في ذكرى ميلادها الـ 130..رومانسية "أجاثا كريستي" تحت اسم مُستعار!
في الثالث من ديسمبر عام 1926 اكتشف رجل الأعمال والعسكري البريطاني السابق "أرشيبالد كريستي" اختفاء زوجته الكاتبة المعروفة "أجاثا كريستي" من المنزل، وفي اليوم التالي وجدت الشرطة سيارتها مهجورة في مكان مُنعزل بمنطقة "نيولاند كورنر" البعيدة عن منزلها، ومرت أيام دون العثور على "أجاثا"، وانتقل خبر الاختفاء الغامض إلى الصحافة، مع عناوين مثيرة وفاضحة، تشير إلى احتمالية انتحار "أجاثا" بعد طلب زوجها الطلاق؛ ليتزوج سكرتيرته الحسناء "نانسي نيل"، ولكن شائعات أخرى تناولها بعض العامة عن احتمالية قتل ارتكبها الزوج، وإخفاء جثة زوجته بخطة ذكية تشبه حبكات الجرائم بروايات زوجته. عادت "أجاثا" بعد 11 يوما من الاختفاء مُدعية أنها فقدت الذاكرة، وحتى اليوم لا تزال تفاصيل تلك الأيام لغزاً لم يحله أحد.
السينما وحقيقة اختفاء "أجاثا كريستي"!
بعد عامين من وفاة "أجاثا كريستي" (15 سبتمبر 1890 - 12 يناير 1976) عرضت السينما البريطانية فيلم بعنوان Agatha "أجاثا"، وجسدت الممثلة "فينيسيا ريدجريف" شخصية "أجاثا كريستي"، وقام "تيموثي دالتون" بأداء شخصية زوجها الأول "أرشيبالد كريستي"، وشارك "داستين هوفمان" في الفيلم بشخصية مراسل أمريكي يقع في غرام الروائية الشابة، وحاول الفيلم الذي كتبته "كاتلين تينان" حل لغز إختفاء "أجاثا" الذي حير الشرطة لمدة 11 يوماً، ولأن الدراما تفتح الباب للخيال؛ فقد تناول الفيلم الحكاية من زاوية تجمع بين الوقائع والتخمينات والاثارة الدرامية؛ فالفيلم يدعى أن "أجاثا" رحلت إلى مصحة علاج طبيعي بمدينة "هاروجيت"، وحاولت الانتحار صعقاً بالكهرباء؛ وخططت بدهاء للعبث بجهاز التحكم بحوض استحمام كهربائي، يُستخدم فى علاج أمراض التهاب المفاصل، وتنجح خطتها وتصعقها الكهرباء، لكن يتم إنقاذها، وبعد افاقتها تنسى تماماً هويتها، وما حدث لها خلال الأيام الأخيرة، وسبب وجودها داخل مصحة علاج طبيعي في مدينة لا تعرف عنها شيئاً.
على أرض الواقع، وبعيداً عن الدراما أصرت "أجاثا" بعد عودتها على قصة فقدانها الذاكرة، وهو مبرر غياب مُبتذل للغاية، لكن بعض الأطباء الذين قاموا بتحليل حالتها أقروا أن فُقدان الذاكرة المؤقت وارد الحدوث، وقد يكون نتيجة إنهيار عصبي؛ بسبب صدمة خيانة زوجها، بالإضافة إلى حُزنها الشديد على وفاة والدتها.
رومانسية "ملكة الجريمة"
خلف لقب "ملكة الجريمة" الذي أُطلق على "أجاثا كريستي" توجد فتاة خجولة رقيقة المشاعر، عاشت طفولة هادئة وسعيدة في "توركاى"، وهى مدينة ساحلية جميلة وهادئة، تقع في مقاطعة ديفون في جنوب غرب إنجلترا، ويُطلق عليها اسم الريفييرا الإنجليزية، وقد وُلدت فيها قبل 130 عاماً، وقامت أمها بتعليمها في المنزل، حسب تقاليد عائلات الطبقة المتوسطة الثرية في ذلك الزمان، وعانت في طفولتها من نوبة برد شديد أقعدتها في السرير فترة طويلة، وطلبت منها الأم تسلية نفسها بكتابة قصة، ولم تكن لها أية تجارب في الكتابة، لكنها جربت وكتبت عدد من القصص القصيرة المقبضة التي يموت أغلب أبطالها، وربما يظن البعض أن الكاتب " جورج ر. ر. مارتن" أشهر روائي قتل الشخصيات الرئيسية في رواياته، كما فعل في سلسلة "لعبة العروش"، ولكنه لم يصل إلى ما فعلته "أجاثا" عام 1939 في رواية "ثم لم يبق أحد"، حينما قتلت كل شخصيات الرواية العشرة.
رغم عشرات الجرائم التي كتبت عنها "أجاثا" في روايتها كانت في حقيقتها شخصية لطيفة ومنطوية، ولم تكن تميل للحياة الصاخبة، وهى لم تُدخن أو تتناول الخمر في حياتها أبداً، وقبل إكتشاف حُبها للكتابة كانت تحاول تعلم الموسيقى أثناء دراستها في فرنسا، وكانت تتدرب على الغناء والعزف على البيانو، لكنها لم تكن صبورة بالقدر الكافي لتعلم القواعد الموسيقية، وتلقت أول عرض للزواج أثناء رحلة مع عائلتها إلى القاهرة، وكان عمرها 17 عاماً، ورفضت أمها العرض بحجة صغر سن ابنتها، وتزوجت بعدها بسبع سنوات من الضابط الوسيم "أرشيبالد كريستي"، وعانت معه الإهمال وافتقاد الصحبة الزوجية.
حكايات "ماري ويستماكوت"
في عام 1930 كانت "أجاثا" كاتبة روايات بوليسية معروفة، وأصدرت عشر روايات حققت نجاحاً كبيراً، ولكنها تقرر كتابة رواية رومانسية مأساوية بعيدة عن عالم التحقيقات البوليسية، وكانت الرواية بعنوان "خبز العملاق"، وكانت الشخصية الرئيسية لعازف عبقري مُولع بالموسيقي، يعاني من العشق وفقدان الذاكرة وضغوط تقاليد العائلة، ونشرت "أجاثا" روايتها باسم مستعار هو "ماري ويستماكوت"، وحتى بداية الخمسينيات لم يعرف أحد الهوية الحقيقية لويستماكوت، وتحت هذا الاسم المستعار كتبت "أجاثا" ستة روايات، وكانت روايات تميل لتحليل المشاعر الإنسانية، وتسرد حكايات عن الحب والصداقة والعائلة، وكانت شغوفة للغاية بتلك النوعية التي كانت تضم ملامح من حياتها وتأملاتها الخاصة في الحب والفن والحياة، وكانت تجلس لكتابة الرواية من هذا النوع بتدفق وبلا توقف تقريباً، وقد كتبت روايتها "غائبة في الربيع" في ثلاثة أيام فقط، وحظيت رواياتها الرومانسية بإشادات نقدية جيدة للغاية.
أثناء رحلة إلى العراق تعرفت "أجاثا كريستي" علي عالم الأثار الشاب "ماكس مالوان"، ووجدت في شخصيته الهادئة الحانية ما تبحث عنه بعد طلاقها، وتزوجته عام 1930 وهى في الأربعين وكان يصغرها في السن بحوالي 13 عاماً، وعاشت معه في سعادة حتى وفاتها.
عادت السينما المعاصرة إلى حكاية اختفاء "أجاثا" مرة أخرى، وذلك من خلال فيلم Agatha and the Truth of Murder "أجاثا وحقيقة الجريمة"، والفيلم عُرض عام 2018 وحاول تفسير اختفاء الكاتبة من خلال حبكة درامية بوليسية تناولت وقائع أزمتها العاطفية الزوجية، ومعاناتها مع التوقف عن الكتابة، وركز الفيلم على حكاية خيالية عن قيامها بمغامرة سرية للتحقيق في جريمة قتل بنفسها، مُستخدمة اسم مستعار هو "ماري ويستماكوت"، وحينما تحل اللغز تعود إلى منزلها، مع قصة مُلفقة للتغطية على إختفائها الغامض، وهى حكاية سينمائية لطيفة عن أيام غامضة من حياة ملكة الجريمة.