتها الإعلامية.
وحينما صعد "واكين فينكس" لنيل جائزته وضعها على أرضية المسرح باستهتار، وتحدث إلى زملاءه المرشحين عن فئة أفضل ممثل، وقال أنه لا يعتبر نفسه أفضل من منافسيه، وأنه يتعلم منهم جميعاً، وكان هذا لطيفاً للغاية، لكن لُطفه انقلب إلى غطرسة "جوكرية" حينما بدأ ينتقد فكرة الجوائز والتنافس، ووصفها بعروض تليفزيونية هدفها الدعاية والإعلانات والأموال، ولم يكن تعليقه ملائماً، خاصة أنه ضيف مؤسسة تنظم ثاني أشهر مسابقة للسينما والتليفزيون داخل الولايات المتحدة، وحصل للتو على أهم جوائز التمثيل.
وربما يؤثر هذا الأسلوب الهجومي المتغطرس على فرص حصوله على الأوسكار؛ فهوليوود قد تتقبل مزاح "ريكى جرافيس"، مهما كانت خشونته، لكنها لا تتهاون مع التقليل من شأن صناعتها وجوائزها، وثوابت أساليبها في الترويج لأفلامها ومسلسلاتها. على العكس تماماً، نجح المخرج "كوانتين تارانتينو" بفيلمه "حدث ذات مرة، في هوليوود"، فى الحصول على ثلاث جوائز، هي أفضل فيلم، وأفضل سيناريو (كوانتين تارانتينو)، وأفضل ممثل دور مساعد (براد بيت).
"رامي يوسف" فائزاً و"رامي مالك" مُرشحاً
على موسيقى شرقية مصرية تحمل روح الثمانينيات، من مؤلفات المُبدع المصري "هانى شنودة"، صعد الممثل الشاب من أصول مصرية "هاني يوسف" لاستلام جائزة أفضل ممثل عن دوره في المسلسل القصير Ramy، الذى يجسد فيه دور شاب من عائلة مصرية مهاجرة للولايات المتحدة، يعيش معاناة الازدواجية الثقافية، بين عادات عائلته الشرقية، وبين تحرر المجتمع الغربى، وفوز "رامي" مفاجأة كبيرة، خاصة أن قائمة الترشيحات المنافسة له قوية، وتضم بينها مثلا "مايكل دوجلاس" عن دوره المتميز في مسلسل The Kominsky Method، وفى نفس الحفل حضر "رامي مالك" الذى أصبح ضيفاً تقليدياً لحفلات "الإيمي" و"جولدن جلوب" و"الأوسكار"، لكنه لم يتمكن من الحصول على جائزة أفضل ممثل عن الموسم الجديد من مسلسله Mr. Robot.
جوائز القادمون من الخلف
رغم الشعبية الكبيرة التى حظي بها مسلسل The Morning Show وكاريزما بطلتيه "جينفر أنيستون" و"ريز ويذرسبون"، لكن جائزة التمثيل التليفزيونى ذهبت بكل استحقاق إلى "أوليفيا كولمان"، التي استلمت الراية من مواطنتها "كلير فوي" في الجزء الثالث من مسلسل The Crown من إنتاج "نتفليكس"، وقدمت فيه شخصية الملكة إليزابيث في مرحلة عمرية أكثر نضجاً من الجزئين الأول والثانى، ونقلت "كولمان" شخصية الملكة إلى أبعاد درامية أكثر نضجاً وثراء، خاصة في تعاملها مع الشخصيات والأزمات المحيطة بها، وجاء فوز مسلسل Fleabag بجائزتي أفضل مسلسل كوميدي، وأفضل ممثلة كوميدية (فوبي وولر بريدج) مُدهشاً، وربما لأن المسلسل لم يحظ بدعاية كبيرة، ولكنه عمل مُلفت ومبتكر عن شابة تحاول لملمة شتات حياتها في لندن، بعد تعرضها لمُصاب أليم، ولا شك أن أداء "فوبي" الكوميدي الخاص من أهم عوامل نجاح هذا العمل الإجتماعى الساخر. حتى جائزة فيلم الأنيمشن تجاوزت أفلام شهيرة من إنتاج "ديزني" و"بيكسار" مثل Frozen 2 وToy Story 4 وThe Lion King، وذهبت إلى فيلم Missing Link، ونجح فيلم Parasite "طفيليات" الكورى الجنوبى في أن يحتل مكانه المٌستحق كأهم فيلم غير ناطق بالإنجليزية لهذا العام، وتسلل الفيلم الحربي الإنساني 1917 من خلف أفلام هامة مثل "الجوكر" و"الرجل الأيرلندي"، و"قصة زواج" ليقتنص جائزتي أفضل فيلم دراما، وأفضل مخرج (سام منديز) ويتصدر قائمة أهم أفلام العام.
هذه الترشيحات وغيرها كانت في خلفية المشهد، المُزدان بأعمال أكثر شهرة، لكنها نجحت في اجتياز عوائق المشهد الهوليوودى، واقتنصت جوائز صعبة المنال، ولأن حسابات الأوسكار أصعب، وأكثر تعقيداً فكثير من الفائزين بجوائز الجولدن جلوب قد لا يحصلون على الأوسكار الذهبى.