مسلسل "Defending Jacob"..جريمة مُراهِق تُشوه صورة أسرة مثالية!
تتقدم شبكة "أبل تي في +" فى عالم الإنتاج الدرامي الرقمي بخطوات بطيئة لكنها واثقة وثابتة، وأهم ما يلفت النظر في أخر ما عرضته على منصتها هو المسلسل البوليسي القصير Defending Jacob "الدفاع عن جيكوب"، الذي قام ببطولته الممثل "كريس إيفانز"، القادم من عالم السينما وأفلام السوبر هيروز، والذي ارتبط في ذهن المشاهد بشخصية "كابتن أمريكا"، جندي الحرب العالمية الذي اكتسب قوة خارقة، واستمر في مُحاربة أعداء أمريكا، ولكن "إيفانز" في المسلسل البوليسي يُجسد دور مُحقق شرطة بارع، مُحترم في مجال عمله، وهو أب يعيش مع أسرته الصغيرة في منزل هادىء فى مقاطعة ماساتشوستس الأمريكية، وتتعرض هذه الأسرة المثالية لمحنة مُفاجئة حينما يُتهم الابن المراهق "جيكوب باربر" بقتل زميلة في المدرسة الإعدادية، ولا يتوقف الأمر عند إتهام "جيكوب"، بل ما تكشفه التحقيقات من عيوب العائلة التى تبدو مثالية بصورة واضحة للجميع.
الجانب المُظلم من الصبي "جيكوب"
الصبي "جيكوب" مُجرد مراهق يُعاني من الخجل وتنمر بعض زملاءه، وبسبب هدوءه وصمته يراه رفاقه بالمدرسة غريب الأطوار، ولكنه يحظى بإهتمام ورعاية وتفهم والديه؛ ولهذا تستقبل عائلته إتهامه بالقتل بصدمة وعدم تصديق؛ فهذا الصبي الرقيق الذي أنهى لتوه مرحلة الطفولة لا يمكن أن يرتكب جريمة مثل القتل، والأمر برمته يبدو خطأ، ولكن هناك بصمة "جيكوب" التي عثر عليها فريق الأدلة الجنائية على الجاكت الذي كان يرتديه القتيل، وهناك أقاويل يُرددها زملاء "جيكوب" عن تنمر القتيل به، ويضع كل ذلك الصبي في موضع المتهم، وحسب قوانين المقاطعة سيُحاكم كشخص ناضج رغم أنه قاصر بحكم سنوات عمره. المسلسل مأخوذ عن رواية الكاتب "ويليام لانداى"، وسيناريو وتطوير "مارك بومباك" وإخراج "مورتين تيلدوم"، وهو مكون من 8 حلقات تنتمي لنوعية دراما التحقيقات والمحاكمات، وتتطور أحداثه وشخصياته بإيقاع بطىء، ولا شىء مما نراه ونعرفه ونكونه عن عائلة "جيكوب" في الحلقات الأولى يبقى على حاله في الحلقات اللاحقة، وتبقى الأدلة ضد الفتى وتفنيد محامية الدفاع مجرد تفاصيل قانونية تصنع هيكل دراما بوليسية تقليدية، ولكن أزمة الوالدين وكذلك المُشاهد هى عدم القدرة على تخمين الحقيقة؛ فطِباع "جيكوب" الصموت الهادىء تضعه في موقع البرىء الذي يصادف حظاً سيئاً، ولكن بعض تصرفاته ومشاهداته لمواقع إلكترونية تعرض مشاهد التعذيب والعنف تُسلط الضوء على مناطق قاتمة داخل شخصيته، ويصيب هذا التلاعب الدرامي المشاهد بالحيرة وهى نفس الحيرة التي تصيب الأب الذي يُقاوم ضغوط الأدلة ضد إبنه، و الأم التي تبدأ في إستدعاء مشاهد مُلتبسة من طفولة "جيكوب" تُشوش إيمانها ببراءة إبنها، وسيمر الوالدين والمُشاهد بنوبات الشك والتعاطف طوال حلقات المسلسل.
شُكوك وشُجون عَائلية
يقدم "كريس إيفانز" بأداء مُعبر ومتماسك شخصية "آندي باربر"، رجل العائلة المثالي؛ فهو المُحقق الدؤوب المُلتزم بالقانون، والأب المُحب والمُتفهم لطبيعة ابنه الخجول الذي يمر بمرحلة مراهقة وتشوش، والداعم الأكبر له في محنة اتهامه بجريمة قتل مُروعة، وهو الزوج الذي يدعم زوجته "لوري-ميشيل دوكري" بعد أن فقدت عملها وأصدقائها والأمان النفسي، وهو يحاول حماية عائلته الصغيرة من الانهيار التام، بعد أن تلطخت سُمعتها، وبعد أن كشف التحقيق والتدقيق فى تفاصيل حياة العائلة مناطق قاتمة وغامضة نزعت عنها الصورة الوردية المثالية؛ فلم يشفع لآندي مثاليته كأب وكمُحقق حينما كشفت التحقيقات أن والده يقضي عقوبة طويلة في السجن لارتكابه جريمتي قتل واغتصاب، وهو السر الذي أخفاه حتى عن أسرته، ومن ناحية أخرى تزداد شكوك الأم في ابنها الصغير، وتستدعي حوادث قديمة تُشير إلى ملامح عُنف كامن داخله، وتتداعى الأسرة وسط ضغوط المحاكمة القاسية داخل قاعة المحكمة، والمحاكمات الأخرى التي يقوم بها الرأى العام والإعلام والمجتمع، والأسوأ هى الشكوك التي تُسمم نفوس أفراد العائلة وثقتها في بعضها البعض.
دراما الصور المُلتبسة
في حلقات المسلسل تحاول الطبيبة النفسية التى تقوم بتقييم نفسية "جيكوب" تفنيد شكوك الأم نحو ابنها، بتوضيح المواقف التى تظنها الأم إشارات تُدين ابنها، وكيف يكون النظر لبعض المواقف خادعاً في بعض الأحيان، وتضرب مثلاً بنوعية من الصور المُلتبسة الغامضة الشهيرة، منها تلك الصورة التي رسمها "ويليام إيلي هيل" بعنوان "زوجتي وحماتي"، وترى فيها وجه فتاة شابة ترتدي قبعة، ثم تدقق فيها فترى وجه سيدة عجوز، ويُحدد الوجه الذي تراه حالتك النفسية أو ما ترغب في رؤيته، ولكن الحقيقة نفسها تظل مُلتبسة، وهذا ما تعيشه الأم التي تواجه أزمة حُبها العميق لابنها، وخوفها من أن تكون قد ربت طفل داخله بذرة قاتل جامد الإحساس، وتُسيطر عليه جينات جده، الذي جسد دوره الممثل "جيه كيه سيمونز"، وكان ظهوره القوي المُعبر في مشاهده القليلة غامضاً ومخيفاً؛ فهو الأب السجين الذي أسقطه ابنه "آندي" من كل حساباته منذ طفولته، والجد الذي يشعر برابط ما بينه وبين حفيده المُتهم بقتل فتى كان يتنمر عليه ويؤذيه نفسياً، ويظل الفتى "جيكوب" الذي يؤدي دوره الممثل الموهوب "جيدن مارتل" هو الشخصية المحورية للعمل، ويُقدم شخصية صبي يُعاني من التنمر المدرسي، و يحمل مشاعر جامدة وغائمة ومضطربة، مما يجعله شخصية سهل الاشتباه بها.
ربما قدم المسلسل عمل بوليسي مُسلي في ظاهره، ولكنه تجاوز تفاصيل هذا النوع ليُسلط الضوء على صورة غامضة وخادعة؛ قد تراها صورة مُشرقة وجميلة عن أسرة مثالية تعيش حياة اجتماعية ناجحة، وبعد تدقيق النظر تراها صورة قاتمة عن أسرة تُعاني صراع داخلي بين الواجب العائلى والعدل، ولا يكاد أفرادها يميزون بين حقيقة ما حدث وما يظنونه قد حدث.