جوائز البافتا BAFTA 2020 تذهب لأفلام تُناهض الحروب وشخصيات تفتقد البهجة!
الملاحظة الأهم في حفل "بافتا- BAFTA 2020" في الدورة رقم 73 أن الأفلام الفائزة بجوائز فئات "أفضل فيلم"، و"أفضل فيلم بريطاني"، و"أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية" لم تفز بأي من جوائز التمثيل الكبرى؛ وجائزة أفضل فيلم ذهبت لأعمال تميزت بفكرتها، وبعناصر الصناعة السينمائية أكثر من تميزها بعنصر الأداء التمثيلي، أما جوائز التمثيل فقد ذهبت إلى أفلام تفوق فيها الممثل على الفيلم نفسه، وبينما انقسمت الأراء على القيمة الفنية لأفلام مثل Joker "جوكر"، وJudy "جودي"، و Marriage Story "قصة زواج"، وOnce Upon a Time In Hollywood "حدث ذات مرة في هوليوود"، لم تتردد البافتا في منح جوائز التمثيل الأهم لأبطال هذه الأفلام.
1917 ومئات من الجوائز!
لم يكن اكتساح فيلم الدراما الحربية "1917" لجوائز البافتا غريباً؛ فهو واحد من أهم أفلام العام، وقدم تجربة درامية وإنسانية مُلهمة، تناهض الحروب، وتضع المشاهد في حالة قلق وخوف تتماهى مع حالة الجندي المكلف بالتسلل عبر خطوط العدو، وإبلاغ كتيبة من جنود الحلفاء أنهم ذاهبون إلى كمين خطط له الجيش الألماني، وقد استلهم مخرج الفيلم وكاتبه "سام منديز" فكرة الفيلم من تجربة حقيقية عاشها جده، الذي شارك فى الحرب العالمية الأولى، وصنع "منديز" حالة بصرية مثيرة عن أهوال الحرب، وعن عبثيتها، وقدمها بعيون جندي صغير وخائف، ألقى بنفسه فى بحر مهمة انتحارية، دون أية إستعدادات خاصة لتأمين رحلته الخطرة.
الفيلم مُرشح لعشر جوائز أوسكار، وربما لن يحصل على عدد كبير منها، لكن يُتوقع أن يفوز بأوسكار أفضل فيلم، خاصة بعد فوزه بجائزتي أفضل فيلم، وأفضل مخرج فى مسابقة الجولدن جلوب، وحصده سبع جوائز في مسابقة البافتا، منها "أفضل فيلم"، و"أفضل فيلم بريطاني"، وأيضاً جوائز الإخراج والتصوير والصوت والمؤثرات البصرية والديكور، وهذه الجوائز تضعه فى مرتبة الفيلم الأفضل من حيث الصنعة، وتوظيف عناصره السينمائية من أجل فكرته الدرامية.
فاز الممثلون وخسرت أفلامهم!
حينما نتحدث عن فيلم "جوكر" يطول الحديث عن أداء "واكين فينكس"، حتى أننا ننسى عناصر الفيلم الأخرى، والحقيقة أنه نسيان منطقى؛ فأداء "فينكس" تفوق على كل عناصر الفيلم، ورغم أن الفيلم عن شرير عالم جوثام سيتي، المدينة الخيالية التي يعيش فيها "باتمان"، لكن أداء "فينكس" ورسم الشخصية بملامح المريض النفسي المضطهد جعلا "الجوكر" أيقونة جذابة للتمرد والعنف، وقد نجت الموسيقى التصويرية للفيلم من تأثير بريق البطل الباهر، وحصلت الآيسلندية "هيلدور كوانادوتير" على جائزة أفضل موسيقى تصويرية.
فوز "رينيه زيلويجر" بجائزة أفضل ممثلة، عن دورها في فيلم "جودي" يكرس نفس حالة "واكين فينكس" مع فيلم "جوكر"، وربما بصورة أكثر وضوحاً؛ فنحن أمام فيلم دراما شخصية جيد لا أكثر، تمنحه بطلته أداء إستثنائى يطغى على تفاصيله الأخرى. الأمر الملفت، الذي يجمع بين جوائز التمثيل الأربع هو الحالة النفسية للشخصيات، وهى شخصيات مُعذبة، تفتقد السعادة، ولا تجد الأمان والحب الذي تحتاجه؛ نجد هذا مع الجوكر "واكين فينكس" الذي يسخر منه من حوله، والممثلة "جودي جارلاند-رينيه زيلويجر" التي تحرمها قسوة استديوهات هوليوود من ممارسة حياتها الطبيعية، وتمارس هوليوود قسوتها أيضاً مع ممثل مجازفات "براد بيت" يعمل كبديل لبطل يأفل نجمه "ليوناردو كابريو" في فيلم "حدث ذات مرة في هوليوود"، وأخيراً نرى المحامية النسوية "لورا ديرن" التى تتحيز دائماً للمرأة في فيلم "قصة زواج"، والتي تجعل من حالة إنفصال زوجين حرب نسوية ضد الرجل.
جوائز "الطفيليون"!
يُمثل فيلم كوريا الجنوبية Parasite "الطفيلي" حالة إستثنائية في النجاح العالمي؛ فالفيلم حصد حتى الآن ما يقرب من 175 جائزة، منها جائزتي بافتا عن فئتي "أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية"، وأفضل سيناريو مكتوب خصيصاً للسينما، وجائزة أفضل فيلم أجنبي في الجولدن جلوب، بالإضافة إلى 187 ترشيحاً، من بينهم ستة ترشيحات للأوسكار القادم، والفيلم قدم حدوتة سينمائية كوميدية عن عائلة فقيرة تستخدم الخداع من أجل العمل لدى عائلة ثرية، وهو أمر يبدو لطيفاً ومرحاً في البداية، لكنه يتحول إلى مأساة حينما تتهدد مصالح العائلة الفقيرة، وتشعر بخطر فقدان فرص العمل التي حصلت عليها بصعوبة بالغة. ينتمي الفيلم إلى مدرسة الكوميديا السوداء، ويقدم فكرة سينمائية جذابة عن صراع الطبقات، وعن فتنة العلاقة بين مجتمع الأثرياء والفقراء.
الحرب بعيون طفل متعصب
حصل فيلم Jojo Rabbit "جوجو الأرنب" على جائزة السيناريو المقتبس عن نص أدبي، وهي الجائزة الوحيدة التى حصل عليها من بين ستة ترشيحات، منها أفضل دور مساعد، وموسيقى، ومونتاج، ويقدم الفيلم حكاية كوميدية عن عالم طفل ألماني في العاشرة، يعيش في برلين، فى الشهور الأخيرة من الحرب العالمية الثانية، وهو يعيش بصحبة أمه ويفتقد أبيه الذي ذهب إلى الحرب، واختفت أخباره، ووالدته تعمل سراً ضمن جماعة تدعو للسلام وتناهض حكم الحزب النازي، وقدوته وصديقه الخيالي هو "هتلر"، والفيلم يقدم فكرة مبتكرة عن مرحلة زمنية قتلتها أفلام الحروب سرداً، ورغم مأساوية الموضوع، إلا أن الفيلم يعرض وقائعه بسرد يميل للسخرية والمبالغة الكوميدية التى تُمثل رؤية البطل الطفولية لمأساة بلد تعيش حرب كراهية، وحالة تقديس لديكتاتور جلب الموت للملايين. وعن الحرب أيضاً فاز فيلم For Sama "من أجل سما" بجائزة الفيلم الوثائقي، وهو عمل يرصد وقائع الحرب في سوريا.
لم تحب البافتا فيلم "الرجل الأيرلندي"، رغم حصوله على عشرة ترشيحات منها الإخراج والسيناريو، وجائزتى التمثيل لكل من "جو بيشى"، و"آل باتشينو"، وقدمت الأكاديمية البريطانية القليل جداً لملحمة "تارانتينو" السينمائية الأخيرة "حدث ذات مرة في هوليوود"؛ إذ رُشح فيلمه لعشر جوائز، وفاز بواحدة فقط، وتلاعبت بأعصاب "سكارليت جوهانسون"، و"مارجو روبي"، وكل منهما ترشحت لجائزتي تمثيل عن فيلمين مختلفين، ولم تفز أى منهما بجائزة واحدة، واقتنص فيلم الأنيمشن الأسبانى Klaus "كلاوس" جائزة البافتا من أفلام "ديزني" و"بيكسار" الشهيرة Toy Story 4 "قصة لعبة 4"، و Frozen II "مُتجمد 2".