الموسم الرابع من La Casa de Papel..استمرار نجاح أم مُجرد حظ جيد؟
حقق الموسم الأول من مسلسل La Casa de Papel "بيت الورق" نجاحاً مقبولاً بين الجمهور الإسباني بعد عرضه الأول محلياً، كان مسلسل حركة وجريمة عن عملية سطو واحتجاز رهائن جريئة، تتم في وضح النهار، وكان الهدف تقديم تفاصيل عملية السطو على موسمين، وسارت الأمور بنجاح في الموسم الأول، وأحب الجمهور العمل، وشاهده حوالي 4.5 مليون مشاهد، وتعاطفوا كثيراً مع الشخصيات، وجذبتهم الحكاية المشوقة، لكن حماس الجمهور خفت في الموسم الثاني وأظهرت تقييمات المسلسل هبوطاً حاداً فى نسب المشاهدة، وفشل العمل في الحفاظ على اهتمام المشاهدين، وغالباً كان السبب هو الإغراق في تفاصيل العلاقات بين الشخصيات على حساب عملية السطو بتفاصيلها الذكية.. بدأ العمل ناجحاً ومبشراً ثم انتهى فاشلاً ومحبطاً، وطوى فريق العمل صفحة المسلسل الذي لم يحبه الجمهور الإسباني، ووافقت شركة الإنتاج على بيع حلقات الموسمين إلى شبكة "نتفليكس" التي كانت تحاول ضم أعمال من لغات وثقافات مختلفة إلى مكتبة أعمالها الدرامية الضخمة.
المال ليس كل شىء!
لم يكن هدف عملية السطو في المسلسل هو المال؛ فالبروفيسور كان يتحدى الشرطة وينتقم لمقتل والده أثناء عملية سطو سابقة، ولكن هل يكفي هذا الهدف الشخصى لتجنيد مجموعة لصوص وإقناعهم بتنفيذ واحدة من أكبر وأصعب عمليات السطو المسلح؟ لم يحظ "بيت الورق" بدعاية خاصة حينما عرضته "نتفليكس"، وكان مُجرد أحد الأعمال الغير أمريكية التي انضمت لمكتبة المنصة؛ والأمر الذي لم يحسبه صُناع المسلسل والقائمون على شبكة "نتفليكس" أن رصيد الأعمال الإسبانية الناجحة السابقة خلق حالة فضول لمشاهدة المسلسل، وحقق سيناريو العمل الذكي، وايقاعه السريع، وشخصياته المرسومة بتفاصيل جذابة نجاحاً دولياً غير متوقع، وأصبح المسلسل الذى فشل إسبانياً ناجحاً عالمياً، ووضعت "نتفليكس" شيك على بياض أمام فريق العمل لتخطيط وتنفيذ عملية سطو أخرى.
كان الأمر صعباً للغاية؛ فعملية سرقة دار صك العملة نجحت وهرب اللصوص بغنيمتهم وانتهى المسلسل عند نقطة يصعب العودة إليها، وذهبت الشخصيات بعيداً وعملية إعادتهم شبه مستحيلة، ولكن من الصعب مقاومة أموال "نتفليكس" والشهرة الجديدة ورغبة الجمهور العالمي في عودة البروفيسور وعصابته لتنفيذ عملية سطو جديدة.
لم الشمل وخطة سرقة جديدة!
الموسم الرابع الذي عُرض مؤخراً هو الجزء الثاني من عملية السطو الجديدة، بعد أن أعاد البروفيسور لم شمل العصابة من أجل عملية سطو جديدة؛ بهدف تحرير "ريو"، ويبدو أننا أمام جزء خامس قادم من المسلسل الظاهرة؛ فنهاية هذا الجزء كانت مفاجئة وتحمل مزيد من الغموض حول مصير عملية السطو الصعبة. المسلسل حافظ على عناصر نجاحه الأساسية؛ فهو يقدم عملية سطو مستحيلة، تحمل كثير من التفاصيل الذكية المثيرة، وإستمر في صنع علاقات عاطفية مضطربة بين الشخصيات، وقد أصبحت شخصيات المسلسل سر نجاحه الحقيقي؛ فهى شخصيات متنوعة المشاعر، وتشبه في ملامحها العامة الشخصيات العادية التي يمكن أن نقابلها في الحياة اليومية، ورغم أن المسلسل عن عملية سطو واحتجاز رهائن، لكن حبكات قصص الحب والغيرة والكراهية والغضب والإنتقام جزء من عناصر جاذبية المسلسل واستمرارية نجاحه.
مزيد من عناصر التشويق!
الموسم الرابع وقبله الثالث أسرفا للغاية في المبالغات الدرامية خاصة في حبكة عملية السطو والهروب من حصار الشرطة، ولكن الموسم الرابع حاول إضافة عناصر جديدة لتذكية الصراع الدرامي والتشويق؛ وزاد من مساحة دور "جانديا" قائد حرس البنك الوطني الإسباني، وهو أحد الرهائن، وتمكن من تحرير نفسه، وبدأ في خلق خط درامي جديد وخطير للشخصيات داخل البنك، وهو إضافة لصراع البروفيسور وعصابته مع الشرطة التي تحاصر البنك وتحاول إقتحامه، وشخصية "جانديا" بما يحمل من مواصفات خاصة، وقدرات عسكرية فائقة، ومعرفة أكبر بالبنك، ومكان الغرفة المحصنة الخفي صعدت بالصراع الدرامي إلى أفق جذاب ومختلف، هون قليلاً سطحية ومبالغة أداء شخصية المُحققة "أليثيا-نجوى نيمري" وفي نفس الوقت أضافت عبئاً على شخصية البروفيسور الذي تشهد خطته حالة إنهيار كبير، خاصة بعد إصابة "نيروبي" القاتلة، والقبض على حبيبته محققة الشرطة المارقة "راكيل".
ماذا حدث لذكاء السيناريو؟
فتنة التشويق والإثارة والنهايات المفاجئة للحلقات جعلت السيناريو يلجأ للكثير من المبالغات التي يصعب بلعها مهما كنت مُحباً للمسلسل، وتبلع له الزلط؛ مثال ذلك خطة "باريس" لتحرير "راكيل" أثناء توجهها وسط حراسة مشددة للمحكمة، وهى تحمل كم من المبالغات التي تجعلها خيالية للغاية؛ فهى تعتمد على عمليات مُعقدة من الخداع والتمويه يصعب الإعداد له في وقت قصير للغاية، خاصة مع مجموعة جديدة يعمل معها البروفيسور لأول مرة، ويُضاف لقائمة المبالغات إجراء "طوكيو" جراحة صعبة لإخراج رصاصة من رئة "نيروبي"، ولجوء العصابة لقطع الإتصال عن الشرطة وإستخدام طائرة هليكوبتر عسكرية قديمة اشتروها سابقاً والتحرك بها في سماء مدريد تحت بصر الشرطة وأجهزة الأمن، وتحريض "باليرمو" شديد الذكاء لجانديا على الهرب لم يكن منطقياً، ومحاولته هو الهرب من البنك بحقيبة لا تحتوى مستندات كما إدعى نوع من العبث الغير مفهوم، وهناك الكثير من المبالغات التي تذهب بحبكة السرقة إلى مناطق بعيدة عن الذكاء التي إنتهجه السيناريو في تنفيذ عملية السرقة الأولى. لجأ العمل لإعادة شخصيات إنتهى دورها في عملية السرقة الأولى؛ مات "برلين" أثناء إقتحام الشرطة لدار صك العملة، وأصبح "أرتورو" نجم إعلامي شهير مُستغلاً شهرة عملية السطو، والمعلومات التي يحكيها للجمهور كرهينة سابق وشاهد على الأحداث، وفي حين مبرر عودة شخصية "برلين" من خلال مشاهد الفلاش كان مبرره أنه صاحب خطة سرقة البنك، جاء مبرر عودة "أرتورو" سطحياً؛ فقد تسلل للبنك ليكون شاهداً على الأحداث من جديد، ورغم شخصيته الجبانة ظل يمارس لعبة التحريض ضد العصابة، ولم يزد دوره عن كونه وسيلة إزعاج إضافية.
الموسم الرابع به الكثير من المط والتطويل ومع ذلك لم تنتهي القصة بنهايته، وترك النهاية مفتوحة لمزيد من إستثمار نجاح المسلسل الذي خَفَت بريق الإبداع في حبكته، وعلا بريق المبالغة والأفكار الجنونية البعيدة عن المنطق، وربما يجعل التنفيذ الجيد لمشاهد الحركة كل تلك الثغرات مقبولة في عمل إفتقد عناصر قوته الدرامية الأولى، لكنه لم يفقد تأثيره وسحره على جمهور دراما الأكشن والجريمة.