رؤية نقدية ـ Freud‏..دراما نفسية خيالية تكسر الحواجز المألوفة

الكثير من الأعمال الدرامية فى الفترة الأخيرة تميل إلى الاعتماد على الخيال وتتحرر من الالتزام بالدقة التاريخية بشكل كامل، وتعتبر القصة أو الشخصيات الحقيقية ليست إلا خطوطا أساسية يمكن التعديل عليها وذلك اعتمادًا على وجود وسائل أخرى للحصول على معلومات موثقة، ما سبق هو الأساس لصناعة المسلسل القصير Freud، فالتدقيق التاريخى لم يعد مطلوبًا فى الأفلام والمسلسلات الروائية، والوثائقيات هي التي تتحمل هذا العبء أكثر خاصة مع الرواج الكبير لها سواء كأفلام او مسلسلات ووجود قنوات متخصصة فى عرضها وتحظى أيضًا بنفس الأهمية فى مكتبات المنصات الإلكترونية العالمية.

طبيعة الأفلام والمسلسلات الروائية تميل للخيال أكثر فى ملئ الفراغات ولصنع الإبهار المطلوب، وهو البديل للكثير من الأحداث الرتيبة والعادية التي تمر فى حياة البشر بشكل دائم لكنها لا تصلح للسينما والتليفزيون، فيلم  Darkest Hour على سبيل المثال فى مشهد الذروة عندما هبط رئيس الوزراء وينستون تشرشل إلى مترو انفاق لندن والتقى مجموعة عشوائية  من الشعب، من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية وحديثهم معه ساعده على اتخاذ قراره الحاسم وألهمه خطابه التاريخى أمام مجلس العموم، فى الحقيقة لم يحدث وكان إضافة من المخرج والمؤلف ليتحول على أيديهم وبإبداعهم الحدث المعتاد إلى غير معتاد وبالتالي يحظى بالتفاعل والجذب.

مسلسل Freud

تدور أحداث مسلسل Freud حول قصة حياة عالم علم النفس سيجموند فرويد الشخص الذى كسر المألوف واستقال من عمله كطبيب أعصاب وأسس عيادته الخاصة المعتمدة على أسلوب التحليل النفسى فى العلاج والذى تحول لمدرسة يسير عليها العديد من الأطباء النفسيين.. يجسد المسلسل فرويد شابًا "روبرت فينستر"، فى فترة الحيرة والتخبط ما بين رضوخه للسائد وعمله كطبيب أعصاب يحاول علاج الهيستريا بالتنويم المغناطيسى ويحاول إثبات أنها مرض نفسى لا عصبي، وكذلك المشاكل التي تقف بينه وبين الزواج من حبيبته مع مشكلة إدمانه ومشاكله المادية.

لا نحتاج أكثر لنعرف أن حياته فى مرحلة صعبة، هذه التفاصيل بالتأكيد حقيقية لكن ما غيرها فى المسلسل هو الخيال بعينه، الصدفة التي بنى عليها الشق الخيالى الخارق للطبيعة فى المسلسل هي الصدفة التي تجمعه بالعائلة المجرية وطقوسها السحرية العجيبة التي تفتح له بابًا على التنويم المغناطيسى، حيث يممكن إثبات أنه علاج مؤثر وفعال والسبب الوسيطة الروحية فلور (إيلا رومف) ليصطدم برئيسه فى العمل الطبيب المسئول وينتهى الأمر بطرده، وعلى مدار 8 حلقات نعيش مغامرة مرعبة فرويد الشاب هو بطلها.

التميز فى هذا النوع من الأعمال يكون فى خلق حالة من الواقعية حول الخيال، هناك بالتأكيد تدقيق تاريخي فى عناصر الملابس والديكور والمكياج تجعل من التفاعل مع الأحداث الخيالية كأنها واقع حسب عالم المسلسل فالمقارنة بين الصور المنتشرة لفرويد فى هذه المرحلة العمرية وكذلك إمبراطور النمسا وولي عهده وملابسهم والملابس العسكرية للجيش والشرطة  يؤكد على قيام صناع المسلسل ببحث تاريخي ونفس الحال ينطبق على شكل عيادة فرويد الخاصة والتى ظهرت فى المسلسل وشكل المدينة ككل.. الإيهام بأن الخارق للطبيعة هو الحقيقة يعتبر عنصر الجذب فى المسلسل.

إعادة تجسيد واقع لم يكن التصوير السينمائى قد سجله، واستغلال اسم فرويد ومجاله العلمي الصعب إثباته لأنه ليس ملموسًا كمعظم العلوم ساهم فى زيادة حالة الغموض، فدراسات فرويد تركز على اللاوعي الذى حاول فى مرحلة من حياته أن يصل اليه بالتنويم المغناطيسى، أي أن المسلسل انطلق من حدث حقيقى وانتهى بحدث حقيقي وهو تأسيس فرويد لعيادة خاصة يمارس من خلالها طريقته فى العلاج التي رفضها أستاذه فى المستشفى لكن مغامرة فرويد مع مفتش الشرطة هي محض خيال قاده ليكون أمام الإمبراطور الذى تحاك ضده مؤامرة كبيرة تدخل فيها عوامل نفسية وخارقة للطبيعة.

مثل هذا النوع من المسلسلات يكون محفز للبحث عن حقيقة الأشخاص والأحداث فيكون المشاهد قد استفاد بالتعرف على الشخصيات وفى الوقت نفسة تخلص من الحياة العادية المكررة التي يعيشها وعاشها هؤلاء الأشخاص فى الحقيقة واستعاض عنها بخيال صنعه فنانين يفتح مجالا للتفاعل معه.

مسلسل Freud